قاص وروائيّ أردنيّ… عضو في رابطة الكتاب الأردنيين واتحاد كتاب وأدباء الإمارات...فاز مؤخراً بجائزة الشارقة لأفضل كتاب عربيّ عن روايته " نزلاء العتمة ". من أعماله الإبداعيّة : 1 – بالأمس كنت هنا "رواية". 2 – أنا وجدي وأفيرام "رواية". 3 – يوم خذلتني الفراشات "رواية" 4 – نزلاء العتمة "رواية". 5 – أبي لايجيد حراسة القصور "مجموعة قصصية". حاوره: رمضان نايلي *جسّدت في روايتك " نزلاء العتمة " الفائزة– مؤخراً– بجائزة الشارقة، ثنائية الحياة والموت بلغة شفافة وبناء مشهدي محكم …كيف ولدت فكرة هذه الرّواية، وماهي ظروف كتابتها؟ -لعلنا نتفق على أن هاجس الموت وسؤاله الوجودي، هو من أكثر الأسئلة إرباكا للإنسان، ولطالما حيرت مسألة الموت الإنسان في جميع مراحل حياته، صحيح أنني كتبت هذا العمل كمحاولة مني للإجابة عن عدد من الأسئلة المقلقة التي واجهتني شخصيا، أسئلة حول مصائر الإنسان ومآلاته الغامضة، لكنني اكتشفت خلال انغماسي بها وتوتر علاقتي بشخوصها وأحداثها، أنني أثير أسئلة أكثر مما أجيب عنها، وهذا ما دفعني للمضي بها حتى النهاية. الرواية تتناول الموت ليس من باب مجابهته أو محاكمته، بل من باب مواجهة الحياة ومفرداتها بالدرجة الأولى، وهي تبحث في جدوى التأويلات التي تظل تؤجل الخلاص إلى عالم الماوراء، وربما تتشابك فيها عوالم لم تطرق في المدونة السردية من قبل، لكن صحيح أن هذه الرواية تمضي بالقارئ لعوالم الموت، إلا أنها نشيد إنساني بالدرجة الأولى، يعلي من شأن الحياة والمحبة والفرح والإنسانية، وهي تقف بصلابة في وجه أولئك الذين يريدون سرقة الحياة من بين أيدينا، فهي تتصدى للمشروع الظلامي الذي يعمل على خطف الحياة، وإدخالنا في متاهات نحن في غنى عنها.
*الرّواية طغت عليها الغرائبيّة والأجواء الفانتازية المشهدية في العالم الآخر …إذن الهدف من ذلك هو إرباك القارئ ووضعه في دوامة القلق وربطه بالحل المُؤجل في حبكة مُحكمة…؟ -لم يكن إرباك القارئ هدفاً بحد ذاته، بل ربما محاولة لإدخال القارئ طواعية في هذه الأجواء والمناخات التي لم يعتد مثلها من قبل. الرواية لا تتناول الموت من منظور ديني أو أسطوري أو تراثي أو رمزي، بل تنحى به منحا فلسفيا، لذلك اقتضى الاشتغال على الرواية، بناء عالم تأملي مواز للعالمين الوجودي والماورائي، عالم يستطيع الفرد العيش فيه بحرية والتعبير عن هواجسه وأحلامه وتطلعاته دونما قلق، وخلافا لما تبدو عليه أحداث الرواية، التي تصيب القارئ كما قيل لي في أحيان كثيرة بحالة من الاكتئاب والسوداوية والضيق، إلا أنها تتيح للقارئ لذة الانتقال بين عالمي الحياة والموت أكثر من مرة، ولم يكن هذا المزج الناعم ليحدث لولا تلك المقاربة التدريجية التي أتاحت لي فهماً أعمق لتلك المنطقة الغامضة بين هذين العالمين. صحيح أن مشهدية الرواية كانت في عالم الموت والمقابر، حيث الرطوبة والعتمة والبرودة والصمت المطبق، إلا أن الخوف الحقيقي لم يكن في هذا العالم المتخيل، بل في أن يصبح هذا العالم، صورة مصغرة للحياة التي نعيشها اليوم، فالرواية كما تعلم تمضي بالقراء لعالم جديد قلما عبره أحد. ولعل رمزية المقبرة وحضورها تفوق بالتأكيد تلك البقعة