الجزائر-تونس-ليبيا : التوقيع على اتفاقية إنشاء آلية تشاور لإدارة المياه الجوفية المشتركة    اجتماع الحكومة: دراسة مشاريع قوانين وعروض تخص عدة قطاعات    سفير كوبا الجديد يشيد بعمق العلاقات التاريخية بين بلاده والجزائر    نقل جثامين الجزائريين المتوفين بالخارج.. توضيح وزارة الشؤون الخارجية    بروتوكول تفاهم مع الشركة العمانية للطاقة    هلاك 11 شخصا وإصابة 272 آخر بجروح    عنابة: مفتشون من وزارة الري يتابعون وضع بالقطاع    شركة طاسيلي للعمل الجوي: تسخير 12 طائرة تحسبا لحملة مكافحة الحرائق لسنة 2024    "العفو الدولية": إسرائيل ترتكب "جرائم حرب" في غزة بذخائر أمريكية    الصّهاينة يواصلون جرائمهم بالقطاع وعمليات إخلاء بالشمال    الاعترافات بدولة فلسطين..انتصارات تتوالى    البوليساريو تدعو مجلس الامن مجددا الى اتخاذ إجراءات عاجلة لتمكين الشعب الصحراوي من حقه في تقرير المصير    الجزائر/تونس: الاتفاق على تنظيم يوم إعلامي حول الصيد البحري لفائدة المستثمرين من البلدين    فلسطين: ترحيب بقرار حكومتي جامايكا وباربادوس الاعتراف بالدولة الفلسطينية    إحباط محاولات إدخال 78 كيلوغراما من الكيف المعالج عبر الحدود مع المغرب خلال أسبوع    السيد عطاف يستقبل رئيس مجلس العموم الكندي    الفريق أول شنقريحة يشرف على تنفيذ تمرين تكتيكي بالرمايات الحقيقية بالناحية العسكرية الثالثة    فتح صناديق كتب الشيخ العلامة عبد الحميد بن باديس الموقوفة على جامع الجزائر    وزير التربية انتقل إلى عين المكان والعدالة فتحت تحقيقا: إصابة 6 تلاميذ في انهيار سقف بمدرسة في وهران    إهمال الأولياء يفشل 90 بالمائة من الأبناء    نصف نهائي كأس الجمهورية: اتحاد الجزائر – شباب بلوزداد ( اليوم سا 21.00 )    غائب دون مُبرر: إدارة لاصام مستاءة من بلحضري    مدرب اتحاد الشاوية السعيد بلعريبي للنصر    وزير الخارجية أحمد عطاف يصرح: الوضع المأساوي في غزة سيبقى على رأس أولويات الجزائر    وزير البريد في القمة الرقمية الإفريقية    وزير الإشارة العمومية يعطي إشارة الانطلاق: الشروع في توسعة ميناء عنابة و رصيف لتصدير الفوسفات    فيما وضع حجز الأساس لإنجاز أخرى: وزير الطاقة يدشن مشاريع ببسكرة    وزير الداخلية يكشف: تخصيص أزيد من 130 مليار دينار لتهيئة المناطق الصناعية    برنامج استثماري لتفادي انقطاع الكهرباء خلال الصيف    وزير العدل يدشن مقر مجلس القضاء الجديد بتبسة    البروفيسور نصر الدين لعياضي يؤكد من جامعة صالح بوبنيدر    فيما شدّد وزير الشؤون الدينية على ضرورة إنجاح الموسم    اجتماع حول استراتيجية المركز الوطني للسجل التجاري    مولودية الجزائر تقلب الطاولة على شباب قسنطينة وتبلغ نهائي كأس الجزائر للمرة العاشرة    الجزائر تشارك في معرض تونس الدولي للكتاب    تأسيس جائزة وطنية في علوم اللغة العربية    اختتام ملتقى تيارت العربي للفنون التشكيلية    مجلس الأمة يشارك في مؤتمر بإسطنبول    مباراة اتحاد الجزائر- نهضة بركان : قرار الكاف منتظر غدا الاربعاء كأقصى تقدير    فلاحة: السيد شرفة يبحث مع نظيره التونسي فرص تعزيز التعاون    قسنطينة: السيد عون