التغطية الإعلامية الدائمة لمعرض التجارة البينية الإفريقية 2025    يقف بقصر المعارض على آخر التحضيرات قبل انطلاق الفعاليات    انتهاء الأشغال ب322 تجهيزا تربويا على المستوى الوطني    منع سير كل المركبات ذات الوزن الثقيل لمدة يومين    الوزير الأول يترأس اجتماعا لتنفيذ قرار رئيس الجمهورية    اضطراب ما بعد الصدمة في المجتمع الإسرائيلي 1/2    أكثر من 300 فلسطيني قضوا جوعاً في غزة    حيداوي يشرف على افتتاح الطبعة الثالثة للمخيمات الشبابية المتخصصة لسنة 2025    تعزيز مكانة الجزائر كوجهة سياحية واستثمارية متكاملة    الجزائر بخطى واثقة من أجل إفريقيا موحّدة    المعرض الإفريقي للتجارة البينية بالجزائر: السيد رزيق يشرع في استقبال الوفود المشاركة    السيد عرقاب يستقبل وفدا عن بنك الاستثمار والتنمية للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا    فتح الأرضيات التعليمية الرقمية لجامعة التكوين المتواصل    غزة تحت القصف الصهيوني المكثف والدمار الممنهج    5 تدابيرلصد مخاطر تبييض الأموال في تجارة المعادن الثمينة    استلام 322 هيكل تربوي جديد عبر الوطن    تنويع مزيج الطاقة وزيادة الاعتماد على الطاقات المتجدّدة    معرض التجارة البينية الإفريقية 2025: الإذاعة الوطنية تسطر برنامجا ثريا لمواكبة الحدث    ضبط القائمة النهائية للوكالات المؤهّلة لتنظيم حجّ 2026    "المغرب يمارس الإرهاب"    دورة وهران كانت ناجحة بامتياز واختصاص كايزن لا يقل جاذبية    إطلاق أول بطولة خلال الموسم الجديد    القفطان الجزائري.. احتفاء بثقافة متجذرة    ضبط "كوكايين" و"كيف" ومهلوسات    احتراق سيارتين داخل مرآب    معسكر.. إقبال كبير على معرض المستلزمات المدرسية    مكتب "الفاف" يناقش ملفات الموسم الكروي وفترة الانتقالات    انطلاق تصوير فيلم "نضالهن" من قسنطينة    عرس سينمائي شبابي يعزز السياحة والثقافة بباتنة    هذه أهم النشاطات الثقافية في المعرض الإفريقي للتجارة البينية 2025    بداري يعاين أشغال التهيئة جامعة هواري بومدين    العاب القوى: مشاركة 61 رياضيا يمثلون تسع دول عربية في بطولة العالم لألعاب القوى 2025 بطوكيو    لتعزيز الكفاءات في مجال التكافؤ الحيوي والبحث السريري..توقيع مذكرة تفاهم بين صيدال وشركة AbbVie الأمريكية    جثمان الفقيد جعفر يفصح يوارى الثرى بالقبة بالجزائر العاصمة    النظام الوطني للتنظيم الصيدلاني: اجتماع عمل تقني بين قطاعي الصناعة الصيدلانية والصحة    تأجيل انطلاق الموسم إلى 13 سبتمبر    سنتصدّى لأي ممارسات غير قانونية    الجزائر ملتزمة بقيَم الحكم الراشد    نعكف على ضمان دخول مدرسي في أحسن الظروف    المملكة المغربية.. نموذج للدولة الإرهابية!    حقوق الإنسان حسب الصياغة الجديدة للرئيس الأمريكي ترامب    وزير الخارجية البريطاني يؤكد أن المجاعة التي يشهدها قطاع غزة هي "من صنع الإنسان"    تصفيات مونديال 2026: المنتخب الوطني يجري حصته التدريبية الأولى بسيدي موسى    العدوان الصهيوني على غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 63633 شهيدا    السلطات تعكف على ضمان دخول مدرسي في أحسن الظروف    هذا جديد تنظيم الحج..    كرة القدم/مونديال 2026: المنتخب الوطني يشرع في التربص التحضيري بسيدي موسى    توثيق قانوني وشهادة دولية عن ارتكاب جرائم إبادة جماعية في غزّة    نسج شراكات استراتيجية لتعزيز السيادة الصحية للقارة    بللو يؤكد على ضرورة الاسراع في تنصيب لجنة أخلاقيات الفنان    معسكر : انطلاق المهرجان الفني والثقافي الأول للطفل "صيفنا لمة وأمان"    هكذا كان يتحدّث بن بلّة عن بومدين..    شباب بلوزداد يحقّق بداية موفقة    الإسلام منح المرأة حقوقا وكرامة لم يمنحها أي قانونعبر التاريخ    المولد النبوي يوم الجمعة    يوم الجمعة الموافق ل 5 سبتمبر القادم    ذكرى المولد النبوي الشريف ستكون يوم الجمعة الموافق ل 5 سبتمبر القادم    لا إله إلا الله كلمة جامعة لمعاني ما جاء به جميع الرسل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما الشر حقاً؟ ومن هم الأشرار؟
نشر في الحياة العربية يوم 29 - 04 - 2023

هل الشر موجود؟ وكيف يتجاوز فهمنا له مجرد ما هو «سيئ» أو «خاطئ»؟ ولماذا يعتقد البعض أنه محض أسطورة أو خيال، بينما يصر آخرون على أنه حقيقي؟ وهل هو مروع وغير مفهوم بطبيعته أم يمكن أن يكون عادياً؟
تشكل هذه النوعية من التساؤلات هاجساً أساسياً في كتاب «الشر» للباحث لوك راسل، أستاذ الفلسفة بجامعة سيدني، الصادر عن دار «الكرمة» بالقاهرة، ترجمة محمد هوجلا – كلفت.
