قبل أيام من موعد امتحان شهادة البكالوريا..سلطة ضبط السمعي البصري تحذر من المساس بحقوق الأطفال    تحضيرا لموسم الاصطياف.. مخطط خاص بالرقابة والتموين في 14 ولاية ساحلية    القرار يحض حاملي المشاريع غير الجاهزة.. الشروع في إلغاء مقررات الاستفادة من العقار    بريد الجزائر: تعديل مواقيت العمل بشمال وجنوب الوطن    في سابقة تاريخية..ترامب يرسل المارينز لاحتواء احتجاجات لوس أنجلوس    كرة القدم/ مباراة ودية: المنتخب الجزائري ينهزم أمام نظيره السويدي 4-3    الديوان الوطني للتطهير: قرابة 800 تدخل خلال أيام عيد الأضحى لضمان استمرارية الخدمة العمومية    مجلة "آفاق سينمائية" : إبراز دور السينما الجزائرية في فضح الاستعمار الفرنسي    نفذتها "منظمة الجيش السري" للاستعمار الفرنسي:حرق مكتبة الجامعة المركزية عام 1962 جريمة ضد الفكر والإنسانية    وزير الشؤون الدينية والأوقاف:التعاون المثمر بين مكونات البعثة وراء نجاح موسم الحج    مجلس الأمن:البوليساريو تدحض ادعاءات ممثل دولة الاحتلال المغربي    البطل سقط في ميدان الشرف يوم 6 جوان 1958..ولاية باتنة تحيي الذكرى ال 67 لاستشهاد علي النمر    مجلة الجيش:الجزائر سترفع كل التحديات داخليا وخارجيا    حيداوي يدعو الجمعيات الشبانية للانفتاح على شراكات محلية ووطنية    موانئ: اعتماد ميناءين كنموذج أولي لتجريب استراتيجية العصرنة الجديدة    حادثة محاولة الانتحار أمام مقر وزارة العدل: إيداع 4 متهمين الحبس المؤقت    طاقة ومناجم: بحث افاق التعاون بين المؤسسات الجزائرية و "ميتسوبيشي باور أيرو" اليابانية    في لقاء مع السفير الصيني.. بوغالي يشيد بالعلاقات الجزائرية-الصينية ويدعو لتوسيع الشراكة    العدوان الصهيوني: الهجوم على سفينة "مادلين" جزء من الإبادة الجماعية    جمع جلود الأضاحي, أداة لدفع عجلة تطوير الصناعة الوطنية للجلود    الفنانة التشكيلية نورة علي طلحة تعرض أعمالها بالجزائر العاصمة    اتفاقية تعاون علمي بين جامعة "بلحاج بوشعيب" لعين تموشنت وجامعة هيوستن الأمريكية    كرة القدم / بطولة افريقيا للاعبين المحليين 2025 : مجيد بوقرة يقر بصعوبة ضبط التشكيلة النهائية    العروض الوطنية للفيلم السينمائي "محطة عين لحجر" تتواصل عبر عدة ولايات    مجلس الأمة: السيد بوجمعة يبرز أهمية الرقمنة بقطاع العدالة    مؤشرات الاقتصاد الجزائري تتحسّن    البرتغال تُتوّج بدوري الأمم الأوروبية    حجز قرابة 1.5 مليون قرص مهلوس بباتنة    بطولات وتضحيات خالدة في الذاكرة الوطنية    الجزائر تتحصّل على جائزة لبيتم    الحجّاج يؤدون طواف الوداع    العدوان الصهيوني على غزة : ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 54981 شهيدا و126920 مصابا    فلسطين : مستوطنون صهاينة يقتحمون المسجد الأقصى المبارك    ورقلة : حجز أزيد من 62 ألف كبسولة من "بريقابالين"    تكريس لإرادة سياسية واضحة لحماية "ذاكرة وطن"    يختطف سفينة "كسر الحصار" على قطاع غزة    ضرورة تفعيل الحسابات وتحميل الملفات قبل 12 جوان    تكرس قيم الاحترافية والوطنية التي تحدو منتسبي القطاع    تنظيم عودة أول فوج للحجاج الجزائريين إلى أرض الوطن    آخر الروتوشات لانطلاق امتحان البكالوريا    640 ألف مليار لاقتصاد أقوى ومعيشة أحسن    اللجنة المنظمة تطلق اليوم الموقع الرسمي للحدث    المديرية العامة للحماية المدنية تطلق مسابقة توظيف    خطوة أخرى لتعزيز التنمية بقرى وادي الأبطال    "التطور الحضاري لمدينة تلمسان" محور يوم دراسي    تتويج سيليا العاطب سفيرةً للثقافة الإفريقية 2025    استشراف لمستقبل الفن والتكنولوجيا    رفع ألفي طن من النفايات    جمع 27 ألف "هيدورة"    مجلس الأمة يهنّئ بالجائزة الذهبية "لبيتم"    إجماع على استقدام جمال بن شاذلي    مبادرة حسنة من الحجّاج الجزائريين    لماذا سميت أيام التشريق بهذا الاسم    الخضر يضعون اللمسات الأخيرة    توسعة الحرم المكي: انجاز تاريخي لخدمة الحجاج والمعتمرين    ويلٌ لمن خذل غزّة..    هذه أفضل أعمال العشر الأوائل من ذي الحجة    عيد الأضحى المبارك سيكون يوم الجمعة 06 جوان 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تاريخ الفتح الاسلامي لمصر

