الجزائر ترأس لجنة تطبيق المعايير الدولية للعمل خلال الدورة 113 لمؤتمر العمل الدولي    مخيمات صيفية لفائدة 2000 طفل من أدرار وتمنراست بالمدن الساحلية    دعوة إلى تقوية العلاقات التجارية    ناصري يستقبل سفير السعودية لدى الجزائر    تسليم وثائق التوطين ل 230 مستوردا    استلام مشاريع بقيمة 7 مليارات دولار    سونلغاز في سوريا    إيران تحت القصف الصهيوني    مونديال الأندية ينطلق اليوم    بوغالي يؤكد التزام الدولة    اتصالات الجزائر تنظم حملة للتبرّع بالدم    الكسكسي في مسابقة دولية    الجزائر تدعو إلى حماية السلم والأمن الدوليين    انتصار للفلسطينيين وتأكيد للعزلة السياسية والأخلاقية للكيان    رؤية طموحة لرقمنة القطاع    مولودية الجزائر على بعد خطوة من اللقب والكناري في الوصافة    5 جزائريين في مونديال أمريكا للأندية    حماد يهنئ مريجة على مواصلة مسيرته في الاتحاد الدولي للجيدو    والي قسنطينة يفتح النار على سماسرة العقار    أسرة الإعلام في ضيافة اللواء السابع المدرع    الجزائر تنضم قريبا لمعاهدة الصداقة والتعاون في جنوب شرق آسيا    دعم الإعلام الوطني في تصديه لمحاولات نهب الموروث الثقافي    "أروقاس" تستقطب اهتمام الجمهور الياباني    "العالم الجميل" بمسرح "مجوبي"    وصول أول رحلة للحجّاج العائدين إلى مطار وهران    تحيين 12 ألف بطاقة "شفاء" منذ بدء العملية    تأكيد انخراط المجتمع المدني في جهود مكافحة المخدرات    عودة الفرق الجزائرية المشاركة في مكافحة الجراد بتونس    الجزائر تنضم لاتفاق إنشاء المعهد العالمي للنّمو الأخضر    معالجة 542 قضية إجرامية    إخماد حريق شب في إسطبل بمنطقة "أم قطيطة"    حجز أكثر من 300 ألف قرص "إكستازي"    وزير الاتصال يدشّن المقر الجديد لإذاعة الجزائر من بشار وبني عباس: مفخرة إعلامية بمواصفات عصرية    وزارة الصحة تُقيّم تحديات استئصال شلل الأطفال بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية    الجزائر تدين وتستنكر العدوان السافر على إيران    ألعاب القوى/الدوري الماسي-2025 : مرتبة خامسة للجزائري محمد ياسر تريكي في الوثب الثلاثي بأوسلو    العاب القوى/ذوي الهمم: الجزائري اسكندر جميل عثماني يفوز بسباق 100م (ت13) لملتقى أوسلو للدور الماسي    فرقة "الصنعة" للموسيقى الأندلسية تطفئ شمعتها الأولى بتكريم عميد أساتذة هذا الفن, محمد خزناجي    بكالوريا 2025: مخطط خاص لتأمين مجريات الامتحان    الدول الأعضاء في رابطة أمم جنوب شرق آسيا ترحب بالانضمام القريب للجزائر إلى معاهدة الصداقة والتعاون في جنوب شرق آسيا    حج 2025م/ 1446 : عودة أول فوج من الحجاج إلى وهران    الشيخ القاسمي يدعو إلى نشر خطاب ديني جامع لتعزيز الوحدة الوطنية    العدوان الصهيوني على إيران: موجة غضب وتوعد بالرد "القوي" و "الصارم"    إيران تدعو إلى عقد اجتماع عاجل لمجلس الأمن بعد العدوان الصهيوني على أراضيها    تحيين أزيد من نصف مليون بطاقة "الشفاء" على مستوى الصيدليات المتعاقدة مع هيئات الضمان الاجتماعي    الرابطة الأولى موبيليس (الجولة ال 28): النتائج الكاملة والترتيب    الجزائر تواصل التزامها بحماية حقوق الطفل    المعرض العالمي بأوساكا: عروض فرقة "أروقاس" من جانت تستقطب اهتمام الجمهور الياباني    موسم الاصطياف 2025 والاحتفالات بالذكرى 63 لعيد الاستقلال محور اجتماع للمجلس التنفيذي لولاية الجزائر    مؤسسة صناعات الكوابل ببسكرة: إنتاج 2000 طن سنويا من الكوابل الخاصة بالسكة الحديدية    اختبار مفيد رغم الخسارة    الأسطول الوطني جاهز للإسهام في دعم التجارة الخارجية    جمع أزيد من 721700 كيسا من الدم في سنة 2024    اللهم نسألك الثبات على الطاعات    القرآن الكريم…حياة القلوب من الظلمات الى النور    فتاوى : أحكام البيع إلى أجل وشروط صحته    صور من مسارعة الصحابة لطاعة المصطفى    لماذا سميت أيام التشريق بهذا الاسم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حروب الجيوش وتحولات الطاقة والاقتصاد
نشر في الحياة العربية يوم 20 - 12 - 2022

فرضت الحرب الأوكرانية-الروسية، المندلعة منذ 10 أشهر والمفتوحة على استمرار يبدو طويلاً، تحولات مهمة في سوق الطاقة ودور النفط المستقبلي فيه وسلوك الدول بسبب هذه التحولات.