يدشن مصنعا لقطع غيار السيارات ووحدة لإنتاج البطاريات    تكتل ثلاثي لاستقرار المنطقة ورفاه شعوبها    الرقمنة طريق للعدالة في الخدمات الصحية    سايحي يشرف على افتتاح اليوم التحسيسي والتوعوي    بلومي هداف مجددا في الدوري البرتغالي    تمنطيط حاضرة للعلم والأعلام    الوقاية خير من العلاج ومخططات تسيير في القريب العاجل    رجل الإصلاح وأيقونة الأدب المحلي    ماندريا يُعلّق على موسمه مع كون ويعترف بتراجع مستواه    إشادة ألمانية بأول تجربة لشايبي في "البوندسليغا"    معالجة 245 قضية إجرامية    حج 2024 : استئناف اليوم الثلاثاء عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة    منصّة رقمية لتسيير الصيدليات الخاصة    حكم التسميع والتحميد    الدعاء سلاح المؤمن الواثق بربه    أعمال تجلب لك محبة الله تعالى    دروس من قصة نبي الله أيوب    صيام" الصابرين".. حرص على الأجر واستحضار أجواء رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العنف الرمزي في رواية " وادي الحناء " للكاتبة جميلة طلباوي
مساهمة
نشر في الجمهورية يوم 22 - 09 - 2021

«وادي الحناء" رواية للكاتبة والمبدعة جميلة طلباوي، صدرت عن دار ميم للنشر بالجزائر في طبعتها الأولى سنة 2018 ، .. رواية تسافر بالقارئ إلى الأقاصي البعيدة هناك، لتحط رحالها في أعماق الصحراء ضمن مسارات متعددة أثناء العرض والتحليل، وتحت غطاء الدعاوى الزائفة حاولت الكاتبة أن تعالج موضوعا في غاية الأهمية من خلال إبراز مظاهره وتجلياته، وهي رؤيا تسلط الضوء على المجتمع الصغير" تيمي " متسائلة عن الأسباب والعوامل التي أدت إلى ظهور أنماط معينة من التفكير الذي انبثقت منه إشكالات جديدة وأسئلة يومية ممتدة في الزمكان..
فبطلة الرواية " عويشة التيماوية " في هذا السياق لعبت دورا طلائعيا عبر مجريات الحياة داخل الواقع المعيش والمحيط الذي تنتمي إليه، بمواصلة دراستها بكل إصرار وعزيمة متحدية الظروف الصعبة، فقد شكل هذا الأمر عتبة مهمة داخل حركية السرد ، متخطية بذلك الحواجز الصلبة، محاولة قدر الإمكان تجاوز منطق النظام البطريكي الذي ألقى بكامل ثقله على الآخر المختلف/ الأنثى " الضريبة لم تكن سهلة أن كسرت عادات وتقاليد القصر الكبير وسافرت خارج المدينة لطلب العلم، وهذه حكاية أخرى " ولكن في خضم هذا الجو المتوتر، فإن الواقع يبرهن على بنية الإخفاق والابتذال والانحطاط الفكري في ظل تعطل الفاعلية الإيجابية التي تراعي مصلحة الجميع الذكر والآخر/ المرأة، ويتعلق الأمر، في تقليص الحياة واختزالها في أبعاد محددة ضيقة الأفق لا تمت بأي صلة إلى الواقع، وهي تجربة حاملة لخصوصية كان لها عظيم الأثر في البوح عن المسكوت عنه، من خلال إنزال الستار عن عتمة التخلف والجهل المتسيد:
" كلماتي يومها أربكته وهو الذي كان شعلة إصرار وعزيمة، لكنها لم تنتشله هذه المرة من أخطبوط الإحباط الذي بدأ يمد أذرعه الخبيثة ويطوقه ليشل مسيرته الدراسية، بعد أن كان مصرا على مساعدتي من أجل أن أواصل دراستي غير مبال برد فعل أهله ورد فعل مجتمعنا الصغير في " تيمي ". كان يسندني إلى جانب أخي الأكبر موسى، و لالة حليمة زوجة شيخ الزاوية ".