للمسلم في هذه الحياة مهمة جليلة وعظيمة وضحها الصحابي الجليلربعي بن عامرt في حواره مع رستم قائد الفرس، عندما سأله قائلاً: ما جاء بكم؟ فقال ربعي: إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيقالدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسلنا بدينه إلىخلقه لندعوهم إليه، فمن قبل منا ذلك قبلنا منه حتى نفضي إلى موعود الله. فقال: وما موعود الله؟ قال: الجنة لمن مات على قتال من أَبَى، والظفر لمنبقي. فإذا سُمِحَ لهم بتوصيل دعوة ربهمIفبها ونِعْمَتْ، وإن لم يسمح لهم بذلك قاتلوا من يمنعونهم من إيصال الدعوة.
والذي يجب أن نعلمه أن كل رسول مُطالَب بالبلاغ، ومن مصلحة الناس فيالدنيا أن يصلهم البلاغ، فالناس لا يدركون أين المصلحة، مثل الطفل الذي لايدري قيمة الدواء. والإسلام دين عالمي يجب تبليغه إلى الناس كافة، وقد وردفي كتاب الله تعالى آيات عديدة تدل على عموم الرسالة وعالمية الإسلام،منها:
1- إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (87) وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ [ص:87-88].
2- إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآَنٌ مُبِينٌ (69) لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ [يس:69-70].
3- تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا [الفرقان:1].
4- وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ [سبأ:28].
5- قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا [الأعراف:158].
6- نَذِيرًا لِلْبَشَرِ [المدثر:36].
7- قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِوَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُوَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواالْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29) وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَىالْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَقَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّىيُؤْفَكُونَ (30) اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًامِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّالِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّايُشْرِكُونَ (31) يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِبِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْكَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىوَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَالْمُشْرِكُونَ [التوبة:29-33].
فهذه الآيات توضح دون ريب أو شك عالمية الدعوة الإسلامية وعموميةالرسالة التي يجب تبليغها إلى الناس أجمعين بالحكمة والموعظة الحسنةادْعُإِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِوَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [النحل:125].
ركز الإسلام في نفوس أتباعه المؤمنين مبدأ العزة، وجعل شعورهم بها شعارًا: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ [المنافقون:8]. ولا بد لهذه العزة أن تبقى وتنتشر بين الشعوب المضطهدة المظلومة، والجهادهو وسيلة بثها ونشرها، وجعل الإسلام لهذه العزة مؤيدات وضمانات هي:
1- ربط ضمير المؤمن بمثل أعلى هو الله؛ فلا يعرف المؤمن الخضوع إلا لربه، ولا يخشى أحدًا سواه.
2- جعل الإنسان يسمو على كل طبقية أو حسب أو نسب، أو مال أو جاه، أو لونأو جنس. وجعل العمل الصالح لخير الفرد والمجتمع في الدنيا والآخرة منشأَكل تقدير أو شرف: وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا [الأنعام:132].
3- مبدأ المساواة في الحقوق.
4- العدل المطلق قوام المجتمع والحكم، فلا تفاوت بسبب قرابة أو مودة أو عداء.
5- تحريم الاعتداء على الأنفس والأموال والأعراض.