بهذا الصدد، تبدو أجواء التحولات هذه شبيهة بتحولات سوق الطاقة بعد حرب تشرين (أكتوبر) في 1973 بين مصر وسوريا من جهة وإسرائيل من جهة أخرى. قادت هذه الحرب وتفاعلاتها السياسية إلى ارتفاع غير مسبوق في أسعار النفط على مدى فترة طويلة. فعلى سبيل المثال، كان سعر برميل النفط بحدود 3 دولارات قبل الحرب (أي ما يقارب 17 دولاراً بأسعار اليوم) ليتضاعف بحدود 4 مرات في خلال شهرين ونصف، بين أكتوبر 1973 ويناير 1974 ليصل إلى نحو 12 دولاراً (بحدود 72 دولاراً بأسعار اليوم).
كان المشهد الأبرز والأسرع لهذا الارتفاع هو الطوابير الطويلة للسيارات، خصوصاً في الولايات المتحدة، للحصول على الوقود في محطات التعبئة واضطرار الحكومات الغربية لتقنين بيع الوقود. قاد هذا الارتفاع المفاجئ وغير المسبوق إلى بروز التضخم وارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية الأخرى بنسب كبيرة. شهد الاقتصاد العالمي حينها ركوداً واضحاً تطلب الخروج الكامل منه بضعُ سنوات. دشنت هذه الأزمة النفطية مرحلةً جديدة على عدة صعد لجهة تقنين استخدام النفط والبحث عن مصادر بديلة له، فضلاً عن التكيف مع الأسعار الجديدة واحتمالات الشحة المقبلة في سوق النفط. تراجع مثلاً الإقبال على السيارات التي تصنعها الشركات الأميركية، بأحجامها الأكبر ومميزات الرفاهية الأكثر فيها، لصالح منافساتها الألمانية واليابانية التي كانت تصنع سيارات عملية أصغر حجماً لكن أقل استخداما للوقود من السيارات الأميركية الفارهة. احتاجت الشركات الأميركية بضع سنوات لتعلم الدرس جيداً كي تصنع سيارات اقتصادية وعملية تنافس مثيلاتها الأوروبية والآسيوية.
لجأت الولايات المتحدة أيضاً لإنشاء الخزين النفطي الاستراتيجي في 1975 بسعة لخزن 714 مليون برميل في صهاريج تحت الأرض، نصفها تقريباً مليئة بالنفط. يُستخدم بعض هذا الخزين لتخفيف وطأة أوقات الشح النفطي وارتفاع الأسعار، كما فعل الرئيس الأميركي جو بايدن بعد اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا بإطلاقه نحو مليون برميل يومياً من هذا الخزين. قادت أزمة 1973 أيضاً إلى نمو القطاع النفطي المحلي الأميركي وزيادة انتاجه، فضلاً عن المزيد من البحث عن مصادر الطاقة البديلة للنفط كالفحم والأنواع المختلفة للطاقة النظيفة. لكن يبقى التطور الأهم الذي نتج عن الأزمة هو تحول النفط من سلعة اقتصادية بالدرجة الأولى إلى أولوية مهمة في الأمن القومي الأميركي خاصةً والغربي عامةً على مدى العقود التالية. عنى هذا التزاماً غربياً بتأمين طرق الملاحة البحرية في الشرق الأوسط، خصوصا في منطقة الخليج، لضمان تدفق إمدادات النفط حفاظاً على استقرار نسبي لسوق النفط ومنع الاقتصاد العالمي من الانزلاق نحو أزمات التضخم والركود العميقة. ما يزال هذا الالتزام الغربي قائماً، حتى مع التراجع التدريجي لكميات النفط القادمة من الشرق الأوسط مع تنوع مصادره ودخول منافسين جدد في أنحاء مختلفة في العالم كما في شركات النفط التي تنتج النفط الصخري.