فالروائية جميلة طلباوي من خلال المقطع السردي تبدو هذه الظاهرة في نظرها رؤيا ساذجة تفتقر لإمكانية الفهم وشروط التبادل الإنساني في ممارسته البراغماتية الجادة، فكسر حاجز الصمت يتطلب تخطي الرقابة الاجتماعية وسياسيات القمع والكبت كحالة مصيرية تغوص في متاهات التحديات الكبرى التي تقوض أركان المثال التاريخي المكرور القابع في مخيلة الضمير الجمعي أو الذاكرة، أو بمعنى آخر، فنحن في سباق مع الزمن إما أن نقتل التخلف أو يقتلنا التاريخ بتعبير غازي القصيبي.
كما تتضح معالم هذا الانبطاح في الانكسارات والهزائم في تلويناتها المختلفة، حيث جعلت من "عويشة التيماوية" تتنازل عن سقف طموحاتها بالذهاب إلى وهران من أجل مواصلة دراستها، لصالح الأيديولوجيات المتكلسة والمفاهيم المنحطة والذكورية المتزمتة المنحرفة التي تتنافى رؤاها مع الدين والعلم والحضارة بالمفهوم الواسع لهذا الثالوث، وبالتالي، ففي ظل انوجاد سيادة الوضع القائم، تصبح الحرية ليس ملكا خاصا ضمن الإمكانات والخيارات في أبعادها ومفاصلها المرجوة بل خاضعة لمنظومة عرفية تتخذ على عاتقها تقرير حق المصير، وتجدر الإشارة، هنا، إلى الوظيفة التي أوكلت للمرأة في المجتمع التيماوي الصغير، حيث اقتصر دورها على الزواج وإنجاب الأولاد غير مكترث بتطلعاتها ومتطلباتها النابعة من دواخل النفس البشرية التي تقود المرء إلى الارتقاء إلى مرتبة الإنسانية التي يليق بمقامها :
« صرت متأكدة بأن الفرح الحقيقي في عرفنا هو أن يصبح لي زوج وأولاد، أما الطموح الذي كنت ألهث خلفه لم يكن الفرح الحقيقي الذي تتوق إليه الأنثى ورقة الحناء الجميلة التي تبقى وظيفتها الأساسية تزيين العائلة ".
واستنادا إلى ذلك، تعد إستراتيجية تقديس الأفكار المتوارثة المدخل الأساسي في رسم مسارات الحياة الاجتماعية في أشكالها الرمزية، حيث تستمد مقوماتها وحضورها من الواقع المعيش الذي يعد المتكأ الحقيقي واللبنة الرئيسة للأنظمة الذكورية التي بواسطتها تعمل على صرف انتباه المجتمعات عن القضايا والتغيرات المهمة، وبالتالي، يكون لها انعكاس مباشر على مستوى الوعي الذاتي الأنثوي المنضوي في حقيقة الأمر على مقاصد قبلية في كل عملية إدراكية، ويتجلى ذلك عبر التصرفات والأحاسيس والمشاعر الطافحة بالضعف والخوف في إبداء الرأي والمشاركة في الإجابة عن الأسئلة المطروحة في ساحة الحدث، تقول الساردة:
" أذكر يومها كيف أن السي عثمان انتفض من الغضب وهو يطلب من لالة حليمة أن تساير العصر، وأن تغير من نمط تفكيرها كي تساعد سيدي الشيخ على مسايرة العصر هو الآخر، فتتغير نظرته للسياسة وهو يؤكد لها بأن الحياد ليس في صالح الزاوية، اقترب منها وهمس في أذنها: فكري في المستقبل ".
