الفريق أول السعيد شنقريحة يشرف على افتتاح أشغال الاجتماع السنوي لإطارات العتاد    الحراك الطلابي العالمي الدّاعم للفلسطينيّين يصل إلى كندا وأوروبا    كتابة الدّولة الأمريكة تُوجّه انتقادا حادّا للمخزن    الوعي المجتمعي لمواجهة التعصّب    تعزيز النشاطات الثقافية والفنية بالوسط الجامعي    باتنة: إجراء عمليات زرع الكلى بحضور أطباء موريتانيين    الصحراء الغربية: إبراز دور وسائل الإعلام في إنهاء الاستعمار خلال ندوة بالإكوادور    استفادة ولاية معسكر من مجمع وقفي للأمير عبد القادر    الجزائر الجديدة.. إنجازات ضخمة ومشاريع كبرى    1000 مليار لتعزيز الأمن في المطارات    قسنطينة: السيد ديدوش يعاين عديد المشاريع الخاصة بقطاعه    تربية: التسجيلات في السنة الأولى ابتدائي بداية من هذه السنة عبر النظام المعلوماتي    الرئيس يكرّم قضاة متقاعدين    انطلاق أشغال منتدى دافوس في الرياض بمشاركة عطاف    الصهاينة يتوحّشون في الضّفة    العدوان الصهيوني على غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 34 ألفا و454 شهيدا    ممثلا لرئيس الجمهورية, العرباوي يتوجه إلى كينيا للمشاركة في قمة المؤسسة الدولية للتنمية    الجزائريان مسعود وبلقاضي يُتوّجان بالذهب    الكرة الطائرة/ بطولة إفريقيا للأندية/سيدات: جمعية بجاية تتغلب على ليتو تايم الكاميروني (3-2)    بوغالي يؤكد أهمية الاستثمار في تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي    الجزائر وفرت الآليات الكفيلة بحماية فئة المسنين وتعزيز مكانتها الاجتماعية    لحوم الإبل غنية بالألياف والمعادن والفيتامينات    خلال زيارة تفقد وعمل إلى سكيكدة: دربال يحمل مسؤوليه المحليين واقع قطاع الموارد المائية غير المقبول    خنشلة: التوقيع على اتفاقيتي تعاون مع مديريتي الشؤون الدينية والتكوين المهني    نريد ديناميكية ونجاعة وتلبية انشغالات المواطنين    مجلس التجديد الاقتصادي الجزائري يثمن قرار خفض نسب الفائدة على القروض الاستثمارية    مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي: طرح الصعوبات التي يواجهها المخرجون الفلسطينيون بسبب الاحتلال الصهيوني    بغالي: الإذاعة الجزائرية ترافق الشباب حاملي المشاريع والمؤسسات الناشئة من خلال ندواتها    البليدة: إطلاق أول عملية تصدير لأقلام الأنسولين نحو السعودية من مصنع نوفو نورديسك ببوفاريك    استئناف حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة بالنسبة لمطار أدرار    حج 2024: دورة تدريبية خاصة بإطارات مكتب شؤون حجاج الجزائر    فلسطين : العدوان الإرهابي على قطاع غزة من أبشع الحروب التي عرفها التاريخ    كرة القدم/الرابطة الأولى "موبيليس" : مولودية الجزائر تعمق الفارق في الصدارة وشبيبة القبائل تبتعد عن الخطر    كرة اليد (البطولة الإفريقية للأندية وهران-2024): تتويج الترجي التونسي على حساب الزمالك المصري (30-25)    تسخير كل الإمكانيات البشرية والمادية لإنجاح الإحصاء العام للفلاحة    فلاحة/مؤسسات ناشئة: اطلاق الطبعة الرابعة لمسابقة الابتكار في قطاع الفلاحة في افريقيا    غرداية : اقتراح عدة معالم تاريخية لتصنيفها تراثا ثقافيا    لا صفقة لتبادل الأسرى دون الشروط الثلاثة الأساسية    نطق الشهادتين في أحد مساجد العاصمة: بسبب فلسطين.. مدرب مولودية الجزائر يعلن اعتناقه الإسلام    10 % من ذخائر الاحتلال على غزّة لم تنفجر    استئناف أشغال إنجاز 250 مسكن "عدل" بالرغاية    مباشرة إجراءات إنجاز مشروع لإنتاج الحليب المجفف    دورة تكوينية جهوية في منصة التعليم عن بعد    حساسية تجاه الصوت وشعور مستمر بالقلق    إنجاز جداريات تزيينية بوهران    15 ماي آخر أجل لاستقبال الأفلام المرشحة    أكتب لأعيش    هدم 11 كشكا منجزا بطريقة عشوائية    لو عرفوه ما أساؤوا إليه..!؟    