عندما نحاول تحديد مفهوم الاستشارة, لن نخرج عن التعريف المبسط الذي يعتبرها «من أبرز مظاهر التّعاون بين البشر فعمليّة استشارة الآخرين في الأمور المختلفة سواء العامّة أو الخاصة، بحكم أنّهم يمتلكون خبرة في مجال الاستشارة أكثر من باقي الناس ستعطي خبرةً جيّدة عن هذا الموضوع؛ بحيث تساعد هذه الخبرة في اتّخاذ القرار المناسب والصحيح.و تعني الاستشارة عمليّة أخذ الآراء من المختصّين أو من ذوي الخبرة الحياتيّة ممّا سيؤدّي إلى الوصول إلى القرار الصائب وبأفضل صورة. وإنّ استشارة الآخرين في الأمور المختلفة أمر حثّت عليه كافّة الحركات الإصلاحيّة والدّيانات لأهميّتها، وهو أمر مارسه المصلحون وبدرجة كبيرة جداً كونهم يمثّلون القدوة لمختلف أصناف الناس، ولهذا السبب فإنّ الإنسان يتوجّب عليه أن يكون دائم الاستشارة لغيره من الناس وخاصّةً من ذوي العقول الراجحة» مصداقا للحكمة القائلة «ما خاب من استخار ولا ندم من استشار»(...) ولذا يستغرب المرء موقف بعض الأحزاب والسياسيين والمعلقين والمحللين وهلم جرا.. الرافض لاستشارة الخبراء الجزائريين حول مستجدات الساحة الوطنية وقضاياها المتشعبة مثل قانون المحروقات وقانون المالية وما شابههما وهو موقف لا يمكن تصنيفه سوى في خانة العبثية «اللاسياسية», كون السياسة فنا ذا جدوى لا صلة له بالعبثية, لا سيما عندما يبرر هذا الرأي بكون الشخصيات المستشارة تنتمي إلى رموز النظام السابق, وأن سيرتهم المهنية مشوبة بشبهات الفساد, وأن خبرتهم لم تنفع في تحقيق النجاح في المهام الموكلة لهم كمسؤولين سامين عن قطاعات استراتيجية ؟ وغيرها من المبررات التي لم تخرج عن الأحكام المسبقة والظنية, التي لم تثبتها أحكام قضائية مؤقتة أو نهائية ؟. كما أن الخبراء والمستشارين مهمتهم تتلخص في تقديم رأيهم استنادا إلى خبرتهم وبناء على طلب من يعنيهم الأمر, الذين هم مثل غيرهم من عموم الناس, مخيرون بين العمل بالمشورة والاستفادة منها, أو الاستغناء عنها وطرحها جانبا, ولكن في هذه الحالة الأخيرة سيتحمل هؤلاء تبعات قرارهم وعواقب خطئهم لعدم أخذهم برأي الخبراء وبالتالي اتهامهم بالتقصير في أداء مهامهم.. ولعل هذا الصنف من التقصير هو الذي تسبب في الكثير من المشاكل التي تعاني منها البلاد , مما يفرض تجنب الاستفراد بالرأي , وضرورة استناد جميع قرارات السلطة إلى خبرة الخبراء. إذ لا عذر لمن رفض المشورة, لا سيما إذا كان الرفض لأسباب مزاجية و أهواء شخصية لا صلة لها بأخلاق الممارسة السياسية. وهو ما يزيد تقينا من أن موقف المشاورة أنجع من موقف المناورة.