سيكون "ذكيا وآمنا سيبرانيا، يقوم على أعمدة الرقمنة"    الزخم الذي يميز العلاقات بين البلدين مرشح لمزيد من التطور    ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الصهيوني على غزة:    وفاة أربعة أشخاص إثر تحطم طائرة استطلاع    الجزائر تتوج بلقب النسخة الأولى لألعاب المدرسية الافريقية الأولى    ضبط 49 ألف قرص من المخدرات الصلبة بمدينة الجزائر    وفاة 34 شخصا وإصابة 1884 آخرين    كل تهاون قد يؤدي إلى حالات تسمم غذائي خطيرة    المغرب يمعن في حملات التضليل الإعلامي لتشويه القضية الصحراوية    المدير العام للحماية المدنية يتفقد الوحدات العملياتية وجهاز مكافحة الحرائق بغليزان    إعادة دراسة لتنقلات الخطوط الجوية الداخلية على المستوى الوطني عن قريب    فلاحة: شرفة يبحث مع سفير بلجيكا آفاق تطوير مشاريع التعاون المشترك    مصير القضية الصحراوية و مستقبلها مرتبط بإرادة و نضال شعبها    المهرجان الثقافي الوطني السابع للزي التقليدي الجزائري يطلق مسابقة "قفطان التحدي 2025"    ارتفاع قياسي في قيمة الأسهم المتداولة ببورصة الجزائر خلال السداسي الأول من 2025    تظاهرة كانيكس 2025.. 6 أفلام جزائرية للمشاركة في المسابقة الإفريقية للأفلام القصيرة    من 28إلى 30 أكتوبر القادم..ملتقى دولي حول فنون العرض وتحديات تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي    "الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته" عنوان العدد الاول : "أروقة العلوم" سلسلة جديدة عن المجمع الجزائري للغة العربية    إعادة تشغيل 12 قطار "كوراديا"    رحلة لاكتشاف مدينة وهران: أطفال الجالية الوطنية يجددون ارتباطهم بجذورهم    ممثلا لرئيس الجمهورية, السيد ربيقة يشارك غدا الأربعاء في مراسم الاحتفال بالذكرى المئوية الثانية لاستقلال بوليفيا    مونديال كرة اليد أقل من 19 سنة (ذكور): السباعي الجزائري من أجل مشاركة مشرفة في القاهرة    عنابة: عروض فنية متنوعة تتوج الألعاب الأفريقية المدرسية    مرصد صحراوي يندد ب"الجرائم البيئية" قبالة سواحل مدينة الداخلة المحتلة    أكثر من 200 صحفي دولي يطالبون بالدخول إلى القطاع    استعراض سبل تعزيز التعاون الثنائي بما يخدم اللغة العربية    الألعاب الإفريقية المدرسية /الجزائر2025/: الدورة عرفت "بروزا ملحوظا" للمشاركين الجزائريين    كانكس 2025: اختيار ستة أفلام جزائرية قصيرة للمشاركة في مسابقة قارية    الرئيس يريد إصلاحاً شاملاً للعدالة    تسريح استثنائي للسلع    اتفاقية لإدماج الأحياء الجامعية رقمياً    الوالي المنتدب يستعجل إنجاز المشاريع    إسبانيا تستعيد عافيتها التجارية مع الجزائر    بلايلي يهدي الترجي الكأس الممتازة    هذه أهم محطّات الموسم الدراسي الجديد    ما نفعله في غزّة جريمة    يجب الموافقة على عرض القسّام    أسبوع ثقافي لأولاد جلال بالعاصمة    الجيش سيبقى الخادم الوفي للوطن    الجزائر متمسّكة بثوابتها الوطنية وخياراتها الاستراتيجية    عاشت الجزائر وعاش جيشها المغوار    الطبعة ال14 لمهرجان أغنية الراي بمشاركة 23 فنّانا شابا    "نفطال" تطوّر آليات التدخل لمواجهة الطوارئ بكفاءة أكبر    بنك "BNA" يسجل ناتجا صافيا ب 48 مليار دينار    سلطة الانتخابات.. مسابقة لأحسن بحث في القانون الانتخابي    الجزائر في النهائي    وَمَنْ أحسن قولاً ممن دعا إلى الله    مشاركة مشرفة للجزائر وإشادة بالمستوى الفني والتنظيمي    ستة فروع في مهمة تحقيق مزيد من الميداليات    آليات جديدة للتبليغ عن الآثار الجانبية لما بعد التلقيح    سحب فوري للترخيص ومنع الوكالات من تنظيم العمرة في هذه الحالات    دعم التعاون بين الجزائر وزيمبابوي في صناعة الأدوية    راجع ملحوظ في معدل انتشار العدوى بالوسط الاستشفائي في الجزائر    فتاوى : الترغيب في الوفاء بالوعد، وأحكام إخلافه    من أسماء الله الحسنى.. الخالق، الخلاق    غزوة الأحزاب .. النصر الكبير    السيدة نبيلة بن يغزر رئيسة مديرة عامة لمجمع "صيدال"    الابتلاء.. رفعةٌ للدرجات وتبوُّؤ لمنازل الجنات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نهاية الحرب الباردة الجديدة!