الاتحاد لن يتنازل عن سيادة الجزائر    رياض محرز ينتقد التحكيم ويعترف بتراجع مستواه    بيولي يصدم بن ناصر بهذا التصريح ويحدد مستقبله    فتاة ضمن عصابة سرقة بالعنف    منظمة الصحة العالمية ترصد إفراطا في استخدام المضادات الحيوية بين مرضى "كوفيد-19"    حج 2024 : استئناف اليوم الجمعة عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة    أهمية العمل وإتقانه في الإسلام    مدرب مولودية الجزائر باتريس يسلم    دروس من قصة نبي الله أيوب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هندسة الأمن الموسع في الجزائر
نشر في الحوار يوم 06 - 07 - 2015

في الوقت الذي تظهر فيه جماعات مسلحة هنا وهناك في البيئتين العربية والإفريقية، والتي تنافس الأنظمة الوطنية في ممارسة صلاحياتها في الضبط والتحكم المجتمعين، بقي النموذج الجزائري متفوقا ومتفردا بأدائه الأمني الهادئ والفعال، ففي الجوار الإفريقي تشتعل كل من ليبيا وتونس شرقا وصولا نحو العمق المصري، ومنطقة الساحل جنوبا، وما تفرزه الحدود المغربية من تهديدات غربا، أما الجوار العربي فهو كذلك يتآكل تدريجيا تحت وقع تهديدات غاية في الحرج، كداعش بالعراق وسوريا، وامتداداتها في دول الخليج، وما يصحبه من اضطرابات في اليمن ولبنان، إذا وبكل بساطة تشتعل الدوائر الجيوبولوتيكية للأمن الجزائري مشكلة ضغطا على الأمن الجزائري، مع احتمالية عالية لانسحاب هذه التهديدات نحو الداخل الجزائري معرضة استقرارها الأمني للعطب.
مقارنة بالنماذج المذكورة سابقا، يبدو أنه يسعنا القول أن الجزائر بنت لنفسها تفوقا أمنيا ملحوظا، بني على أساسين، الأول المتعلق بنجاعة الآلة الأمنية، وما يدعمها من مبادرات سياسية سطرتها الجزائر بداية الألفية، أما الثاني فهو المتعلق بدبلوماسية الجزائر الأمنية، وإستراتيجية الجزائر في اختيار شركائها الأمنيين، نضيف إلى هذا دافعية المجتمع الجزائري نحو البقاء آمنا ومستقرا لما تحمله الذاكرة الجماعية الجزائرية من محطات دامية وحرجة، إذا التفوق الأمني الجزائري هو مركب عسكري، سياسي ومجتمعي، لأنه وبمعطيات الواقع، لا فعالية للأداء العسكري والعملياتي دون أن يدعم سياسيا ومجتمعيا، فلا فائدة للاستراتيجيات الخشنة اليوم، دون أن يوطئ لها داخل المجتمع، وتحظى باتفاق الفواعل السياسية داخل البيئة الوطنية.
إذا سلمنا بأن الجزائر تحظى اليوم بنوع من التفوق الأمني مقارنة بالنماذج المحيطة بها، لا بد من البحث في سبل بناء استمرارية هذا التفوق وترقيته نحو أمن شامل مركب من قطاعات الأمن المختلفة، بداية من الشق العسكري، فالسياسي، المجتمعي، الاقتصادي وحتى البيئي، من منطلق أن الحياة الأكاديمية، وتحديدا الدراسات الأمنية، طورت مفهوم الأمن، ليتجاوز شقه الخشن العسكري، نحو قطاعات أخرى أصبحت تضاهي القطاع العسكري الاستراتيجي أهمية وحيوية، تحتاج الجزائر ربما إلى خطة أمنية وطنية أكثر تعقيدا من تلك التي رسمت تحت تأثير ظروف التسعينات، عملا بمبدأ أن إدارة السلم أشد تعقيدا وصعوبة من إدارة الحرب، ففي أوقات التهديد القصوى تقتصر المطالب المجتمعية على تحقيق الحد الأدنى المتمثل في الأمن الفيزيائي للإنسان، أما أوقات السلم فتأخذ المطالب المجتمعية صيغ مركبة غاية في التعقيد، كمحاولة فهم حركية الأنظمة الحاكمة، ومحاولة ضبط سلوكياتها، وأقلمة أدائها مع مقتضيات السياق المجتمعي المستقر، وكذا البحث عن منافع اقتصادية واسعة وفرص عمل راقية، ووضعية اجتماعية تلمس خط الرفاه أو تقترب منه.