لأن الذاكرة الإنسانية الجمعية بمثابة الحارس الذي يضرب بيد من حديد، وتتحرك حسب المناخ السائد المنسجم مع الأوضاع الاجتماعية والثقافية..الذي يمنع النبش والحفر في حركة التاريخ بالقضاء على التجاذبات الفكرية والحوارات المنتجة واللجوء إلى سياسة تبرير الأفعال، هذا الأمر أدى بالكتابة لأن تولد من رحم المعاناة والدعاوى الباطلة من خلال رصد المتغيرات المنحرفة التي لم تطلها أيادي النقد والمراجعة التي أفرزتها الوقائع الاجتماعية بعاداتها وتقاليدها التي شغلت حيزا كبيرا في توسيع دائرة الهوة بين الرجل والمرأة، لذلك، فالبوصلة الحقيقية كما ترى الكاتبة والروائية جميلة طلباوي لا تقيم اعتبارا للفوارق الاجتماعية بما فيها فارق اللون الذي شكل عتبة مهمة في حركية السرد وفصول المتن الحكائي لرواية " وادي الحناء ".
ومن أجل الظفر بحياة كريمة ألقت الكاتبة الضوء على اليومي انطلاقاً من التفريق بين الواقع والزيف، إذ جعل من الروائية جميلة بشكل خاص تعمل على تعرية الأوهام المصطنعة وتبيان الوظائف الجوهرية للذوات، يكشف عن الكيفية التي من خلالها يتم إلحاق الجزء بالكل عبر بناء مجتمع مفتوح في تمفصلاته العملية التي يتحقق من جرائها كما ترى المشروع الإنساني الذي تؤطره الممارسات الأكثر موضوعية وعمقا وصدقا والتي تنبع من صميم الواقع الذي يكون بمنأى عن كثير من المفارقات، وقد عبرت عنه الروائية بقولها الآتي" لون الحناء صوت الحياة " إذ تشغل هذه الرمزية المتجلية في لون الحناء القضاء على كل مظاهر الصراع الطبقي الذي يمنح الحياة الاستقرار والهدوء، ويجنب الكينونة القلق الأنطولوجي عبر المسارات الحياتية بحيث يخرجها من القفص الحديدي المغلف بمنطق العادات والتقاليد، وتبعا لذلك، فإن تجاوز الضعف والعجز يترتب عنه شعور يتطلب القفز عن كل أشكال اللامساواة والتفاوت الطبقي الذي يحصل به تقدير الآخر/ الأنثى على مستوى الإيقاع اليومي، فالمرأة مثلها مثل أوراق الحناء فهي تسحق لتزين الآخرين، ونستطيع معاينة ذلك من خلال نبرة الساردة التي جسدت معانيها في سحر الحناء كأفق يتطلع إلى عالم أفضل يطيح بتلك المعاني والدلالات في توحشها وفي منطقها المتعالي المفتقر إلى الحس الأخلاقي :
« لطالما انتبهت إلى سحر الحناء، وإلى السر الكامن في لونها، في رائحتها وفي رمزيتها المرتبطة بالفرح. بدأ وعيي بضرورتها الجمالية مذ كنت طفلة، أمد يدي الغضة لتخضبها والدتي بالحناء احتفالا بالأعياد والمناسبات السعيدة، أذكر أنها كانت تدندن بأغنية مازالت عالقة بروحي: بنيتي وريقة حنة، وبها قلبي يتهنا: فأنام كملاك، وأنهض باكرا لأحل رباط الحناء وأبدأ في تفتيت ما يبس منها ليظهر لونها جليا زاهيا في كفي، أستنشق رائحتها وأسعد ".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.