تشبه كثيراً أزمة الطاقة الناشئة عن اندلاع الحرب بين أوكرانيا وروسيا أزمة الطاقة الناشئة عن حرب تشرين، إذ قادت الحرب في القارة الأوروبية إلى شح النفط في السوق العالمية بعد العقوبات التي فرضها الغرب على روسيا لمنعها من الاستفادة من مصدرها المالي الرئيسي: النفط ومنتجاته الغازية، خصوصاً تلك المْصدرة لأوروبا. تسببت العقوبات بارتفاع كبير في أسعار الوقود في أوروبا، وعلى نحو أقل في أميركا، لتظهر بدايات ركود اقتصادي عالمي تحاول الولايات المتحدة وأوروبا الغربية منع بروزه واتساعه. لكن التطور الأهم جراء الأزمة الأوكرانية-الروسية لحد الان هو تعميق سريع لأحد نتائج أزمة 1973 المتعلق بالاهتمام بالطاقة النظيفة والمتجددة. تسارع هذا الاهتمام واتسع كثيراً بعد الحرب في أوكرانيا، خصوصاً في سياق الهدف العالي المستوى الذي وضعه الاتحاد الأوروبي لنفسه في شهر مارس الفائت بالتخلي عن ثلثي استيرادات دوله من الغاز الروسي بنهاية هذا العام وصولاً الى التخلي تماماً عن هذه الاستيرادات قبل عام 2030.
تتضمن الخطة الأوروبية على المدى القصير الحصول على الغاز من مصادر أخرى غير روسية، كاليابان وكندا والجزائر، لكن الطموح المهم، والتحدي الكبير أيضاً، فيها يكمن في ما تسعى الخطة لتحقيقه على المدى البعيد: الاعتماد على مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة بدلاً من النفط. تشمل هذه المصادر الطاقة الشمسية والرياح فضلاً عن غاز الميثان الحيوي الذي يمكن الحصول عليه من تحلل المواد العضوية كالأطعمة والحيوانات النافقة والنباتات الميتة والفضلات العضوية. ثم هناك العمل الجاري منذ عقود على استخدام الاندماج النووي لتوليد طاقة نظيفة من دون مخلفات اوكسيد الكاربون والنفايات النووية التي يصعب التخلص منها. أحرز الأميركيون مؤخراً تقدماً لافتاً بهذا الصدد عندما نجحوا٬ بحسب آخر تجربة جرت في أحد مختبراتهم النووية في ولاية كاليفورنيا٬ بإنتاج طاقة كهربائية بمقدار عال نسبياً يمكن زيادته مستقبلاً لجعل استخدامها تجارياً ومن دون ترك مخلفات نووية أو أوكسيدية. لكن ما يزال أمامهم تحديات جدية تتمثل بصناعة المكائن التي يمكن أن تُولد هذه الطاقة وربطها بشبكات الكهرباء. سيستغرق التغلب على هذه التحديات سنوات، لكن مع الإنفاق الغربي المتزايد على البحوث والتجارب المرتبطة بإنتاج طاقة نظيفة ومتجددة واعتبار إنتاج مثل هذه الطاقة جزءاً من الأمن القومي الأميركي، لن يكون النجاح بعيداً.
ربما هذا هو الدرس الأهم من الحرب الأوكرانية-الروسية: إيجاد بديل عن النفط يعتمد عليه، يمكن إنتاجه في الغرب من دون الحاجة الى الاعتماد على مصادر غير غربية. تطور كهذا، يبدو ممكناً في خلال العقد الحالي خصوصاً إذا استمر النزاع الأوكراني-الروسي على مدى فترة طويلة مقبلة، سيغير وجه سوق الطاقة في العالم على نحو جذري، لتتغير معه موازين القوى السياسية والاقتصادية في أنحاء كثيرة في العالم، بينها الشرق الأوسط. تبني خطط تنموية طموحة لتنويع مصادر الدخل الاقتصادي وتقليل الاعتماد على النفط هو الطريق الصحيح عربياً لمواجهة مثل هذه التحولات في سوق الطاقة.
سكاي نيوز عربية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.