أن تطأ قدماك دار العجزة " ثكنة شعبان" في يوم رمضاني و تفطر مع مقيميها رجالاً ونساء رمتهم الأقدار إلى هذا المكان فإنك تمتلا ألمًا و أسى على آباء و أمهات و أخوات يفترض أن يفطروا في أجواء عائلية حميمية وسط الأهل و الأحباب... و يغمرك أيضا الأمل و التفاؤل لما ترى محسنين يتسابقون على تنويع مائدة افطار هذه الفئة يوميا بكل ما لذ و طاب ويتسابقون لمدهم بكل ما من شأنه أن يُدخل عليهم البهجة و الفرحة و فسحات الأمل... وتفرح أيضا لما تدرك أن الطاقم العامل بالثكنة لا يدخر إلا جهدا لأداء واجبه المهني و الإنساني. حللنا بدار العجزة " ثكنة شعبان " الواقعة بحي المدينة الجديدة، حيث كانت الساعة تشير إلى تمام الثامنة إلا ربع ، انتظرنا القائمون على المركز رفقة فوج 22 مقيما استقبلونا بالزغاريد و الفرح ، حيث كانوا يستعدون لمغادرة الدار والتوجه نحو بيت أحد المحسنات للإفطار بمنزلها الواقع بحي مارافال، و التي وفرت لهم الإمكانيات اللازمة في مقدمتها الحافلة التي تنقلهم إلى منزلها ، و حسب المتحدثة فإنها تبادر سنويا إلى القيام بمثل هذه المساعدات التضامنية خلال الشهر الفضيل ، إلى جانب تنظيم رحلات استجمامية في موسم الإصطياف وهذا منذ سنة 1991 . أطباق متنوعة تزين المطبخ توجهنا إلى المطبخ الذي كانت تنبعث منه رائحة " الحريرة" و طاجين الزيتون بالدجاج، وقد كانت إحدى المحسنات هي من تتكفل بإعداد هذه الأطباق يوميا لمقيمي دار العجزة طيلة شهر رمضان الكريم، بعدها قصدنا المطعم المجاور المنقسم إلى قسمين، الأول مخصص للنساء و الثاني للرجال، حيث كان الفوج الأول من المقيمين يفطرون قبل آذان المغرب،و يتعلق الأمر بالمختلين عقليا، يأتي هذا في الوقت الذي كان فيه الشيوخ يختلسون النظر إلينا من بعيد و علامات الحيرة بادية على وجوههم، ربما كانوا يتساءلون عن هويتنا ومن هم هؤلاء الأشخاص الذين يقومون بزيارتهم في هذا الوقت . و في تلك اللحظة أخدنا مدير الدار السيد ملياني عبد الله رفقة الإطارات و مسؤولة المساعدات الاجتماعية ببلدية وهران السيدة معمري نصيرة التي شاركتنا مائدة الإفطار، في جولة عبر أركان الدار، انطلاقا من المصحة الطبية التي تتوفر على المستلزمات الطبية ، وحسب مدير الدار فإن العيادة متعددة الخدمات بحي بوعمامة دعمتهم بهذه الإمكانيات،كما يسهر طبيب عام و ممرض و طبيب نفسي على المتابعة الصحية للمقيمين، وبعدها مباشرة ذهبنا نحو غرف المسنين الذين كانوا ينتظرون آذان المغرب حتى يتوجهوا نحو المطعم ، ونحن نلقي عليهم التحية لاحظنا غرفهم النقية ومدى نظافتهم و أناقتهم ، و حسب المدير فقد خصصت لهم دار العجزة حمامين الأول نسائي والثاني رجالي . و قبل دقائق من الآذان اجتمع المقيمون حول الطاولات التي رتبت من أجلهم من قبل العاملات بالدار، حيث تم وضع الأطباق التي أعدتها محسنة والمتكونة من الحريرة ، الدجاج و الزيتون ،سلطة متنوعة مصنوعة من الشمندر و الأرز ، إضافة إلى التمر والحليب و حتى الفلان و البطيخ، و القهوة. قلوب رحيمة تتفقدهم بين الحين و الآخر كان من الصعب الحديث مع مقيمي المركز والخوض معهم في الذكريات الأليمة والأسباب التي جرتهم إلى هذا المكان، فهي بمثابة وضع اليد على الجرح وفتح جروح قديمة لم تلتئم بعد، خصوصا أن أغلبهم يعانون من اضطرابات عقلية و لا يتذكرون ما حدث لهم، كما أن جلّ المقيمين في دار الشيخوخة لا يملكون مصدرا ماليا، يأكلون ويشربون ويغتسلون ثم يخلدون للنوم، وهكذا هي يومياتهم لا جديد فيها يذكر، سوى في حال زيارات يقوم بها بعض المحسنين من حين لآخر ، ولم يخف علينا جميع من تحدثنا معهم أن موظفي المركز من المديرة إلى عامل النظافة يستحقون كل التقدير، كونهم يحملون حِمل هؤلاء الشيوخ المرضى الذين رفض حتى أبناؤهم و إخوتهم التكفل بهم..."ولا تنسى أن أغلبهم مرضى عقليا".