فالعزة لا تعني الاستعلاء أو البغي أو التسلط، ومع ذلك فهي عزة قائمة على القوة وجاعلة هدفها السلم في العلاقات الدولية: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ [الأنفال:61]. وما قوة العزة، وعزة القوة إلا للدفاع عن المبدأ والدعوة، وردع الاعتداء وظلم الظالم، فالعزة درع الرسالة وصون لها.
الفتوحات الإسلامية مطلب ديني أم دنيوي؟
من المؤكد أنه ليس في الفتوحات الإسلامية مطلب دنيوي على الإطلاق، بلعلى العكس، ينفق المسلمون أرواحهم وأموالهم ليصلوا بدعوة الله إلى الناس. والدليل على أنه لا مطلب دنيوي أنه إذا آمن قوم احتفظوا بكل ما يملكون.
بل انظر إلى جواب زهرة بن الحوية عندما عرض عليه رستم الذهب والكساءقبيل القادسية، قائلاً له: "انصرف وقومك ولكم منا جُعْل". فقال زهرة: "إنالم نأتكم بطلب الدنيا، إنما طِلْبتُنا وهمتنا الآخرة". وانظر أيضًا إلىجوابالمغيرة بن شعبةلرستم حين قال: "قد علمت أنه لم يحملكم على ما أنتم عليه إلا ضيق المعاش،وشدة الجهد، ونحن نعطيكم ما تشبعون به، ونصرفكم ببعض ما تحبون". فما كان منالمغيرة إلا أن سَخِرَ منه ومن رأيه ومن ماله، حيث صاح به بألا مناص منواحدة من ثلاث: الإسلام، أو الجزية، أو القتال.
فلو أراد الفاتحون مالاً دون نشر الدعوة والعقيدة، لرضوا بالمال دوندماء، ولحفظوا أرواحهم وعادوا بأموال تكفيهم بلا تعب ولا إرهاق، أو تيتيمأو ترمُّل. فمن ذا الذي يحمل رأسه على يده ويقاتل بها أقوى جيوش الدماروالفتك لينال من بذخ العيش؟!
وإذا نظرنا إلى التاريخ الإسلامي نجد أنه مملوء بقصص البطولات التي لايمكن أن يسطرها إلا صاحب عقيدة مُثلَى رسخت في فكره وقلبه، وملأت حياته،ولا تصدر هذه البطولات إلا من إنسان صار كالمَلَك، وصار يعلم لماذا يبذلالروح، وماذا يطلب بها، وهيهات أن تجد في أمة من أمم الأرض مثل هذهالبطولاتوَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [الحشر: 21].
ففي القادسية: خرج رجل فارسي من أهل فارس ينادي من يبارز؟ فبرز له علباءبن جحش العجلي، فضربه علباء فأصاب رئته، وضرب الفارسي علباء فأصاب أمعاءه،مات الفارسي من ساعته، أما علباء فخَّر على الأرض فلم يستطع القيام، فعالجإدخال أمعائه فلم يتأتَّ له، حتى مَرَّ به رجلٌ من المسلمين فقال: يا هذا،أعني على بطني؟ فأدخله له، فأخذ علباء جلد بطنه ثم زحف باتجاه عدوه منالفرس ما يلتفت إلى المسلمين، فأدركه الموت على رأس ثلاثين ذراعًا من مصرعهإلى صف الفرس!!
وفياليرموك: كم من منادٍ يصيح قائلاً: من يبايع على الموت؟! لا على الغنيمة، فتفكر.
وقال ورقة بن مهلهل التنوخي - وكان صاحب راية أبي عبيدة في اليرموك-: "كان من أوائل من افتتحوا الحرب غلامٌ من الأزد، وكان حدثا كَيِّسًا، قاللأبي عبيدة: أيها الأمير، إني أردت أن أشفي قلبي، وأجاهد عدوي وعدوالإسلام، وأبذل نفسي في سبيل الله تعالى لعلِّي أُرزَقُ الشهادة، فهل تأذنلي في ذلك؟ وإن كان لك حاجة إلى رسول اللهفأخبرني بها"!!
هذا يمثل فتية الإسلام فكيف برجالاته ؟! إنهم يبتغون نشر دعوة أو شهادة.