الجغرافية الكئيبة التي ندس فيها موتانا بحزن، ونستدير عائدين لحياتنا اليومية، لتمثل في حالة من حالاتها، الحياة بكل صخبها وجنونها، وتمثل أيضاً تطلعات الإنسان ورغباته في أن يمضي برفقة أحلامه لعالم أكثر جمالاً وروعة، وأستطيع القول أن فكرة المقبرة وحضورها بهذه الكثافة، أتاحت لكثير من القراء القدرة على توليد الدلالات، وفك الرموز، والمضي بالنص لمسافة أبعد مما هو متوقع. *هل كنت تنتظر فوزها بجائزة أفضل رواية عربية ضمن جوائز معرض الشارقة الدولي للكتاب لعام 2015؟ -في البداية لابد لي من التعبير عن سعادتي الغامرة بفوز الرواية بهذه الجائزة الرفيعة على مستوى الوطن العربي، وقد كان فوزها مفاجئا لي لسببين: الأول أن ترشيح الرواية تم من قبل دار النشر، وهي دار فضاءات للنشر بعمان التي أشكرها على هذه الثقة، ذلك أن ترشيح الأعمال الأدبية للمشاركة في جوائز معرض الشارقة الدولي للكتاب، لا يتم بشكل شخصي من قبل المؤلفين، بل تكون من حق دور النشر وحدها، والسبب الثاني أنني شعرت في لحظة من اللحظات أن المساحة التي تحظى بها الرواية، جديدة ومغايرة، وربما لن تجد من يلتقط فكرتها ومناخها الغريب وغير المألوف، وربما مرت على القارئ والناقد مرور الكرام، لذلك جاء فوزها بهذه الجائزة ليؤكد لي أن الساحة الأدبية والفنية بخير، وأن العمل الجيد، سيجد من يرصده، ويحتفي به ويعلي من شأنه. *" أنا وجدي وأفيرام " …في هذه الرّواية التي تعالج موضوعاً مهمّاً، وهو علاقة الإنسان الفلسطينيّ بالآخر المُحتل …نجدك تبتعد فيها عن الغرائبيّة وتستند إلى الواقع …؟ -هذه الرواية هي الأحدث لي، وقد صدرت قبل شهور قليلة وأثارت الكثير من ردود الأفعال على المستوى الفكري والنقدي وحتى السياسىي على حد سواء، فهي تستند على أحداث حقيقية، وتبحث في النظرة إلى المحتل، بوصفها اختزالاً لحالة تعكس مكابدات الفرد وعذاباته، وذلك عبر محاولة اشتقاق فهم أكثر عمقاً وشفافية، لمستويات الصراع التي تنشب داخل الفرد، حين تدفع به الحياة لمواجهة غير متكافئة مع عدو طالما تربص به، وإزاء هذه الحالة المربكة، الدافعة بشكل فطري للتخلص من المحتل بصيغ وجوده المختلفة، تنفتح الرواية على عالم من الأسئلة المقلقة، دافعة بالقارئ نحو معالجة أكثر عمقاً للطريقة التي ننظر بها للآخر. وتحكي الرواية قصة شاب فلسطيني، تضطره ظروف الحياة، للعمل في بيت للعجزة في تل أبيب مطلع ثمانينيات القرن الماضي، وهناك يقدّر له الاحتكاك اليومي بنماذج بشرية، أزاحها المجتمع الإسرائيلي من دائرة اهتمامه، ويكون عليه حينها أن يعتني بهؤلاء الذين يشكلون في سلوكهم الجمعي، صورةً للمحتل وبشاعته، ليجد نفسه أمام حالة صادمة لم يسع لها يوماً. الرواية تحاول أن تعيد المشهد الفلسطيني الذي يعنينا جميعا للمدونة السردية العربية بصورة أكثر عمقاً، وهي محاولة للوقوف بوجه أولئك الذي سرقوا أرضنا ويحاولون اليوم سرقة الحكاية، كما أنها تؤسس لتأكيد حق العودة الذي يؤرق المشروع الاستيطاني الاسرائيلي. قلت ذات مرة أن الأدباء اليهود لا يقلون شراسة عن الجنود، فهم يريدون سرقنا الأرض والحكاية والحلم، ولابد من مجابهتهم والوقوف بوجههم بكل صلابة وحزم.
