دردشت في الأيام القليلة الماضية مع أحد الأصدقاء من الإعلام الرياضي السعودي عن شؤون الساحرة المستديرة وقضايا الرياضة العربية، وفي خضم ذلك تطرقنا لحدث قرار الرئيس عبد العزيز بوتفليقة القاضي بسعيه لاستقطاب مليوني منخرط في الرياضة المدرسية والجامعية خلال الخمس سنوات المقبلة، اندهش محدثي وهاله الأمر، وقال لي بالحرف الواحد: ''بوتفليقة سيثوّر الرياضة، في خطوة جريئة ستأتي أكلها بعد حين''، موضحا كلامه بأن الإستثمار في هذا القطاع سيكون بمثابة مشتلة اليوم التي تهيئ براعم الغد الرياضية، وأن التكوين الرياضي المدرسي على أساسه تنهض وتقوم لاحقا رياضة النخبة. والحق يقال بأن الرياضة المدرسية كان لها الفضل في النتائج التي أثمرت مآثرا رياضية لممثلينا في كبرى المحافل الدولية، صحيح أن الإصلاح الرياضي لأواخر السبعينيات كان حرثا شاقا قطفت ثماره في العقد الموالي، ولكن اعتناء السلطات العمومية بالرياضة المدرسية ما كانت لجهوده أن تذهب هباء منثورا. يقول نجم الكرة الليبيرية جورج ويه المتوّج بلقب أفضل لاعب في العالم عام ,1995 وهي السنة ذاتها التي نال فيها جائزة الكرة الذهبية الأوروبية ما مفاده إن المآثر الأسطورية الرياضية لا تساوي شيئا ما لم يحظ صاحبها بنصيب محترم من العلم، وعلى نفس طول الموجة يحث ''أستاذ'' الكرة الهولندية يوهان كرويف مواهب اللعبة في أيامنا الحالية بضرورة المزاوجة بين متعة الكرة وحب العلم، تصوّروا أن نجوم المستطيلات الخضراء لاسيما الجزائريين منهم يرغبون في افتكاك عقود احترافية، ولكن بمجرد ما يتذكرون بأن مستواهم الثقافي هزيل حتى تخمد رغبتهم، حتى أن المدرب البرازيلي خوزي لويس سكولاري يجد حرجا وهو يعقد ندواته الصحفية بعد أن انتدبته إدارة نادي تشيلسي لتدريب فريقها، لأن الرجل أرغم على تعلم الإنجليزية، فبات يتلفظ بها على طريقة ''فرنسية الزنجي الصغير'' وهو ما أثار تهكم الإعلاميين البريطانيين. وقيل للمدافع السابق لمنتخب إنجلترا طوني أدامس الملقب باسم ''الدبابة'' ماذا تنوي فعله بعد اعتزالك؟ -كان ذلك منتصف التسعينيات- فقال من دون لف ولا دوران ''سأعود إلى مقاعد الدراسة". ويقول البيداغوجيون بأن الرياضة المدرسية لها عديد الفضائل التعليمية والبدنية وحتى الإجتماعية، ففي الشق الأول يستدلون بالحكمة القديمة ''العقل السليم في الجسم السليم''، وأما من الناحية البدنية فلا جدال في المزايا التي تكسبها الرياضة لمزاولها، ومن الناحية الإجتماعية بإمكان توجيه الفئات الشبانية لاسيما المراهقين منهم نحو الإنخراط في مختلف الألعاب أن يقي هذه الشريحة من الإنحراف نحو المجهول والشذوذ بكل تفرعاته، حتى أن أحدهم يبيّن بأنه لما تحين ساعة مادة التربية الرياضية في المؤسسة التعليمية التي ينشط بها، حتى يلاحظ نوعا من الحركة والنشاط والحبور لدى تلاميذه، لأن الرياضة تخفف عنهم ثقل صرامة الدراسة، وتنسيهم هموم وروتين الحياة. والآن لماذا كان تناول حدث استقطاب مليوني منخرط في الرياضة المدرسية والجامعية فاترا، ولم يحظ بالمعالجة التي يستحقها؟ بكل بساطة ومن دون ''التفاتة الثعلب'' وعلى طريقة القافز بالزانة الذي يتجه مباشرة صوب الحاجز المهيئ له بلا مبالاة لما يجري حوله، نقول إن الجهل والأمية الذي يعشش في ذهن عديد ممن يسمون أنفسهم بالإعلاميين الرياضيين فضلا عن التسرّب المدرسي لبعضهم هي التي تجعل من الحدث ''لا حدثا''، لأن الصحافي الرياضي -من المفروض وضع كلمة الصحافي الرياضي الجزائري بين مزدوجتين- الذي اعتاد حشو أوراقه بأخبار من شاكلة ''اللاعب الفلاني شوهد يتناول علبة ياهورت!''، ''والكروي العلاني ذهب لملاقاة خاله القادم من المهجر''، ''ومدافع ذلك الفريق أصيبت سيارته بعطب''، ''ومهاجم الفريق الآخر أهداه جده ساعة سويسرية في عيد ميلاده -بل في يوم اختتانه!-،...هذا النوع من كائنات مكاتب التحرير وأقسام الرياضة هو الذي يجعل من المتفرقات المتنوعة وبدارج سوقي سمج ديكورا يزيّن الواجهة، وأحداثا يتوجب عدم التفريط فيها، بالمختصر المفيد، خالط صحافيا رياضيا جزائريا، وتكلّم معه حول مواضيع من شاكلة ''التأمين الرياضي''، ''الطب الرياضي''، ''منهجيات التدريب''، ''عولمة الرياضة''،.. وستكشف هويته ومستواه الثقافي الراقي بالتأكيد.