استغل الديمقراطيون استرجاع أغلبيتهم في مجلس النواب الأمريكي لتمرير مشروع قانون منذ حوالي أسبوعين (نهاية 2018) يتعلق بقسم النفقات العامة من موازنة العام الجاري , ولا سيما الباب الخاص بالمساعدات التي تقدمها الإدارة الأمريكية لجهات خارجية , حيث صوتوا بأغلبية على قرار ينزع عن المغرب الصفة التي انتحلها كقوة مسيرة للصحراء الغربية التي يحتل أربعة أخماس من أراضيها منذ 45 عاما و يستحوذ زيادة على ثرواتها المنجمية و السمكية , المساعدات الأجنبية الموجهة للاجئين الصحراويين الذين ينتظرون تقرير المصير منذ 4 عقود ونصف . و ما كان هذا الانتهاك لحقوق شعب تحت سلطة الاحتلال أن يتم لولا تواطؤ اللوبيات المساندة للمغرب و المستفيدة من العمولات التي تتقاضاها في شكل إعانات , ضمن معاملة طرفاها مساعدات مقابل مساعدات على حساب لاجئين . يمكن للديمقراطيين في مجلس النواب الأمريكي - بقرارهم هذا - أن يظهروا بمظهر المدافعين عن حقوق الشعوب المحتلة لدى الرأي العام , لكنهم في واقع الأمر لم يدافعوا سوى عن المال العام الأمريكي و عن دافعي الضرائب و عن القانون الأمريكي , كونهم أعادوا الأمور إلى نصابها بخصوص المساعدات المخصصة للصحراء الغربية ,و التي دأبت الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ 2014 على وضعها تحت تصرف السلطة المحتلة المتمثلة في المغرب الذي ينفقها بمعرفته على الأقلية الاندماجية من الصحراويين الذين اشترى ولاءهم . و زيادة على ذلك فإن انحراف الكونغرس الأمريكي بغرفتيه بخصوص المساعدات المخصصة للصحراء الغربية , كان محل انتقاد لجنة المساعدات الخارجية في مجلس الشيوخ برئاسة الجمهوري ليندسي غراهام و الديمقراطي باتريك ليهيي , حيث عارضت اللجنة صراحة تصرف المغرب في الإعانات الموجهة للصحراء الغربية , خلافا لنواب الغرفة السفلى المنحازين للطرح المغربي في قضية الصحراء الغربية . هل أنهى مشروع القرار الأخير الصادر عن مجلس النواب هذا الانحياز للسلطة المحتلة للصحراء الغربية ؟ ذلك ما توحي به لغة الغرفة السفلى في صياغة مشروع القرار الذي عدل أحكام قانون مؤرخ في 2014 , بإضافة فقرة ترخص الدعم الاقتصادي الأمريكي للصحراء الغربية , مع تقييدها في خانة خاصة بها مستقلة عن المساعدات الموجهة للمغرب . مع دعم هذا التعديل المقترح بملاحظة إضافية تحذر من أن «أيا من أحكام القانون المقترح تقبل التفسير على أنها تغيير للموقف السياسي الأمريكي الداعم لمساعي منظمة الأممالمتحدة في مراقبة تطبيق قرار وقف إطلاق النار بين طرفي النزاع و تهيئة مناخ سلمي و دائم يتفقان عليه كحل لنزاع الصحراء الغربية». و هو ما أقره تيم رايسر ، أحد مساعدي السياسة الخارجية لباتريك ليهي ، في تصريح لموقع «المونيتور»: «من الواضح أن لجنة الاعتمادات في مجلس الشيوخ لا تعتبر الصحراء الغربية جزءاً من المغرب ، لأن وضعها السياسي لا يزال بحاجة إلى حل؛ لكن هذا قد لا يغير بشكل جوهري محتوى برامج المساعدات الأمريكية.» كثرة القرارات غير الملزمة لا يخدم سوى اللوبيات و من مؤشرات تخبط الإدارة الأمريكية في التعامل مع ملف المساعدات للشعب الصحراوي أن « الكونغرس سمح أولاً للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بالتنسيق مع المغرب بشأن مشاريع المساعدة الاقتصادية في الأراضي المتنازع عليها في عام 2016 ، إلا أن إدارة باراك أوباما ظلت حذرة من إمكانية أن يضفي هذا الإجراء الشرعية على احتلال المغرب للصحراء الغربية .و في حل وسط ، تجاوزت إدارة أوباما الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ، وبدلاً من ذلك ، قدمت منحة قدرها مليون دولار لبرامج المجتمع المدني الصحراوي في إطار مبادرة الشراكة الشرق أوسطية». و لا يزال الغموض يلف موقف الإدارة الأمريكية من هذا النزاع جراء تشتت مواقع اتخاذ القرار و تعدد لوبيات الضغط , و زاد من تعقد القضية الإغلاق الحكومي الناتج عن الصدام الشديد بين أعضاء الكونغرس من الديمقراطيين خاصة, و بين الرئيس الأمريكي الذي رفض التوقيع على قانون المالية الجديد ما لم يتضمن ترخيصا بتمويل بناء السياج الحدودي مع المكسيك.