في البداية، يؤكد المؤلف أنه يجب أولاً أن نحاول الاقتراب من معنى الشر في الخيال الجمعي، ما الذي نقصده تحديداً بتلك الكلمة، متسائلاً: فيم تفكرون حين تسمعون كلمة الشر؟ هل تفكرون في واحد من أشرار الشاشة والروايات، مثل شخصية فولدمورت في سلسلة «هاري بوتر» أو رامزي بولتون في «لعبة العروش» أو الإمبراطور في «حرب النجوم»؟ تلك الشخصيات النمطية من النوع الذي يسعى بجد إلى إهلاك الآخرين ويبهجه إنزال المعاناة بهم، ويقهقه بالضحك، بينما يتفكر في أفاعيله الخبيثة؟ لعلكم تفكرون بدلاً من ذلك في الأبطال الخارقين المستدعين لاستخدام قوتهم في سبيل الخير لا الشر، وقد يخطر ببالكم شعار محرك البحث «غوغل» السابق: «لا تكن شريراً».
يوضح المؤلف أنه حين يستعمل الناس كلمة «شر» بهذه السياقات، فإنهم كما يبدو يلهون بالمبالغات المجازية، فالشر مخيف وسيئ، لكنه هنا مخيف وسيئ بشكل مبالغ فيه كثيراً، إلى حد أن هناك شيئاً غير واقعي فيه؛ بل مضحك! الشر بهذا المعنى يترنح على حافة الكوميديا. إن شخصية الشرير «دكتور إيفل» في سلسلة أفلام «أوستن باورز» تَبرز في هذا السياق نموذجاً قد يجعلنا نهتف: يا للطفولية، ما أسخف أن يرعبنا الشر! «وإذا بقينا نحصر تركيزنا في أمثلة كهذه فقد نخلص إلى أنه لا مجال لمفهوم الشر في التفكير الجاد بشأن الأخلاق».
من ناحية أخرى، هنالك الساسة المعاصرون الذين يتحدثون عن الشر والأشرار؛ لكن هناك من يتهمهم أحياناً برعاية وإذكاء هذا النوع بالضبط من الجو الأخلاقي المشبع بالتحريض، بهدف شيطنة خصومهم عبر تهييج الغوغاء الغاضبين، ودفعهم نحو الفتك بمن يختلفون معهم.
ويجري بعض الفلاسفة مسحاً على هذا المشهد ويخلصون إلى وجوب التشكك في وجود الشر الذي يبدو حسب هؤلاء الفلاسفة مفهوما بالياً، وهو مع ذلك خطر.
ويذكر المؤلف أننا حين نمسح الطيف الواسع من حالات وصف الناس لشيء بأنه شرير، يفاجئنا اكتشاف غريب، فنحن في الإنجليزية نستعمل كلمة شرير أحياناً وببساطة بوصفها مرادفاً لكلمة «سيئ». وحين نفعل ذلك، تنتفي الضرورة في أن تحمل كلمة شر أي معانٍ ضمنية تدل على الحدية، فكما يمكن للأمور والأشياء السيئة أن تكون طفيفة أو تافهة، يجوز أن توجد شرور طفيفة أو تافهة. بهذا المعنى للكلمة: «افترضوا أنكم تواجهون موقفاً يمثل معضلة وتعيَّن عليكم الاختيار من بين خيارين سيئين، من الجائز أن تبرروا قراركم النهائي قائلين إنكم اخترتم أقل الشيئين سوءاً». ومن ثم، حين تستعمل كلمة «شرير» بوصفها مرادفاً لكلمة سيئ، جاز قولها في مآخذ أخلاقية يؤخذ عليها من قبيل الاعتداءات البدنية سيئة القصد، ولكنها تجوز أيضاً في أشياء سيئة من دون أن تكون لا أخلاقية، مثل ما يصيبك من ألم جراء خبط إصبع قدمك. وإذا رجعنا إلى قاموس «أكسفورد» للغة الإنجليزية للكشف عن أصل كلمة evil بمعنى «شر» أو «شرير» لرأينا أنها تطورت من الكلمة الإنجليزية yfel بمعنى «فوق» أو «زائد» أو «ما بعد»، كما تفيد التجاوز والتعدي، أي أن كلمة شرير كانت تستعمل ببساطة طوال قرون طويلة مرادفة لكلمات «سيئ ومزعج ومؤلم».
