"جمعية شباب الخير" تجولت ليلا في بعض شوارع وأحياء العاصمة، رفقة أهل البر والإحسان والمتطوعين في فعل الخير الذين يقومون بحملات تضامنية كل ليلة الخميس والجمعة ، لفائدة المتشردين والمختلين عقليا، يقدمون لهم حساء ساخنا وملابس دافئة وأغطية وأدوية، ويقدمون لهم الإسعافات الإسعافات الأولية لتفادي حدوث أي مضاعفات محتملة. لطيفة مروان الانطلاقة كانت حوالي الساعة العاشرة ليلا من بلدية المدنية إلى غاية ساحة أول ماي مرور بمحطة تافورة والبريد المركزي وصولا إلى ساحة الشهداء، مجموعة من الشباب فعل الخير متحمسين مرتدين صدريات برتقالية اللون مكتوب فيها اسم الجمعية وشعارها يشرعون في هذه الحملة التطوعية. ومن بينهم خالد بولعراس، أحد أعضاء الجمعية المعروفة بأنشطتها الداعمة لفقراء ومعوزي وكذا المتشردين، أنهم أطلقوا حملة عبر الفيسبوك لفتح مبادرة التطوع للراغبين في فعل الخير، وقد جمع ما يكفي من الأغطية والملابس في إطار سلسلة القوافل الإنسانية التي لا طالما اقترنت مع فصل الشتاء المعروف ببرودته القاسية. وأضاف "أثناء مرورنا من الشارع الرئيسي بساحة أول ماي توقفنا عند كومة سوداء من زبالة بجوار شجرة، غير بعيدة وكالة الضمان الاجتماعي، خرجنا من السيارات وذهبنا لاستطلاع الأمر، أشعل أحد أعضاء الجمعية مصباح هاتفه المحمول ففوجئنا بوجود شخص نائم فوق الأرض وهو ملتف داخل بطانية. أيقظناه بعد أن بدأ يحك عينيه بكفيه المتسختين، وأفهمناه أننا لم نأت لطرده من المكان، بل نريد فقط أن نقدم له الطعام". حالة هذا الرجل ليس الوحيد وإنما يشاركها العديد من الأشخاص المختلين عقليا والمتشردين نفس الوضعية ، في ساحة بور سعيد وجدنا أحد الفتيات بجانبها عربة صغيرة لحمل الأطفال. كانت وسط الحديقة تغط في نوم عميق، وهي محتضنة طفلا يمسك بزجاجة حليب، ويحرك شفتيه مُحاولا مصّ ما بداخل الزجاجة وهو مغمض العينين. بعد محاولات عديدة تمكنا من إيقاظها، فقامت وجلست وبدأت تُحدق فينا. ويروي أحد أعضاء الجمعية "ترددنا في البداية خوفا من أنها يمكن أن تتصرف بعنف، لأنها ستعتقد أننا جئنا لكي ننتزع منها طفلها، اما في ساحة الشهداء فقد كانت متواجدة سيدة كبيرة في السن كانت نائمة بجوار حائط قرب المركز البريدي، عندما أيقظها أعضاء الجمعية، لكي يعطوها بعض الأكل وبعض الملابس. لم تكن وحدها نائمة هناك، كان على بعد أمتار قليلة منها أشخاص آخرون مستسلمون للنوم، يفترشون قطعا من الكرتون ويتغطون ببطانيات متسخة. تبدو في العقد الخامس من عمرها، لكن عندما سألناها عن سنها أجابتنا وهي تحاول أن تزيل آثار النوم من عينيها الذابلتين: "عمري ثلاثة وثلاثون سنة". سألناها: "عندما تسقط الأمطار بغزارة وتهب الرياح القوية، هل تبقين في هذا المكان؟ أجابتنا :"هنا نبقى". سألتها مرة أخرى :«ألا تتعرضين لأي أذى عندما تكونين نائمة في الليل؟». أجابتني وهي ترتشف الحساء الدافئ الذي قدمه لها أحد أعضاء الجمعية : "الله هو الذي يحميني". غير بعيد منها يرقد شخص ملتف داخل كرتون ولا يظهر منه شيء، حذرنا حارس السيارات من إيقاظه وقال لنا بأنه شخص عنيف، يحقن نفسه بالمخدرات، ويسطو على كل ما لدى المتشردين الذين ينامون بقربه. في الجهة المقابلة رأينا شخصا آخر نائما فوق الأرض بمحاذاة المسجد ، أخبرنا حارس السيارات بأن اسمه حسن، وهو جد هادئ، ولا خوف منه يقول حارس السيارات بأن حسن يعيش في هذا المكان منذ أكثر من أربع سنوات. عندما يُسأل عن أصله، يقول تارة بأنه من ولاية المدية ، وتارة أخرى يقول من الميلية أعطته معطف من الصوف بعدما لاحظت أن ما يرتديه من لباس لا يمكن أن يقيه من برد الليل القارس، فقال لها الحارس بأن المعطف الذي أعطته له سيأخذه منه نعمان، المتشرد الآخر الذي ينام في الجهة المُقابلة، لكي يبيعه ويشتري المخدرات التي يحقن بها نفسه وفي البريد المركزي اقتربت "جمعية شباب الخير" من الشاب زهير، كان جالسا فوق كرسي إسمنتي يعاني من اضطراب نفسي. جاء من مدينة بومرداس منذ خمسة أشهر يتحدث بطريقة جد سريعة يصعب فيها فهم ما يقول. وسألته إن كان له سبق له أن اشتغل، فأخبرنا بأنه درس إلى غاية السنة الثالثة ابتدائي، ودخل إلى ورشة للصناعة التقليدية وبدأ يتعلم النقش على الخشب، ومارس هذه المهنة لمدة أربع سنوات، لكنه لم يعد يرغب في أن يبقى بمدينة بومرادس، وألمانيا هي التي تملأ عقله الآن.