و من نتيجة الإلاق الحكومي يظل الوضع الحالي للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية وبرامج وزارة الخارجية في الصحراء الغربية غير واضح إذ لم يتمكنا من إصدار أية توضيحات للصحافة حول تبعات مشروع قرار مجلس النواب الخير على تعاملهما المستقبلي مع ملف الصحراء الغربية مما يسلط الضوء على الموقف السياسي لإدارة ترامب من القضية . و هو موقف بدأ بعض مساعدي ترامب يستعرضون توجهه العام من خلال تصريحات تسيل العرق البارد على سلطات الاحتلال و منها دعوة مستشار الأمن القومي جون بولتون إلى إصدار قرار تدعمه الأممالمتحدة في الصحراء الغربية ، والذي تأجل لمدة ثلاثة عقود. ورغم أن البعض يصنف بولتون ضمن المسؤولين الأمريكيين المساندين للبوليساريو , غير أنه في الواقع لا يساند سوى ما يدعو إليه المجتمع الأممي و القانون الدولي و هو تنظيم استفتاء يقرر من خلاله الصحراويون مصيرهم , علما أنه لا أحد في إمكانه التنبؤ المسبق بنتيجة الاستفتاء المنتطر منذ ثلاثة عقود , و لو طالب بولتون بمنح الصحراويون استقلالهم و إرغام سلطات الاحتلال مغادرة الإقليم المحتل ليتولى اصحاب الأرض إدارته بالطريقة التي يختارونها بعيدا عن تدخل أية أطراف خارجية , و فرض ذلك بقرار من مجلس الأمن الدولي و ضمن البند السابع من ميثاق منظمة الأممالمتحدة , بمثل هذا المطلب المطابق للعدل و الحق , يمكن لبولتون أو غيره أن ينال صفة الداعم للشعب الصحراوي الرازح تحت نير الاستعمار منذ قرن و 34 عاما. و عن ردود فعل الأطراف المعنية حول مشروع قرار مجلس النواب الأخير رفضت السفارة المغربية في واشنطن التعليق على الحدث بينما قللت الصحافة الموالية للمغرب من أهميته بحجة «أنه يندرج ضمن المعركة السياسية بين إدارة ترامب و الكونغرس وسرعان ما تعود الأمور إلى نصابها حسب توقعاتهم» . أكثر من 2,5 مليون دولار فاتورة كولسة اللوبيات في 2017؟ أما جبهة البوليساريو ، التي تعارض مِنَحَ وزارة الخارجية ما دام المغرب يسيطر على المنطقة المتنازع عليها ، رحبت بحماس بالتوجه الجديد لمجلس النواب . و صرح مولود سعيد ، مبعوث البوليساريو إلى واشنطن ، لموقع «المونيتور»: «إن وجود الصحراء الغربية تحت بند خاص بها يتوافق تماما مع القانون الدولي». ملاحظا في ذات السياق أنه «حتى التقرير السنوي لوزارة الخارجية حول أوضاع حقوق الإنسان تناول أوضاع الصحراء الغربية ككيان مختلف عن المغرب.معبرا باسم الصحراويين عن امتنانهم للكونجرس الأمريكي على هذا الأمر «. و يبدو مما تنشره المواقع الإعلامية القريبة من الكونغرس حول قضية الصحراء الغربية , أن بعض النواب في الغرفتين و جدوا في لعبة اللوبيات المؤيدة لهذا الطرف أو ذاك , وسيلة لدعم ميزانيات مؤسساتهم او حملاتهم الانتخابية بما يحصلون عليه من هبات عينية أو نقدية , و ذلك من خلال تقديم مشاريع قرارات لصالح من يؤيدونه ليتبناها الكونغرس ضمن ما يعرف بالقرارات غير الملزمة , و مع ذلك تعتبرها الأطراف المعنية نصرا مؤزرا لوجهة نظرها , علما أن المغرب غالبا ما استغل مثل هذا الأسلوب في الترويج الإعلامي لانتصاراته الدبلوماسية الوهمية كان يلفقها له النائب السابق لنكولن دياز-بالارت ، آر-فلاه ،الذي توقف مؤخراً عن ممارسة الضغط من أجل الرباط ،تاركا المهمة لشقيقه ، بطل المغرب ، ماريو دياز-بالارت ، آر- فلا ، الذي ما زال عضوا في لجنة الاعتمادات في مجلس النواب الأمريكي. و في هذا الصدد كشفت دراسة أجراها موقع «المونيتور» حول نفقات أطراف القضية خلال سنة 2017 أن المغرب دفع 2.1 مليون دولار لكسب تأييد الكونغرس وإدارة ترامب لطرحه من القضية و هو مبلغ يمثل أكثر من 4 أضعاف ما أنفقه الطرف المنافس لذات الغرض ؟ و هكذا تضيع قضايا الشعوب المصيرية و تتميع في سوق لوبيات الضغط و بورصة القرارات غير الملزمة في بلاد العم صام .