وفي نهاوند "فتح الفتوح": لِنَرَ ماذا قال النعمان بن مقرن المزني قبلبدء المعركة، لقد قال: "اللهم أعزز دينك، وانصر عبادك، واجعل النعمان أولشهيد اليوم. اللهم إني أسألك أن تقر عيني اليوم بفتحٍ يكون فيه عز الإسلام. أَمِّنوا يرحمكم الله"!!والبطولات في هذا الميدان أعظم من أن تحصى، ومع كل ذلك فنحن لا نُكرِهأحدًا أبدًا على الإسلام، ومحال أن تجد في التاريخ حادثة واحدة تدل علىذلك، بينما تجد العكس في كثير من دول العالم في القديم والحديث: روسياوالصين، وقبل ذلك في محاكم التفتيش.في كل فتوحات الإسلام ما دُنِّسَ إنجيلٌ ولا توراةٌ، وما سُبَّ نبيٌّ، بل نرفع كل الأنبياء فوق كل البشرلَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ [البقرة:285].
غير المسلمين في الدولة الإسلامية
على أن الذي يعيش على غير الإسلام في دولة إسلامية فإنها تحترم حقوقهتمام الاحترام، ولا يجوز ظلمه بأي حال من الأحوال، وأمثلة ذلك في التاريخلا تحصى.
فمن حقهم الملكية، والعبادة الشخصية، وأَكْلُ ما يشتهون، وشُرْبُ مايريدون، ومن حقهم العمل بالوظائف المختلفة، ولا يُظلَمون أبدًا، وقد قالرسول الله: "أَلَامَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا، أَوْ انْتَقَصَهُ، أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَطَاقَتِهِ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ، فَأَنَاحَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
أما بالنسبة للجزية فنجد أنها أقل بكثير مما كانوا يدفعونه من ضرائب،سواء للرومان أو للفرس أو غيرهما؛ فالجزية لا تُؤخَذُ على النساء، ولاالأطفال، ولا الشيوخ، ولا المرضى، ولا المعتكفين للعبادة، وإنما تؤخذ فقطمن القادرين على القتال وحمل السلاح، وهي تؤخذ في مقابل الدفاع، وإذا عجزالمسلمون عن الدفاع عنهم رُدَّتْ إليهم جزيتُهم، كما حدث مع أهل حمص، ولكنإذا قُورِن بين الجزية والزكاة نجد أن الأرخص له أن لا يظل كافرًا!!
والحقيقة أن الفارق عظيم وهائل بين المناهج السماوية والمناهج الأرضية، فهل سمعتم بشعوب كاملة تدخل في دين المحتل إلا مع الإسلام؟
فلماذا يحدث ذلك؟ والجواب ببساطة: لأن المنهج مقنعٌ، ولا يقارن بالمرة!
وتراهم يقولون: الحل العسكري حلٌّ رجعي.
والحقيقة أنه في كثيرٍ من الأحيان يكون الحل العسكري حلاًّ واقعيًّا، فكم نتمنى أن تسمح الدول بالدعوة دون مقاومة، ولكنهم لا يفعلون.
ثم إن ما فعلته كل الدول الاستعمارية في الدول المحتلة، أليس ذلك حلاًّعسكريًّا، سواء في القديم أو الآن؟! أليس هناك دول إسلامية محتلة؟! أَحَلالٌ على الدول المحتلة أن تنشر إباحيتها بالقوة، ويحرم على المسلمينأن ينشروا فضيلتهم؟! إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ [ص:5].
لميكنفتح مصر عشوائيًّا، وإنما كان ذلك بخطة محكمة ودراسة مسبقة، ويرجع السبب فيذلك إلى عدة عوامل؛ منها ما هو ديني أو عسكري أوسياسي أو اقتصادي أو غير ذلك.

1- الدافع الديني:
يتمثل هذا الدافع في رغبة المسلمين في الاضطلاعبأعباء الدعوة الإسلامية العالمية، وضرورة أداء أمانة تبليغها إلى العالمين لإبراءالذمة أمام اللهU، وقد سبق للمسلمين في عهد الرسولدعوة المقوقس إلى الإسلام سلميًّا، فقد أرسل له النبيالصحابي الجليلحاطب بن أبي بلتعة، وكذلكأبو بكر الصديق t أرسل إليه حاطبًا مرة أخرى، وفي عهدعمر بن الخطاب أرسل إليه كعب بنعدي بن حنظلة التنوخي، فما كان من المقوقس إلا أن اكتفى بالرد الحسن.
ولماكانت مصر خاضعة للإمبراطورية البيزنطية كان من الضروري مواجهة جند هذهالإمبراطورية على أرض مصر؛ ذلك أنهم يحولون بين المصريين وبين الدخول في الإسلام.