نشر في الحياة العربية يوم 01 - 01 - 2020

يبدو أن ما شاع عن نشوب واستحكام «الحرب الباردة الجديدة» بين الصين والولايات المتحدة لم يكن حقيقياً، فقد انتهت ربما قبل أن تبدأ. نوعاً ما الحرب حدثت بالفعل، وكان أبرز مظاهرها ما قامت به الولايات المتحدة أولاً، ثم الصين ثانياً بفرض الرسوم الجمركية على الطرف الآخر، وبمسيرة تصاعدية شملت سلعاً وبضائع قيمتها تعدت مليارات الدولارات. ولأن بكين وواشنطن تمثلان قطبي الاقتصاد العالمي، فإن تردي العلاقات بينهما أدى من ناحية إلى التراجع في نمو الاقتصاد العالمي، وركض الباحثين والمحللين من ناحية أخرى خلف استعادة وصف «الحرب الباردة» المستعار من العلاقات الأميركية – السوفياتية السابقة. ولم تكن تحليلات «الحرب الباردة الجديدة» قاصرة على الاقتصاد، وإنما امتدت إلى العلاقات «الجيوسياسية» الخاصة ببحر الصين الجنوبي أو العالم كله. هذا الوصف والتحليل انعكس على كثير من التنبؤات الخاصة بالعام الجديد الذي يبدأ اليوم، وفي دراسة لمجموعة من الخبراء في المجلس الأميركي للشؤون الخارجية بتاريخ 12 ديسمبر (كانون الأول) 2019 لتخيل الحال الدولية في عام 2020 أو Visualizing 2020: Trends to Watch، كان أول الاتجاهات المتخيلة هي تقلص التدفقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، المدهش أنه قبل أن ينتهي العام جرى الإعلان عن النية لتوقيع المرحلة الأولى من الاتفاق التجاري الأميركي – الصيني، الذي سوف يوقع في واشنطن مع مطلع العام الجديد. الاتفاق ينص على أن تكثف الصين من وارداتها الزراعية والحيوانية من الولايات المتحدة مقابل رفع الأخيرة لكمّ غير قليل من رسومها الجمركية على السلع الصينية. والاتفاق وفق هذه الصيغة يعني أن التدفقات التجارية بين الصين والولايات المتحدة سوف تزيد ولن تتقلص؛ والأكثر أهمية أن التوقيع على المرحلة الأولى سوف يعطي دفعة كبيرة للتقدم في كل المراحل التالية، لأنه أعطى مثالاً تاريخياً بأن حل المشكلات الاقتصادية لا يكون بتقليصها، وإنما بامتدادها، بحيث يتحقق للأطراف فيها مزايا متكافئة.
وما ذكر عن توقيع الاتفاق في واشنطن بكل ما يعنيه ذلك من رموز يعطي دفعة كبيرة للرئيس الأميركي دونالد ترمب في سياق معركته؛ سواء تلك الجنائية الخاصة بإعاقة العدالة أو إعاقة أعمال مجلس النواب؛ أو تلك السياسية الانتخابية التي سوف تتلو نجاته من الاتهامات أمام محكمة مجلس الشيوخ التي يحوز فيها حزبه الجمهوري الأغلبية. فالحقيقة هي أن ترمب لا يتوقف عن إدارة حملته الانتخابية التي بدأت منذ انتهت حملته السابقة بالوصول إلى البيت الأبيض، والتي لن تنتهي قبل نهاية فترته الثانية في الرئاسة الأميركية. فالحرب التجارية التي شنها على الصين، وغيرها من دول العالم، خدمت كثيراً شعبيته داخل القاعدة اليمينية البيضاء في الولايات المتحدة؛ والآن فإن التوصل إلى أولى درجات الاتفاق سوف تعني قدرته الفارقة على إبرام «الصفقات» التي سوف يستفيد منها، وعلى نطاق واسع؛ المزارعون الأميركيون المنتشرون في ولايات الوسط الأميركي وبالذات في إلينوي وإنديانا وميسوري وأوهايو، مضافاً إليها ولايات الجنوب المنتجة للحبوب والخنازير. ولكن ترمب لم يفعل ذلك فقط من أجل تحقيق فوائد انتخابية، أو عوائد اقتصادية، وإنما أيضاً فوائد أخرى جيوسياسية تتعلق بصفقات أخرى يرغب في إبرامها ترتبط بالتسوية مع كوريا الشمالية، حيث كانت الصين شريكاً فعالاً في تحقيق التقارب الأميركي – الكوري الشمالي في البداية، ومن المرجح أنها سوف تكون أيضاً مفتاح التوصل إلى «صفقة القرن» الكورية في النهاية مع حبة الكريز التي توضع فوق «تورتة» شق الصف الصيني – الروسي!
