ح.ح تحتضن مدينة ندرومة إرثا معماريا لا بأس به، إذ تعتبر مهد الموحدين ومسقط رأس عبد المؤمن بن علي الكومي الندرومي، كما أنها تكسب هندسة معمارية مماثلة لهندسة المدن القديمة ذات الطابع الإسلامي حيث تحتوي على الجامع الكبير وأزقة ضيقة وملتوية وسوق ومنازل عتيقة ونظرا لهذه العراقة حظيت بقسط وافر من الدراسة على يد مجموعة من الدارسين أمثال الحسين بن محمد الوزان، وقد اختلفت الأقاويل حول التاريخ الحقيقي الذي تأسست فيه مدينة ندرومة، وفي جولتنا هذه سنأخذكم في رحلة أثرية تاريخية إلى أهم العهود الإسلامية التي مرت بها مدينة ندرومة والتي يرويها لنا رئيس جمعية "الموحدية" للمحافظة على التراث التاريخي والثقافي لمدينة ندرومة. صراع سياسي ومذهبي نتيجة لسياسة الاستبداد بعد وفاة الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز دخلت تلمسان ومدينة ندرومة في الصراع السياسي والمذهبي نتيجة لسياسة الاستبداد التي طبقها عمال المغرب والتي وضع أسسها الحجاج بن يوسف الثقفي في المشرق، لكنها عورضت من طرف البربر لعدم تماشيها مع تعاليم الدين الحنيف وذلك عبر قيامهم بثورات تحت زعامة تلمسان الأمر الذي أقحم ندرومة في ذلك الصراع باعتبارها فرعا من قبيلة كومية المنتمية لزناتة بمبايعة أبي قرة اليفريني بالخلافة سنة 765م والذي اتخذ من تلمسان قاعدة له في المغرب الأوسط ومدينة طنجة مركزا له بالمغرب الأقصى.
مكانة مرموقة في الميدان الإسلامي في القرن التاسع ميلادي كنت هذه المدينة تدعى فلاوسن وكانت آنذاك عاصمة النواحي المجاورة لها التي أصبحت تحمل في القرن الخامس عشر اسم ترارة والتي تعتبر مجموعة من القبائل الكومية لتلك الناحية، كما يبدو أن العرب أدخلوا إلى الإسلام على يد الأدارسة ربما لأنه كان يوجد بهذه المدينة مركز ديمي للخوارج الصفرية وأصبحت هذه المدينة في القرن الحادي عشر ميلادي تتميز بمكانة مرموقة في الميدان الإسلامي.
إشعال نار مدمرة بين القبائل لقد كانت الجهة الغربية للمغرب الأوسط والجهة الشرقية للمغرب الأقصى الخاضعة لحكم الأدارسة مصب اهتمام الفاطميين ولتحقيق مرادهم عمدوا إلى اتخاذ تهرت قاعدة عسكرية لجيوشهم القادمة لاحتلال تلك المناطق التي من ضمنها ندرومة وتلمسان، الأمر الذي استندره أمويي الأندلس فقاموا بجمع قبائل المغرب الأوسط بما فيها تلمسان وندرومة وأمدوها بالسلاح والأموال لمجابهة التوسع الفاطمي لكن ما لبث أن أصبح ذلك الصراع محليا بين قبائل النواحي الأخرى بتدبير الفاطميين والأمويين حيث اشتد التنافس ما بين الحسن بن أبي العيش حليف الأدارسة وموسى بن أبي العافية الزناتي حليف الأمويين الأمر الذي أدى إلى إشعال نار مدمرة بين القبائل.
صراع حمادي زناتي في عهد بلكين لقد خلف انتقال الفاطميين إلى مصر تمركز الحماديين محلهم فبسطوا هيمنتهم على المغرب الأوسط، ويبدو أن ندرومة قد لحق بها ما لحق تلمسان من الغزو والسيطرة، حيث نشب صراع حمادي زناتي في عهد بلكين بن محمد بن حماد وفي عهد الناصر بن علناس زابنه العزيز كانوا في توجههم إلى مدينة فس يغزون القبائل المهمة والتي كانت ندرومة واحدة منهم.
يوسف بن تشفين وجد له النصر بالمدينة لقد قامت الدولة المرابطية على أساس الدين والإصلاح كما يدل على اسمها باتحادها مع قبائل أخرى كجدالة ولمطة ومسوفة وثم إعلان مراكش عاصمة لها سنة 1063م ومنها امتد سلطانها في المغرب الأوسط بزعامة يوسق بن تاشفين الذي سعى قدر الإمكان إلى توحيد المغربين الأوسط والأقصى تحت سلطة المرابطين في القرنين الخامس والسادس هجري ولقد وجد له نصر بندرومة كما وجد المدينة على درجة كبيرة من الأهمية الأمر الذي دفع به إلى بناء جامع بها تحت إشراف قاضيه علي سبة أبو محمد عبد الله بن سعيد ويبدو أن المرابطين شيدوا جوامع في كل المدن الهامة بالمغرب الأوسط كالجزائر وتلمسان.
اهتمام خاص من قبل عبد المؤمن بن علي قامت الدولة الموحدية على أساس عقيدة التوحيد والخضو ع لتعاليم الدين الحنيف فكان شعارها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الأمر الذي جعلها شبيهة بالدولة المرابطية من حيث قيامها على أسس دينية تزعمها محمد بن تومرت ومن بعده عبد المؤمن بن علي الذي كان والده فخاري يكسب قوته من المنتوجات الطينية فنشأ فقيرا وطالبا للعلم ولقد حظيت ندرومة بمكانة واهتمام خاص من طرف عبد المؤمن بن علي، حيث عرفت ازدهارا وشأنا كبيرا آنذك فدخلت تحت لوائه ولم تخضع للهجومات والاضطرابات فقد حولها الأمير الموحدي إلى حصن.
الصراع الزياني والمريني في هذا العهد كانت الدول المرينية في صراع دائم مع الدولة الزياتنية رغم كونهما أبناء عمومة فبنو مرين وهم في طريقهم إلى تلمسان كانوا يغزون مدينة ندرومة حيث كانوا يرسلون فرقهم العسكرية للمدن الواقعة على الطريق الذي يسلكونه في حملتهم مثل تانين وندرومة وفي عام 1895م خرج أبو يعقوب للمرة الثانية لغزو تلمسان وحاصرها وفي السنة الموالية خرج بنو مرين نازلين بجيوشهم بأفران الجيار شمال ندرومة تاركين حامية كبيرة بمدينة وجدة تقوم بقتال المدن الحدودية بين الدولتين ولم تستطع ندرومة الصمود طويلا لتسقط بيد أبي يعقوب المريني فأثر ذلك على نفسية عثمان بن يغمراسن.