ضرورة توفر وسائل إعلام قوية لرفع التحديات التي تواجهها الجزائر    خلال زيارة العمل والتفقد بولاية المسيلة، بلعابد : شهر ماي موعد سحب استدعاءات امتحاني شهادتي التعليم المتوسط والبكالوريا    إصلاحات الرئيس تبون كرّست الطابع الاجتماعي للدولة والعدالة الاجتماعية    موجهة لفائدة وسائل الإعلام الوطنية: ترتيب زيارة للمدرسة الوطنية العليا للبحرية بتامنفوست    المؤسسات المالية تتجه لتعميم الدفع الآني والدفع المؤجل    رئيس الجمهورية يغادر تونس بعد مشاركته في الاجتماع التشاوري الذي جمع قادة الجزائر وتونس وليبيا    بخصوص القانون الأساسي الخاص بمستخدمي قطاع الصحة،سايحي: القطاع سيشهد لأول مرة منذ سنة 1962 تحولا كبيرا ونوعيا    90 % من الجوعى محاصرون في مناطق الاشتباكات    توجيهات رئاسية صارمة لتثمين مكاسب الصناعة الصيدلانية    سنقضي على الحملة الشرسة ضد الأنسولين المحلي    بنود جديدة في مشاريع القوانين الأساسية لمستخدمي الصحة    تشافي يفكر في التراجع عن الاستقالة ويطلب ضمانات من برشلونة    توخيل قد يشرف على العارضة الفنية الموسم القادم    محافظة الغابات تقرر الإغلاق الجزئي لغابة "ساسل"    ارتدادات "طوفان الأقصى" تعصف بالكيان الصهيوني    وفد ألماني يتعهد بالمرافعة عن القضية الصحراوية في المحافل الدولية    الاتحاد الوطني للفلاحين الجزائريين يؤكد استعداده لإنجاح الإحصاء العام الثالث للفلاحة    على راسها رابطة كرة القدم و الأندية الجزائرية: حملة مسعورة وممنهجة .. العائلة الكروية الجزائرية تساند اتحاد الجزائر ضد استفزازات نظام" المخزن "    منصّة رقمية لتسيير الصيدليات الخاصّة    تمديد اكتتاب التصريحات لدى الضرائب إلى 2 جوان    بعثة برلمانية استعلامية بولاية النعامة    الشباب السعودي يقدم عرضا ب12 مليون يورو لبونجاح    بن ناصر يُفضل الانتقال إلى الدوري السعودي    رئيس بشكتاش يلمح لإمكانية بقاء غزال الموسم المقبل    248 مشروع تنموي يجري تجسيدها بالعاصمة    حملة واسعة للقضاء على التجارة الفوضوية ببراقي    معرض للزهور احتفالا بالربيع    إقبال كبير على الأيام الإعلامية حول الحرس الجمهوري    مصادر وأرشيف لتوثيق الذاكرة بجهود إفريقية    الدورة 14 مرفوعة إلى الفنان الراحل "الرازي"    رفع مستوى التكوين والاعتماد على أهل الاختصاص    وفد برلماني في زيارة إلى جمهورية أذربيجان    "طوفان الأقصى" يطيح بقائد الاستخبارات الصهيوني    الثقل السياسي لألمانيا يؤهلها لدعم أكبر للقضية الصحراوية    الاحتلال يمنع المقررة الأممية من زيارة غزة    تنظيم الطبعة الرابعة لجائزة إفريقيا "سيبسا اينوف"    ترامواي وهران مُعطّل    تدشين قاعة سينما جديدة بالجزائر العاصمة        حكم التسميع والتحميد    الدعاء سلاح المؤمن الواثق بربه    هل تغيّر العالم فعلاً؟    أعمال تجلب لك محبة الله تعالى    النعامة: بعثة استعلامية من المجلس الشعبي الوطني للوقوف على وضعية قطاع النقل والبريد والمواصلات    الجزائرية للحوم الحمراء توضح: الخرفان المستوردة من رومانيا موجهة للذبح وليس لعيد الأضحى    المدينة الإعلامية "ميديا سيتي": الموافقة على منح رخصة مناقصة دولية للمتابعة والإنجاز والتجهيز    تسليم محوّل ديدوش مراد بقسنطينة قريبا: تعيين مقاولات لإنجاز ازدواجية الطريقين الرابطين بميلة وأم البواقي    بعد أن تحوّل إلى ثالث نشاط إجرامي عابر للحدود : تنسيق متعدد القطاعات لمكافحة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية    كأس العالم للملاكمة - دورة