تخاريف عدلي علام بقلم: الطيب توهامي اعتدنا على ظهور الزعيم عادل إمام على شاشة أم بي سي، وتحول إلى وجبة درامية يتناولها المشاهد العربي مثلما يتناول صحن الشربة الذي لا يفارق مائدة الإفطار يوميا. اعتدنا على قسمات وجهه، على طريقته الهزلية الساخرة، على وجود امرأة جميلة يعشقها غير زوجته التي ضجر منها، مثلما اعتدنا كذلك على مواضيع كاتبه يوسف معاطي، وطريقة إخراج ابنه رامي إمام. لا شيء يتغير في أعمال الزعيم الدرامية غير العنوان والديكور والموسيقى التصويرية. لا أحد يستطيع أن ينكر عبقرية الزعيم عادل إمام في الأعمال الكوميدية، فهو النجم الأول بلا منازع، لا يضاهيه في غزارة الإنتاج أحد من الكوميديين، فرصيده السينمائي تجاوز المائة والعشرين فيلم، ومسلسلاته فاقت الخمسة عشر مسلسلا. رغم ذلك الزعيم أصبح يكرر نفسه في السنوات الأخيرة في أعمال كوميدية درامية لا ترقى إلى مستواه، والضعف كان فادحا في السيناريو والمعالجة الدرامية. في اعتقادي، يوسف معاطي فشل فشلا ذريعا في نصوصه الكوميدية التي لم تلق رواجا، لأنها نصوص باهتة لا تستوعب زخم الواقع المعيش. نصوص نمطية تفسح المجال كله لعادل إمام كنجم، في وقت يخونه تقدم العمر، وتخونه حتى الحركة، فلم يعد صاحب اللمسة الساخرة السحرية التي يخترق بها باب المشاهدين منذ أول حلقة. الزعيم لم يعد زعيما دراميا، فقد أصبح يصنع الضجة الإعلامية ليس بأدائه وإبداعه، بل بالمبلغ الضخم الذي يتقاضاه عن دوره في كل مسلسل. هذه السنة مثلا تحصل الزعيم على أعلى راتب في تاريخ الدراما العربية تجاوز 2.5 مليون دولار، أي ما يفوق 40 مليار سنتيم، وللقارئ البسيط أن يتخيل حجم الأجر، فاسم الزعيم له وزنه الخاص في سوق الدراما العربية. عفاريت عدلي علام هو العنوان الذي اختاره يوسف معاطي، فالشخصية هي المهيمنة على السيناريو، شخصية الزعيم طبعا، تماما مثل باقي أعماله السابقة مأمون وشركاؤه، فرقة ناجي عطا الله وغيرها. اسم عادل إمام وحده هو الذي يسوق العمل، والمشاهد يبقى في انتظار جديد إمبراطور الكوميديا العربية، إلى أن يتعرض مع بث الحلقات الأولى إلى صدمة وإحباط، نتيجة الأداء الباهت والنص المبتذل واللمسة الإخراجية النمطية. اجترار ما بعده اجترار، ومعذرة على هذه الكلمات القاسية التي أربطها بهرم من أهرامات الكوميديا العربية. كان أولى وأجدر بالزعيم أن يظل زعيما للكوميديا والفكاهة الساخرة المؤلمة في جوهرها، أو كما يطلق عليها النقاد بالكوميديا السوداء، لا أن يتحوّل إلى نجم آفل يقتات من رداءة الدراما، هي في الأصل مرتبطة بالتسويق ونسبة المشاهدة، أكثر من ارتباطها بمضمون يلامس الواقع ويغرف من هموم المجتمع، مثلما كان يفعل عادل إمام من قبل، في أعماله السينمائية القوية كوميديا وإبداعيا، ولا تكاد تعثر له على فيلم سيء طيلة مشواره الفني على مر ستة عقود من عمره الإبداعي. ربما تقدمه في السن، وربما ضعف النص، وربما البطولة المطلقة للزعيم، وربما.. وربما .. عوامل لا يمكن عدها قد تكون ساهمت في إفلاسه فنيا، حولت أعماله الدرامية إلى تخاريف لا قيمة لها. وقد اخترت كلمة تخاريف للسخرية على مسلسل عادل إمام من جهة، ومن جهة أخرى لأذكر الزعيم بسيناريست من الطراز الرفيع، كتب له العديد من أفلامه وهو لينين الرملي. فكلمة تخاريف مرتبطة بعمل مسرحي للينين الرملي من بطولة محمد صبحي، الفنان الكوميدي الكبير الذي اختار أن يتوارى في زمن الدراما التجارية. ومن المفارقة العجيبة أن يدور موضوع مسرحية تخاريف حول العفاريت مثلما هو موضوع مسلسل الزعيم، لكن كتبت بطريقة متوهجة، تغوص في عمق المجتمع وتعالج قضاياه بسخرية لاذعة وفكاهة بناءة. اخترت تخاريف كلمة مفتاحية في العنوان، كي يختار الزعيم بين أمرين، إما أن يغير مؤلف مسلسله بكاتب من حجم الرملي، يعطيه دفعة إبداعية متجددة، أو يختار منفاه الفني طواعية مثلما اختار محمد صبحي منفاه بيده، وذلك موقف محترم سيسجله له التاريخ، فيما تبقى من عمره الذي نتمنى أن يكون مديدا، بحجم البسمة الكبيرة التي رسمها على وجوه المشاهدين عقودا مديدة من الزمن.