بالرجوع إلى المفاهيم الأمنية الراهنة، من الخطأ الاعتقاد أن التفوق الأمني الجزائري سيبنى ويستمر بالتركيز على تطوير الآلة الأمنية فقط، لأن الأداء العسكري مهما كان قويا ونافذا، يبقى قاصرا إن لم يدعم بمواضيع أمنية أخرى كالاقتصاد، والقضايا المجتمعية، وضبط الصراع السياسي، وشؤون البيئة، أو باختصار تحقيق الأمن ضمن هندسة تنموية شاملة ومتعددة المواضيع ويمكن سحب هذه الفكرة على العديد من النماذج، فمثلا يشار إلى الجيش المصري على أنه أقوى الجيوش العربية، فيما تتعرض مصر إلى أعطاب أمنية تمس حتى المناطق التي تطوقها عناصر الأمن، كما تتعرض قوات الجيش والشرطة إلى ضربات من عناصر مسلحة والتفسير، هو أن الآلة الأمنية سبقت المبادرة السياسية والاستجابة المجتمعية، وسلوك سياسي كهذا يعتبر بمثابة انتحار أمني وسياسي في حياة الشعوب والدول، فلابد أن تتحرك الخيارات السياسية قبل الخيارات الأمنية أو على الأقل جنبا إلى جنب معها، ويشير التاريخ السياسي إلى أن الأنظمة الدكتوتورية تسبق الخيارات العسكرية لأن الخيار العسكري يفرز بيئة يسهل معها تصفية المعارضين والحسابات العالقة بين النخب الحاكمة والنخب المقابلة لها التي يشك فيها أو لا يؤمن ولاؤها.
عودة إلى النموذج الجزائري، تقتضي هندسة التفوق الأمني وبناء استمراريته خطة أمنية هجينة تحمل دلالات الأمنين الخشن والناعم، أي جعل الآلة الأمنية مستعدة لأي طارئ أو تهديد فعلي أو استباقي، مع الالتفات إلى تطوير الحياة السياسية وتعميق الممارسة الديمقراطية داخل البلاد دون إغفال الدعامتين الاقتصادية والمجتمعية، لنصل في الأخير نحو أمن وطني شامل وموسع، وينبغي الإشارة إلى أن خطة أمنية بهذا الحجم والتعقيد، يجب أن تتجاوز الخبرة العسكرية فقط، نحو الاستفادة من الخبرات السياسية، والاقتصادية، والنخب الوطنية، وكذا مؤسسات المجتمع المدني، فالطابع الشمولي والمعقد لهندسة التفوق الأمني تقتضي تعدد وجهات النظر والفواعل التي ترسمها وتشكل معالمها، لتتاح بهذه الطريقة الفرصة للمجتمع لتحديد وإدراك بيئته الأمنية، وكذا اقتراح بدائل لتغطية نقائصها وفراغاتها، فإشراك الفواعل الاجتماعية في صنع القاعدة السياسية يسهل فرض الاحتكام لها واحترامها، وهنا نشير إلى أن المجتمعات التي تصنع القوانين بمعزل عنها، تتعامل مع تطبيقها بنوع من اللارضا واللاقبول والعكس بالنسبة للقوانين والقواعد التي تصنع بالأغلبية أو بإجماع مجتمعي.
لا يجب أن نغفل الشق المتعلق بالبيئة الخارجية عند رسم الاستراتيجيات الأمنية، وهندسة مستوى متفوق من الأداء الأمني والاستقرار في مختلف مناحي الحياة داخل الدولة، فكما ذكرنا سابقا تتحرك الجزائر ضمن بيئات أمنية غاية في الحرج والحساسية، وأمام خيار جعل العمل الأمني موجها نحو الداخل فقط، تبقى الأداة الدبلوماسية الوسيلة المتاحة حاليا، فإذا اعتبرنا أن الأمن أصبح مفهوما واسعا يحتمل العديد من القيم والمواضيع، يمكن إسقاط هذه الفكرة على الدبلوماسية والعمل الدبلوماسي، فمن خلال الأداء الدبلوماسي يجب على الجزائر تطوير مفهوم للمصلحة يكون معقدا ومركبا كفاية للتواؤم والتطابق مع متطلبات البيئة الداخلية، أي رسم سياسية خارجية محققة للأمن الداخلي ومدعمة له، مع الحرص على تفادي أي انزلاقات خارجية من شأنها تعريض الأمن الوطني الموسع للعطب، فالأمن من منظور العلاقات الدولية اليوم هو قيمة تتنافس الدول لتحقيق أعلى مستوى منها، وعلى الدبلوماسية الجزائرية أن تعي أن سياساتها الأمنية ستتقاطع طبيعيا مع سياسات دول أخرى، وهنا يدخل اعتبار تحقيق الحد الأدنى للمصلحة الأمنية حين يتعسر تحقيق مستويات أعلى في بيئة دولية تتقاطع فيها استراتيجيات الدول ورؤاها لأمنها الوطني، وينبغي الإشارة إلى أن إيجاد شركاء أمنيين أو الدخول في تكتلات أمنية إقليميا أصبح خيارا يفرض نفسه ضمن تفاقم وتمايز أشكال التهديد الأمني وطنيا، إقليميا وحتى دوليا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.