رئيس الجمهورية يستقبل رئيس غرفة العموم الكندية    السفير بن جامع بمجلس الأمن: مجموعة A3+ تعرب عن "انشغالها" إزاء الوضعية السائدة في سوريا    شهداء وجرحى مع استمرار العدوان الصهيوني على قطاع غزة لليوم ال 202 على التوالي    محروقات : سوناطراك توقع مذكرة تعاون مع الشركة العمانية أوكيو للاستكشاف والانتاج    انطلاق الطبعة الأولى لمهرجان الجزائر للرياضات    مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي: فيلم "بنك الأهداف" يفتتح العروض السينمائية لبرنامج "تحيا فلسطين"    ورقلة /شهر التراث : إبراز أهمية تثمين التراث المعماري لكل من القصر العتيق ومدينة سدراتة الأثرية    إستفادة جميع ولايات الوطن من خمسة هياكل صحية على الأقل منذ سنة 2021    السيد دربال يتباحث مع نظيره التونسي فرص تعزيز التعاون والشراكة    الشمول المالي: الجزائر حققت "نتائج مشجعة" في مجال الخدمات المالية والتغطية البنكية    "الأمير عبد القادر...العالم العارف" موضوع ملتقى وطني    وزير النقل يؤكد على وجود برنامج شامل لعصرنة وتطوير شبكات السكك الحديدية    السيد بوغالي يستقبل رئيس غرفة العموم الكندية    حج 2024: آخر أجل لاستصدار التأشيرات سيكون في 29 أبريل الجاري    حلم "النهائي" يتبخر: السنافر تحت الصدمة    رئيس أمل سكيكدة لكرة اليد عليوط للنصر: حققنا الهدف وسنواجه الزمالك بنية الفوز    رابطة قسنطينة: «لوناب» و «الصاص» بنفس الريتم    "الكاف" ينحاز لنهضة بركان ويعلن خسارة اتحاد العاصمة على البساط    خلال اليوم الثاني من زيارته للناحية العسكرية الثالثة: الفريق أول السعيد شنقريحة يشرف على تنفيذ تمرين تكتيكي    شلغوم العيد بميلة: حجز 635 كلغ من اللحوم الفاسدة وتوقيف 7 أشخاص    ميلة: عمليتان لدعم تزويد بوفوح وأولاد بوحامة بالمياه    تجديد 209 كلم من شبكة المياه بالأحياء    قالمة.. إصابة 7 أشخاص في حادث مرور بقلعة بوصبع    بقيمة تتجاوز أكثر من 3,5 مليار دولار : اتفاقية جزائرية قطرية لإنجاز مشروع لإنتاج الحليب واللحوم بالجنوب    رئيس الجمهورية يترأس مراسم تقديم أوراق اعتماد أربعة سفراء جدد    نحو إنشاء بوابة إلكترونية لقطاع النقل: الحكومة تدرس تمويل اقتناء السكنات في الجنوب والهضاب    رئيسة مؤسسة عبد الكريم دالي وهيبة دالي للنصر: الملتقى الدولي الأول للشيخ رد على محاولات سرقة موروثنا الثقافي    قراءة حداثية للقرآن وتكييف زماني للتفاسير: هكذا وظفت جمعية العلماء التعليم المسجدي لتهذيب المجتمع    السفير الفلسطيني بعد استقباله من طرف رئيس الجمهورية: فلسطين ستنال عضويتها الكاملة في الأمم المتحدة بفضل الجزائر    معرض "ويب إكسبو" : تطوير تطبيق للتواصل اجتماعي ومنصات للتجارة الإلكترونية    تسخير 12 طائرة تحسبا لمكافحة الحرائق    بطولة وطنية لنصف الماراطون    مشروع جزائري قطري ضخم لإنتاج الحليب المجفف    القيسي يثمّن موقف الجزائر تجاه القضية الفلسطينية    ش.بلوزداد يتجاوز إ.الجزائر بركلات الترجيح ويرافق م.