قال تعالى: «يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ». وهذا واضح في كل أحكام الشريعة، ولقد حرص الرسول صلى الله عليه وسلم عليه في كل خطوات حياته، وفي كل كلماته وأفعاله.. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ؛ فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا،وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنْ الدُّلْجَةِ». وقال كذلك: «يَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا، وَبَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا». إنه مبدأ واضح في الإسلام، ومخالفته هي مخالفة صريحة للدين، ولا يُعذَرُ المرءُ هنا بحسن نيته، و بعلو همته؛ فإن التشدد منفرٌ، والتعسير يضر أكثر مما ينفع. جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ؟!! قَالَ أَحَدُهُمْ:أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلَا أُفْطِرُ، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فلا أتزوج أَبَدًا؛ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: «أَنْتُمْ الَّذِينَ قُلْتُمْ: كَذَا وَكَذَا، أَمَا والله إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ، وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ،وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ؛ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» إن هذه القصة لَأَصلٌ من أصول هذا الباب في الإسلام.. وفيها بدت الرحمة البالغة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأمته جميعًا.. لقد استغل رسول الله صلى الله عليه وسلم القصة ليضع قاعدة عامة رحيمة تحكم حياة الناس في الإسلام، وهي أن الإسلام دين الوسطية، وأنه لا يطلب من معتنقيه أن يفرِّغُوا حياتهم للصلاة والصيام والتَّبَتُّل والاعتكاف.