عندما وصلتني رسالة عن طريق المسنجر تقول. كلفني ابن عمك الطيب رمضان بالاتصال بك. يريد أن يخبرك بشيء. حاولت عبثا الاتصال به. عرفت بعدها أن وعكة صحية صعبة ألمت به. دخل بعدها في غيبوبة. اتصلت بالأهل فطمنوني عليه. سعادتي الكبيرة كانت عندما قرأت الخبر الذي أنزلته جرية الجمهورية عنه، إضافة إلى المقالة اللطيفة التي كتبها عنه صديقه محمد بلعالية في نفس الجريدة. نظرت إلى ذلك من باب الوفاء الجميل. الطيب كان يحب جريدة الجمهورية. كانت وسيلته الإعلامية المفضلة. انقل الخبر التفصيلي الذي أنزلته جريدة الجمهورية مباشرة بعد تعرض الطيب للوعكة الخطيرة. «تعرض الممثل المسرحي الطيب رمضان لوعكة صحية مفاجئة أدخلته العناية المركزة بمستشفى الجامعي بوهران حيث علمت الجمهورية أنه أصيب بدوار فسقط و جرح رأسه ليتم إسعافه لينهض سريعا بعد ذلك، لكن عاودته النوبة في المعهد الجهوي احمد وهبي من جديد علما أنه كان بصدد التحضير لمسرحية احمد بالغالية التي كانت من المفروض عرضها في اليوم العالمي للمسرح على خشبة وهران.و الفنان طيب رمضان من الوجوه المسرحية التي قدمت الكثير على الخشبة ، و كان قد كرم مؤخرا من قبل مديرية الشباب و الرياضة في لأبواب المفتوحة على المسرح تحت شعار « وهران تحتضن ألعاب البحر الأبيض المتوسط ا التي احتضنتها دار الشباب معود احمد بوهران. « نشر الخبر يوم 27 مارس 2017 هذا الحزن الكبير الذي أحسست به، قادني بعيدا نحو زمن مشترك مع الطيب رمضان. تذكرت مباشرة اللحظة التي جلست فيها مع الطيب في مقهى المسرح بوهران، مباشر بعض العرض الأول لمسرحية القراب رالصالحين من أجل إنجاز حوار لصالح الجهورية. قلت له يومها بعد العرض: الطيب ألا تعتقد أن ما رأيناه في المسرحية يشجع على الايمان بالخرافة؟ هناك عرض للظاهرة دون نقدها؟ كنت مشبعا يومها بالفكر اليساري. يمكن أخذني الطيب على قد عقلي وحماسي. قال لي ضاحكا: هل غنيتَ مع الفرقة: الماء. ماء سيدي ربي. جايبو. جايبو... قلت له. نعم. عجبتني. قال يكفي أنها أعجبتك لأن الأغنية هي ما يصعد التوتر الدرامي. على المسرح أن يقول العقلية الموجود والمتسيدة لا أن يعطي دروسا. المسرح جهد كلي يشترك فيه النص، أداء الممثلين، المخرج والديكور. ثم فجأة أوقف الحديث. قال ضاحكا ها هو كاكي. قل له ما قلته لي. والله ينفضك. جلس معنا كاكي بتواضعه المعهود. قال له ابن عمي واسيني أعجبته المسرحية في فكرتها وإخراجها ويريد أن يحدثك في مواطن جمالها وقوتها. بينما كنت أحاور كاكي كان الطيب يرفع حاجبيه ساخرا مني. ومن حين لآخر يتدخل: نعم. هي فتح حقيقي في المسرح الشعبي. . طبعا لم أذكر أية سلبية. عندما غادرنا كاكي، ضحكنا على قهوة صباحية في مقهى المسرح. وكاننت المسرحية قد أثارت جدلا واسعا بين من هم مع ومن هم ضد. للذي لا يعرفه جمهور مسرح وهران والمسرح الوطني هو أن الطيب ولد في قريتي وفي عائلتنا الأندلسية فنانا مسرحيا كاملا. كنت أرى الطيب في طفولتي، في