*وماذا عن روايتك "يوم خذلتني الفراشات" التي اختيرت ضمن القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد للكتاب لعام 2012…؟ هذه الرواية تقدم معالجة عميقة للعلاقة الملتبسة بين السلطة وأدواتها وإخفاقها من جهة، ومعاناة الفرد العربي وخيباته من جهة أخرى، وهي وفق هذا التصور تطرَحُ جانباً مهماً من حراك المجتمع، والصراع بين طبقاته وأفراده، وقد صدرت الرواية قبل سنوات على تلك الحركات التي شهدتها المجتمعات العربية، فقد تحسست الرواية ذاك الغليان الذي يفور وينتظر لحظة الخلاص، فهي رواية في الأدب السياسي، الذي يقرأ ويتأمل ويحلل أثر الأحداث السياسية على مصير الفرد ومستقبله. وجاء اختيار الرواية للقائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد للكتاب لعام 2012، ليمنح الرواية شرفة تطل من خلالها على أكبر عدد ممكن من القراء في العالم العربي، إذ حظيت باهتمام نقدي حقيقي، وكُتب عنها الكثير من الدراسات النقدية بأقلام كبار النقاد في العالم العربي.
*ماهي الأوقات والأماكن المفضلة– أي الطّقوس– لديك لكتابة الرّواية …؟ وكيف تختار شخصياتك الرّوائيّة…؟ بصراحة لست مهووساً بتلك الطقوس الكلاسيكية لوحي الكتابة وأجوائها؛ دخان السجائر وفناجين القهوة، والشرود في صمت تسبقه مخاضات عسيرة وعزلة، وخربشات ورقية لا مبرر لها، هذا كله لا يناسب أسلوبي في الكتابة، في كثير من المرات تأتيك أجمل الأفكار وأكثرها عمقا، وأنت تتعامل مع أبسط الناس؛ طفلك الصغير، سيدة مسّنة تستوقفك لتسألك عن شيء ما، أو رجل بسيط مهموم بالحياة، ويعيش اللحظة بعفوية وتلقائية. أحب أن أكون جزءا من صخب الحياة وتفاصيلها اليومية، وأن أنتقي شخوص رواياتي من هناك. الحياة مسرح مفتوح نتحرك فيه بحرية دون أن نتدرب على أداء أدورانا، وهذا ما يمنح الحياة بهجتها وفرحها وصدقها.
* في حوار إعلاميّ لك قلت بأن " النتاج الأدبي الأردني مظلوم " ..كيف ذلك؟ -هذه حقيقة يجب الاعتراف بها أولا، ومعالجتها ثانيا. مشروعنا الثقافي الأردني، تراجع بصورة كبيرة عما كان عليه قبل عقود قليلة ماضية على أقل تقدير، تراجع وتوارى وأُقصي لصالح مشاريع استهلاكية بائسة، لدرجة تشعر معها بأنه بات اليوم، عبئاً على الدولة، وعلى المثقفين على حد سواء. كل طرف يركله باتجاه، ويلقي باللائمة على الطرف الآخر. المثقف والأديب الأردني ليس "كومبارس" في المشهد الثقافي العربي، فالساحة الثقافية الأردنية تزخر بالمبدعين، لكن مشكلتنا، أننا لا نؤمن بأنفسنا وبأبنائنا بالشكل الكافي، نحن نجيد التطلع للآخرين بانبهار، نتقن فن صقل الآخرين وتلميعهم، نفتح لهم المنابر والشاشات، كما لو أننا أقل منهم، أو أن الفجوة التي تفصلنا عنهم، لن تردم يوماً. المؤسسات الرسمية، وأذرعها الثقافية والصحفية والإعلامية، مطلوب منها التحلي بروح المسؤولية، في نهاية المطاف هذه مؤسسات للوطن، يفترض أن تخدم الدولةَ وأبناءها ومبدعيها وتفتش عنهم، وتفتح صدرها لهم، بعيداً كل البعد عن حسابات المصالح والمكاسب، وموازين التربح والخسارة وقصر النظر. *ألا يرجع كل هذا إلى انتكاس المشروع الثقافي في الأردن كغيره من بلدان العالم العربيّ؟ انتكاسة المشروع الثقافي الأردني ليست في صالح أحد، وقد تمنيت وطلبت وقرعت الجرس بضرورة أن يسترد المشروع الثقافي الأردني عافيته بسرعة، فهذا يهم الدولة الأردنية قبل أن يهم المثقفين أنفسهم. الدولة الحية تضع مشروعها الثقافي التنويري في طليعة أولوياتها، لأن رهانات عديدة تعتمد، في مفاصل كثيرة، على هذا المشروع. تذكر معي ما جرى قبل مدة في معظم الدول العربية، عندما تورطت تلك الدول في مستنقعاتها السياسية، وطالتها نيران التطرف والتشدد وفاحت حولها روائح المشروع الظلامي، لم تجد غير الثقافة والتنوير والانفتاح، وسيلة تلجأ إليها لتقي نفسها وشعوبها هذا الخطر. الرهان على الثقافة ليس ترفاً.. وليس كرماً من أحد أيضاً.