كولورادو -: إيمان خليف تحرز ذهبية بطولة أمريكا المفتوحة    شرفي قسنطينة على وقع صراعات ثنائية: تذكرة الصعود في المزاد بين بن زياد و"السمّارة"    الأطفال والإدمان التكنولوجي المسكوت عنه    زحام المقترحات.. تجربة عربية مؤلمة لها فوائد    أيام وطنية لأغنية الشعبي    منتدى جزائري كوري جنوبي    سيال أنتجت نحو 31 مليون متر مكعب من مياه الشرب    من أيزنهاور إلى بايدن    دروس من قصة نبي الله أيوب    صيام" الصابرين".. حرص على الأجر واستحضار أجواء رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إقليم كاراباخ: الأدوار المزدوجة ومحاولة تضليل العقل الجيوسياسي
نشر في الحياة العربية يوم 16 - 10 - 2020

مباشرة إثر سقوط الاتحاد السوفييتي، واستقلال أرمينيا وأذربيجان، استغل الأرمن تلك التطوّرات المتسارعة في منطقة القوقاز وآسيا الوسطى، وقاموا في أواسط عام 1992 بالسيطرة على إقليم ناغورني كاراباخ، الذي يقع داخل حدود أذربيجان وأغلبية سكانه من الأرمن. وضموا أيضا أراضي 6 مقاطعات أخرى في تلك المنطقة.
ومنذ اتفاق وقف إطلاق النار في مايو 1994 لم يتم التوصل إلى سلام دائم بين البلدين. ولم تتوقف الاشتباكات بين الطرفين. والمناوشات تتم في كل مرة في منطقة كاراباخ المتنازع عليها وسط اتهامات متبادلة بتحميل المسؤولية. نزاع له امتدادات محلية واقليمية ودولية، يريفان بحاجة إلى روسيا، وموسكو تدرك هذا جيدا، وهي مجال نفوذ جغرافي يسمح لروسيا بالمناورة الجيوسياسية. وتعد أرمينيا حليفا اقتصاديا واستراتيجيا مهمّا، بالإضافة إلى التواجد العسكري الروسي عبر القاعدة العسكرية في يريفان.
وبالمثل تدعم إيران أرمينيا لأسباب اقتصادية مرتبطة بالطاقة، ولحساسية الأقلية الأذرية في الداخل الإيراني، التي تطالب بمزيد من الحقوق، وبالتالي إضعاف باكو حاجة إيرانية ملحة، وطهران تعلم أيضا أن تل أبيب تولي اهتماما خاصا بأذربيجان، ولها علاقات وطيدة معها لقربها من إيران، وعبر دعمها المعلن لباكو، تتحدّى تركيا مرة أخرى روسيا، مع استمرار التوتر بين موسكو وأنقرة في الجغرافيا السورية والليبية. وإصرار أردوغان على تطوير علاقات بلاده العسكرية مع أوكرانيا، وعدم اعترافه بقرار ضم منطقة القرم إلى روسيا الاتحادية، وهو يدعم شبه الجزيرة، وفي ذهنه أن سكانها من أصول تركية.
ومن الممكن أن تدخل العلاقة بين روسيا وتركيا في دوامة التوتر مجددا، في وقت يستمر فيه القتال الأكثر دموية منذ سنوات بين الجمهوريتين التابعتين للاتحاد السوفييتي سابقا.
هذا التصعيد الدراماتيكي يأتي في ظل شراكة هشة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، بفعل تصادم المصالح على الأرض في سوريا وليبيا، وإقليم كاراباخ يشكّل هو الآخر بؤرة صراع على ممر الطاقة الاستراتيجي، حيث تصرّ أنقرة على دعم باكو، وتعهدت قيادتها السياسية بالوقوف إلى جانبها، ومنحها الأسلحة الحديثة، وإن قُدِّم الدعم التركي تحت عناوين تاريخية ودينية وعرقية، فإنّ السبب يبقى اقتصاديا في جوهره، متمثلا في الغاز الطبيعي الرخيص الذي يأتيها من أذربيجان، مقابل الغاز الروسي باهظ الثمن. ومن الجيد أن تحافظ روسيا على لعب دور الوسيط لإنجاح عملية وقف إطلاق النار، لأن الصراع بين أرمينيا وأذربيجان، يحدث ضمن منطقة نفوذ روسية. ومحاولة تركيا إقحام نفسها في الحرب الدائرة، يمكن أن يكون له رد فعل عكسي، أقلّه تواجد عسكري روسي على الأرض لنشر قوات حفظ سلام، وعودة أرمينيا إلى أحضان الكرملين، بعد أن نأت بنفسها عن موسكو نسبيا منذ الثورة الشعبية عام 2018.