وفي أيامنا هذه لو استُعملت كلمة «شرير» دون أن نعني شيئاً أكثر من «سيئ» فقد يكون وقع الكلمة غريباً، فمثلاً إذا أعطى ناقد تقييماً سلبياً لمطعم، فمن غير المرجح أن يصف الطعام بأنه «شرير»، ومع ذلك يمكننا العثور على سياقات يستمر فيها هذا الاستعمال القديم لكلمة شرير بمعنى سيئ، وهذا الاستعمال سيكون مألوفاً لكل من قابل ما يسميه الفلاسفة واللاهوتيون «مشكلة الشر».
ويعود المؤلف إلى الوراء قليلا ليتذكر ما حدث في «أحد الفصح» عام 2019، حين نفذ إرهابيون سلسلة تفجيرات في كنائس وفنادق في سريلانكا فقتلوا 259 شخصاً. وفي ردة فعل على هذا الحدث، غردت السياسية الأميركية إليزابيث وارن قائلة: «إن ذبح المصلين في كنيسة في أثناء شعائر الفصح لهو من كبائر الشر».
ويتساءل المؤلف: «ما الذي كانت وارن تقصد إيصاله بقولها هذا؟».
لماذا لم تكتفِ بالقول إن هذا النوع من القتل الجماعي خطأ؟ اختارت وارن «الحديث بلغة الشر والخير لكي تدين التفجيرات بأشد لهجة ممكنة. المؤكد أن الشر ليس عادياً ولا من ضمن الإيقاع الرتيب للأمور ولا حدثاً يمر مرور الكرام، فهو مختلف ومميز، ولكن فيما بالضبط تختلف الأفعال الشريرة، هل من سمات خاصة تمتلكها تلك الأفعال تميزها عن زمرة الأفعال العادية غير الشريرة؟».
يدفعنا هذا –حسب المؤلف- نحو رؤية فلسفية مبدئية جداً عن الفعل الشرير، فعندما يفجر إرهابي غرفة مليئة بالأبرياء، قد يكون فعل شيئاً أسوأ بكثير من سرقة المتاجر أو الكذب، وربما يكون التعريف الأمثل للأفعال الشريرة هو أنها ببساطة أفعال بالغة الخطأ أو أفعال أسوأ بكثير من الأخطاء اليومية العادية. مفهوم الفعل الشرير في هذه الرؤية يلتقط المنطقة الحمراء عند الطرف الأقصى من طيف ارتكاب الخطأ، فيصبح الفعل الشرير ليس أكثر من فعل خاطئ جداً.
ويذكر المؤلف أن التعقيد ينشأ حين نسأل عما يعنيه أن يكون فعل بعينه أشد خطأ من فعل آخر، أو حين نسأل من أي ناحية تكون الأفعال الشريرة حدية؟
يدعي بعض هؤلاء الفلاسفة أن الشر لا يختلف «كمّاً» فحسب عن ارتكاب الخطأ العادي، وإنما يختلف «كيفاً»، فهم يعتقدون أن الأفعال الشريرة ليست ببساطة خاطئة أكثر أو ضارة أكثر من الأخطاء العادية غير الشريرة. ومن هنا رفضهم الرؤية القائلة بالأخطاء بالغة الضرر على الأفعال الشريرة، وذلك عن طريق تحديد السمة أو الخاصية الإضافية التي تملكها خاصية مفتقدة تماماً في الأخطاء العادية غير الشريرة. وهنا ينشأ تعريف آخر مهم للشر، فالفعل الشرير لا يستحق هذا الوصف إلا إذا كان موضوعاً للرعب الأخلاقي.
ويؤكد المؤلف أن هذا التعريف للفعل الشرير يبدو دقيقاً؛ فهو يسمح لنا بأن نميز الأفعال الشريرة حقاً عن الأفعال التي لا تعدو أن تكون مقززة أو منفرة أو مخيفة، من خلال أشكال غير ذات صلة بالأخلاق، كالتعذيب والإبادة، وغيرهما من الأخطاء الشنيعة المرعبة، وينسجم هذا التعريف كذلك مع الرؤية القائلة إن سرقة المتاجر ليست شراً، وفي المجمل فإن تعريف الفعل الشرير بأنه «الخليق بأن يرعب» يبدو مقنعاً بشدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.