أكد عميد جامع الجزائر الشيخ محمّد المأمون القاسميّ الحسنيّ، في شهادته عن شخصيّة المفكّر والوزير، مولود قاسم نايت بلقاسم، أنّه رجل ليس بين ألقابه وأفعاله مسافة، فهو الوطنيّ الأمين، والمفكّر الجزائري الأصيل، كان من أبرز رجال الفكر والثقافة في الجزائر حمل مشروعا حضاريا متكاملا جمع بين الأصالة والمعاصرة. جاء ذلك، خلال محاضرة افتتاحيّة، في ملتقى موضوعه: "المفكّر مولود قاسم نايت بلقاسم: الرّجل والمشروع"، بدار الثّقافة، في مدينة سطيف، نظّمه مركز الشّهاب للبحوث والدّراسات، بالشّراكة مع المكتب الولائي لجمعية العلماء المسلمين الجزائريّين، حضره والي الولاية مصطفى لماني، وممثّلو السّلطات المحلية كما حضره، رئيس المجلس الأعلى للّغة العربيّة، صالح بلعيد وكذا الاستاذ عبد الحليم قابة، رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وعدد من أعضاء مكتبها الوطني. وكان من الحاضرين نواب في البرلمان، ونخبة من العلماء، والمثّقفين، والإعلاميين. وأفاد الشّيخ القاسميّ، الذي لازم مولود قاسم، في وزارة التعليم الأصليّ والشؤون الدينيّة، طيلة ثمانية أعوام، أنه، رحمه الله، " لم يكن يلبس ثوب الوزير، بل كان يتنفّس هواء الجزائر، ويكتب بقلم المفكّر، وينطق بلسان المصلح، ويمارس سلطاته بعقل المربّي وضمير المجاهد"، حيث كان يرى الجزائر شخصية حضاريّة، بل قضية حضاريّة؛ ودفاعه عن الإسلام لم يكن على طريقة الداعية، بل على طريقة العالم المفكّر العارف؛ وكان شعاره، في جميع ملتقيات الفكر الإسلامي: "الإسلام دين ودولة، ونظام اجتماعيّ متكامل". وعنده: أنّ معركة الهوّيّة ومقوّمات الشخصية الوطنيّة، لا تقلّ أهمية عن معركة الأرض؛ وأنّ الأمّة لا تبنى بالحدود فقط، بل باللّغة والعقيدة، وبالتاريخ والانتماء". وظهر اهتمام مولود قاسم بموضوع الأصالة، فكرا وتوجيها، في مقالاته، وفي خطبه الافتتاحية للملتقيات الفكرية، فكان يبدي تصوّره المتبصّر الرصين، ونظرته السديدة إلى إمكانات التوفيق بين الأصالة والمعاصرة، ويتأتّى ذلك، كما يفهم منه، حين يفصل المجتمع بوعي بين الثوابت والمتغيّرات، فيتمسّك بالثوابت والمبادئ، تمسّكه بالعقيدة الّتي أثمرتها؛ ويتعامل بمرونة مع التغيّرات، باعتبارها مجرّد وسائل وأساليب وكيفيات، يعبّر بها كلّ جيل عن واقعه وحاجات عصره. أما عن إنسانية المحتفى به، يضيف عميد جامع الجزائر، فتظهر تجلّياتها في اهتمامه بصلّة الرحم، ورعايته للعائلة الكبيرة، بتحمّله واجبات أسريّة، منها إيصال أبناء أخيه بنفسه، يوميا، إلى مدارسهم، وهو في منصبه الوزاري؛ فكانت تلك الفضائل جوهر فهمه للأخلاق وللدّين الحنيف؛ فأحبّه الجميع؛ وبقي اسمه يحتلّ مكانة في القلوب، حتى الّذين اختلفوا معه فكريّا، كانوا يحترمونه، ويقدرون له قدره. وأضاف الشّيخ القاسميّ قائلا: "إنّ ممّا استخلصناه من صحبتنا لمولود قاسم أنّ الدّولة لا تكون قويّة إلّا بالعلم، وبرجال أصحاب عزيمة وفكر وأنّ التربية ليست مناهج فقط، بل أمثلة صالحة ورجال قدوة. وأنّ العلاقة بين الإسلام والعروبة والأمازيغيّة لا تناقض فيها، بل هي علاقة تكامل، إذا كان العقل راشدا، والفكر سويّا". وختم العميد بالقول: "من خلال سيرة مولود قاسم، نفهم ما يجب أن يكون عليه المثقّف حينما يكون رجل دولة، وما يجب أن يكون عليه رجل الدّولة، حين يتحمّل المسؤولية، فيرعى أمانتها حقّ رعايتها، ويعطي المثل الصالح للتكفّل بتبعات المسؤولية.