لقدتطلع المسلمون إلى فتح مصر بعد ورودها في كثير من المواضع في القرآن الكريم عندالتعرض لقصص الأنبياء الأولين، وتبشير النبيr صحابته بفتحها وتنويهه بجندها، وتوصيته بأهلها خيرًا، ومن أجل ذلككله حرص المسلمون على فتحها.

2- الدافع العسكري:
كانهذا الفتح طبيعيًّا لأن مصر هي الامتداد الطبيعي الجنوبي لفلسطين، كما أن فتح مافُتِحَ من مدن فلسطينية قد أجهد البيزنطيين، ولا بد من ضربة قاصمة لوجودهم في هذهالأماكن الجنوبية فكان ذلك.
ومنناحية أخرى فإن "أرطبون" قائد بيت المقدس قد انسحب منها بنظام إلى مصرلإعادة المقاومة، ودفع المسلمين عن الشام ثانية، ولذلك استدعى الأمر مباغتة هؤلاءوالإيقاع بهم قبل تزايد خطرهم واستعمال قوتهم.
كماأن الاستيلاء على ما في مصر من ثغور وسفن سوف يمكِّن المسلمين من إخضاع مدن الشامالشمالية الواقعة على البحر المتوسط، والتي كانت لا تزال تقاوم المسلمين، ففتح مصرضرورة حربية ملحة تكميلاً لفتح بلاد الشام؛ لأن الإمبراطورية البيزنطية كانت تسيطرعلى الشام ومصر وبلاد المغرب، وتلك البلاد -عسكريًّا- تعد منطقة واحدة؛ إذ إن فتحجزء منها يستلزم فتح الأجزاء الأخرى نتيجة التعرضللصدام مع عدو واحد يحتلها.
وكذلككان من الممكن عند إغفال فتح مصر مهاجمة البيزنطيين دار الخلافة عن طريق البحرالأحمر، فتهبط قواتهم إلى ميناء جدة أو الجار، وتتم مهاجمة الحجاز.
وكانمن دواعي فتح مصر أيضًا أن البيزنطيين حاولوا استرداد الشام من المسلمين، وأرادواعرقلة جهودهم للتوجه جنوبًا، وهاجموهم من شمال الشام، فشعر المسلمون أنهم محاصرونبين قوات بيزنطة في آسيا الصغرى وقواتهم في مصر.
أضفإلى ذلك أيضًا سهولة فتح مصر الذي لن يكلف العرب المسلمين سوى القليل من الأرواحوالأموال؛ لقلة التحصينات بها.
كماأن معرفةعمرو بن العاص t لمصر ودرايته بها، وهو القائد المختار لفتح البلاد، وَفَّرَ علىالمسلمين كثيرًا من المعاناة والتكاليف. إضافة إلى أن أغلب الجند الذين اشتركوا فيالفتح كانوا من العناصر اليمنية، وأغلبهم من قبيلتي غافق وعك على وجه الخصوص،وهؤلاء اليمانية مهروا في قتال الحصون الساحلية، واشتركوا مع عمرو في فتح الحصونببلاد الشام، فهم أقدر الناس على فتح مصر ومعالجة شئونها العسكرية، كما كانوا علىدراية ببناء المدن واختطاطها، والإلمام بالزراعة، فهم من هذه الناحية العسكريةأقدر الناس على تفهم أمور مصر ومعالجة شئونها.
3- الدافع السياسي الاقتصادي:
وهويتعلق بما تَجَمَّع لدى المسلمين من معلومات عن أوضاع مصر السيئة في ظل حكمالبيزنطيين، وما تَرَدَّتْ إليه أوضاعها الاقتصادية نتيجة المظالم المادية، والنهبالمنظم لثروات البلاد لصالح الغرباء عنها.
ويُضَافُإلى ذلك الصراع الديني المذهبي الذي أَجَّجَ العداوة والأحقاد بين عامة الشعب منالقبط، وبين البيزنطيين.
أدركالمسلمون ذلك كله، وأدركوا معه غنى مصر وثراءها، وعلموا أن ضمها إلى بلدان الإسلاميضمن انتعاشًا في اقتصاد المسلمين، ويوفر لهم الأموال التي تساعد على مزيد منالفتوح، إضافة إلى أن مصر كانت مركزًا رئيسيًّا لتمويل بيزنطة بالقمح، ومع انهيارالجيش البيزنطي، وما حَلَّ بمصر من ضعف وانقسام كانت الفرصة مواتية للإقدام على فتح مصر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.