كل هذه الأحداث هي جزء من خطة واحدة تهدف إلى زعزعة الاستقرار في منطقة القوقاز، وهم يقتربون من الحدود الروسية، ومن المتوقع وقوع أحداث مماثلة في داغستان وتتارستان، وفي أوسيتيا الشمالية ومنطقة حوض نهر فولغا، وفي المناطق الأخرى من شمال القوقاز وجنوبه. استكمالا للتوتر الذي حدث سابقا في جورجيا، وفي أوكرانيا وشبه جزيرة القرم، وبالنظر إلى المناورات العسكرية الأمريكية المتواصلة، ووضع منظومات صاروخية في أكثر دول أوروبا الشرقية تشدّدا وهي بولندا، ضمن طموحات أمريكا الجيوستراتيجية في محاصرة روسيا عبر أقرب جيرانها الأوروبيين.
حلقة أخرى من نزاع القوقاز طويل الأمد، الذي خاضت خلاله روسيا حربين ضد حركات انفصالية ومتشدّدين، منذ انهيار اتحاد الجمهوريات السوفييتية، ناهيك من استعادتها القرم، والصدام العسكري الجزئي مع جورجيا ثم أوكرانيا. وقبل أن تخرج الأمور عن السيطرة، تتّجه الأنظار إلى تسوية سياسية ما، وإمكانية حل الأزمة بطرق دبلوماسية، أو بتدخل قوات دولية لا يمكن أن تستثنى منها موسكو. مع مراعاة خصوصية كل طرف وعلاقاته الاستراتيجية، وقد يرى البعض في المواجهة العسكرية بين الجارتين محاولة لتضليل العقل الجيوسياسي التركي. على اعتبار أن روسيا منزعجة من التقارب التركي الأمريكي في الملف الليبي، وعلى ضوء ذلك تزعج أنقرة في منطقة البلقان وآسيا الوسطى، ولكن رغم هذا، فهي فرصة ثمينة لأنقرة، قلّصت من خلالها توتر علاقاتها مع موسكو في الشرق الأوسط وشمال افريقيا، ونقلتها إلى منطقة القوقاز ذات الأهمية الاستراتيجية. علاوة على أن تحمس تركيا لمعاضدة أذربيجان تغذيه خصومة الأتراك التاريخية مع الأرمن، ولذلك تأتي مطالبة أردوغان لأرمينيا بالانسحاب من المناطق التي سيطرت عليها، في إشارة إلى المساحات التي فقدتها أذربيجان سنة 1994، مع دخول مفاوضات وقف إطلاق النار، التي أوكلت لمجموعة مينسك التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا بإشراف روسيا وأمريكا وفرنسا.
النزاع يحمل في طياته مصالح جيوستراتيجية مهمة لموسكو وأنقرة، والمشكلة هناك، تتجاوز خرق الهدنة، ومن المسؤول عن انتهاك وقف إطلاق النار. وإن كانت جهود روسيا تؤكّد على مرجعية مسار التفاوض وشكله، فإنّ الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف يصرّ هذه المرة على اشراك تركيا في مسار التفاهمات. ويعتقد أن دول مجموعة مينسك بعيدة عن المنطقة. ولم يؤت تدخلها أي ثمرة منذ 30 عاما، ولم يتم تسليم باكو سنتمترا واحدا من أرض أذربيجان عن طريق التفاوض. وهو متغيّر تاريخي مهم، يُترجَم من خلال الحراك الدبلوماسي المتسارع، الذي يبدو أنّه يتم مع تركيا هذه المرة وليس مع باكو. وقد تكون النتائج مختلفة في إطار صفقة ثنائية بين موسكو وأنقرة، خاصة أن الحكومة الأذرية على قناعة تامة بضرورة تغيير المعطيات على أرض الواقع. وبالمحصلة ، لا يمكن لما يجري أن يكون خارج الاتفاقيات الأمنية والصفقات الجيوسياسية بين محاور النزاع في أكثر من ملف إقليمي، في سوريا وليبيا وشرق المتوسط وافريقيا.
القدس العربي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.