كيف انتهت «الحرب الباردة الجديدة» حتى قبل أن تبدأ فعلياً؟ سؤال سوف يظل موضوعاً للمتابعة من قبل المراقبين والدارسين، والمرجح أن الأوصاف لن تنتهي بسرعة لأن مسار العلاقات الصينية – الأميركية ظل متقلباً خلال السنوات الماضية. فما بدا من علاقات دافئة للغاية في أول لقاءات الرئيسين الأميركي والصيني في «مارا لاجو» بعد انتخاب ترمب سرعان ما اعتراه كثير من البرودة والعبارات الحادة على الأقل من قبل الرئيس الأميركي. ترمب رأى دوماً أن بكين تتلاعب بسعر عملتها بتخفيض «صناعي» يعطيها مزايا تفضيلية في دعم صادراتها؛ ومن ناحية أخرى أن الصين وقد أصبحت قوة اقتصادية وعالمية عظمى لا تتحمل نتائج هذه المكانة عندما تحتمي في منظمة التجارة العالمية بأنها دولة من دول العالم الثالث فتحصل على معاملات خاصة. ومع ذلك، فإن حجم التجارة الأميركي – الصيني في تجارة البلدين لا يمكن تجاهله، والسوق الأميركية من الاتساع بحيث لا يمكن للصين الحرمان منها، كما أن التفاعلات التكنولوجية بين البلدين والاعتماد المتبادل بينهما من الصعب الفصل فيه.
وربما كان أسوأ ما يمكن فعله في التحليل السياسي هو المطابقات التاريخية بين الوقائع التي تفصلها تغيرات كبرى؛ فالخلافات الصينية – الأميركية حول التجارة بين البلدين من الصعب مطابقتها بالحرب الباردة السابقة التي كانت تعبر عن انفلاق في النظام الدولي متجسداً في أحلاف مثل «الأطلسي» و«وارسو»، وفي آيديولوجيات بين الشيوعية والرأسمالية، وفي سباق للتسلح والوصول إلى الفضاء الخارجي. كل ذلك لم يكن متوافراً في التوازنات الصينية – الأميركية، وما كان متوافراً هو الدروس التي تلقاها الجميع من الحرب الباردة السابقة التي يعلمان أن الأطراف الخارجية مثل أوروبا الشرقية والغربية وبعض دول العالم الثالث استفادت منها أكثر مما استفادت منها أطرافها المباشرة. وما عرفته بكين وواشنطن أن كلتيهما من القوة بحيث تستحيل الحرب بينهما، ولكن ذلك لا يعني بالضرورة المنافسة والصراع في كل أمر آخر، خصوصاً مع إدراك الولايات المتحدة للحجم الصيني السكاني وتأثيرها في الاقتصاد العالمي؛ وإدراك الصين أنه رغم كل شيء فإن القضية بينها وبين الولايات المتحدة ليس فقط حساب حجم الاقتصاد الأميركي، وإنما امتلاك الولايات المتحدة كثيراً من مفاتيح الاقتصاد العالمي، أولها حجم السوق الأميركية الهائلة الذي كان عاملاً مهماً من عوامل التنمية الصينية (وفي الواقع التنمية الآسيوية كلها في اليابان وكوريا الجنوبية وبقية دول جنوب شرقي آسيا).
ولكن السوق الأميركية والفرص الصينية ليستا وحدهما سبب الاتفاق الذي يضع «الحرب الباردة» جانباً؛ وإنما أن الخلاف بينهما ربما يقود ليس فقط لتراجع الاقتصاد العالمي وإنما إلى خسائر فادحة لكلتيهما. فبقدر ما أن الصين والولايات المتحدة هما أكبر المستفيدين من النظام الاقتصادي الدولي، والمالي المعاصر، فإنهما سوف تكونان أكبر الخاسرين. وعلى عكس ما هو شائع أن «العولمة» ما هي إلا الامتداد الطبيعي لحرية الأسواق، فإن الواقع هو أن الأسواق يجري التحكم فيها عن طريق مراكز أساسية توجد معظم مفاتيحها في يد الولايات المتحدة، وتتطلع الصين إلى الحصول على بعض منها، ومثل ذلك يحتاج إلى وقت، وإلى سبق تكنولوجي تسعى الصين إليه. وبينما تفعل ذلك فإنها ترقب الولايات لمتحدة وهي توزع عقوباتها المالية والاقتصادية على دول العالم المختلفة، وفي يدها الدولار كعملة دولية، ونظام «سويفت» المتحكم في انتقالات المال المعبر عن سلع وبضائع!.
الشرق الاوسط اللندنية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.