القرية، وهو يقوم بتمثيل السكيتشات الشعبية التي يتم تخيلها في اللحظة نفسها. وكنت أساعده أحيانا. كنا نمثل الحياة الشعبية للقرية. كان يقدم نشرات الاخبار الساخرة ذاكرا المنطق المحلية، سيدي بوجنان، السواني، مغاغة، باب العسة، الصبابنة وغيرها. كان ميدان التمثيل والجمهور هو الأعراس والتجمعات الشعبية في القرية. والناس يضحكون ويسخرون مع الممثل. وكنت أنا أقدم بعض الملامح الساخرة أقلد فيها بعض شخصياتها القروية من بينها خطاباتهم المضحكة على نمط السيكتور الذي لم يكن قد ظهر وقتها. وكنت استعمل اللغة المسيردية أو المغربية الريفية في لكنتها. وكان البعض يسجلها في الكاسيت للأسف ليس منها اليوم شيئا. أمنح اليوم جزءا من عمري للحصول عليها. كنت أرافق ابن عمي رمضان الطيب في تمثيلياته الاجتماعية التي تعتمد على السخرية والتضخيم في الظواهر. وهو فن عفوي عندما التحقت بالجمهورية كتبت عن هذا النوع مقالات كثيرة. وكانت أدارة الجريدة تشجع على ذلك. حكيت عن الطيب وعن عبد الحميد ألشلالي ابن قريتي الذي كان ممتلئا بالحياة وغير معني بما كان يفعله البشر. يمثل كما يشاء. حقيقة كانت فرقة مسرحية شعبية كاملة لكنها لا تدوم في الفترة الصيفية يعود بعدها الطيب إلى وهران وأذهب أنا إلى تلمسان للثانوية، ويبقى ألشلالي في القرية. المسرحية كانت تنشأ في اللحظة نفسها. مسرحيات كان أبطالها المير والسي عمر الطويل الذي جاء من الريف واستقر في القرية حتى وفاته الذي كانت عنده طريقة في الحكي التقطتها وكنت أقصده فيها. وكان الناس يستحضرون السي عمر الطويل من خلال ما كنا نمثله أمام رجال ونساء القرية. لم يكن مسرحنا يعترف بالموت. الميت والحي على المسرح. ربما كان هذا شكل من أشكال مسرح الفرجة. بالخصوص في اليوم الثالث من الأعراس الذي يسمى يوم الصغار يعني الشباب. لهذا كلما رأيت اليوم الطيب رمضاني على المسرح تذكرت تلك الأيام. ويبدو أنه الوحيد فينا من ظل وفيا لطريق المسرح. التحق في 1968 بمسرح الهواة إلى غاية 1971. قبل أن يستفيد من تربص تكويني إلى يوغوسلافيا سابقا والاتحاد السوفياتي وينتقل بعدها نحو المسرح الاحترافي . شارك في 40 عملا مسرحيا وفنيا وسينيمائيا ودراما وإذاعيا ودبلجة وغيرها ترك في الكثير منها أثرا طيبا. وجد بسرعة طريقه نحو المسرح الجهوي بوهران، فمثل مع أكبر مسرحي جزائري، في مسرحيات الخبزة والمايدة وحمام ربي في 1975 لعبد القادر علولة. والڤراب والصالحين 1977 وديوان الملاح 1978 مع كاكي. وفي التسعينيات اشتغل مع بوزيان بن عاشور ومحمد أدار وغيرهما. ومن أهم أفلامه الطويلة أيضا الشيخ بوعمامة مع ابن عمر بختي الذي كان له فيه حضور مميز. في الثمانينات انتقل الى المسرح العربي فمثل في رأس المملوك لسعد الله ونوس، والجنرال لعصام محفوظ وغيرهما قبل أن يكرم وطنيا على مجمل جهوده. كل الصحة والسلام للعزيز رمضان الطيب وكل الشكر للجمهورية التي أحبها بعد أن احتضنت جهوده المسرحية والثقافية.