الجزائر إلى النهائي    هزة أرضية بقوة 3.3 بولاية تيزي وزو    تمرين تكتيكي بالرمايات الحقيقية.. احترافية ودقة عالية    العدالة الإسبانية تعيد فتح تحقيقاتها بعد الحصول على وثائق من فرنسا    إجراءات استباقية لإنجاح موسم اصطياف 2024    عائلة زروال بسدراتة تطالب بالتحقيق ومحاسبة المتسبب    معركة البقاء تحتدم ومواجهة صعبة للرائد    اتحادية ألعاب القوى تضبط سفريات المتأهلين نحو الخارج    إنجاز ملجأ لخياطة وتركيب شباك الصيادين    ارتفاع رأسمال بورصة الجزائر إلى حدود 4 مليار دولار    جعل المسرح الجامعي أداة لصناعة الثقافة    فتح صناديق كتب العلامة بن باديس بجامع الجزائر    "المتهم" أحسن عرض متكامل    دعوة لدعم الجهود الرسمية في إقراء "الصحيح"    جلسة للأسئلة الشفوية بمجلس الأمة    الاتحاد الأوروبي يدعو المانحين الدوليين إلى تمويل "الأونروا"    فيما شدّد وزير الشؤون الدينية على ضرورة إنجاح الموسم    الرقمنة طريق للعدالة في الخدمات الصحية    حج 2024 : استئناف اليوم الثلاثاء عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة    حكم التسميع والتحميد    الدعاء سلاح المؤمن الواثق بربه    أعمال تجلب لك محبة الله تعالى    دروس من قصة نبي الله أيوب    صيام" الصابرين".. حرص على الأجر واستحضار أجواء رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مستقبل ليبيا.. بين مطرقة السلاح وسندان ''القبائل''
انفلات أمني وغياب للمؤسسات وارتجال في تسيير الأزمة

أصبحت الحالة الليبية مثلا يضرب به في الشرق كما في الغرب، لما يأتي الحديث عن مخاطر التدخل الأجنبي. وشكّل الانفلات الأمني وانتشار السلاح بأيدي الليبيين، أكبر هاجس لدول الجوار، وحتى للدول التي دعمت ''الديمقراطية الليبية''.
''جنون'' القذافي دفع به إلى ''خارج التاريخ''
حكام ليبيا الجدد في مواجهة ''شعب فوق القانون''
مظاهر الفوضى العارمة في ليبيا، نظرا لصعوبة الإجابة على نزوات كل قبيلة أو طائفة أو مجموعة مصالح، جعلت حكام ليبيا الجدد أمام الأمر الواقع، واقع تجذر في سلوك المواطن الليبي منذ أكثر من أربعين سنة. وكان المواطن الليبي يعتبر نفسه في قمة عزة النفس والغرور، ذلك أن العقيد المقتول معمر القذافي كان يمنح رواتب للجميع والسكن للجميع، ولو أن معظمهم كان يفضل البقاء في الخيم، ويخاطبهم ليل نهار بأسلوبه السريالي. فتارة يهاجم القادة العرب أينما كانوا وتارة أخرى حكام الغرب، ثم يفرغ جام غضبه على جيرانه مثل الرئيسين الراحلين جعفر النميري وأنور السادات. وكان الشعب الليبي يهتف باسمه ويلحن ملحمة ''الجماهيرية العظمى'' التي قد تكتسح العالم لتكون بديلا للأطروحتين القائمتين وقتذاك، الاشتراكية والرأسمالية. بقيت المسرحية قائمة إلى غاية القذف الصاروخي الأمريكي الذي استهدف بيته في باب العزيزية ثم قضية لوكربي التي عزلت ليبيا عن العالم، بل وحجبتها عن الأنظار، فتوجه القذافي نحو الجنوب، نحو المساحات الإفريقية الشاسعة.
شخصيا، زرت ليبيا آخر مرة سنة ,1997 فوجدتها بلدا يعيش خارج التاريخ، حيث شارك وفد برلماني جزائري في ندوة خاصة بالاتحاد المغاربي. وكان القذافي وقتئذ يحفر قبر الاتحاد ليوسع دائرة نفوذه، فأضحى ''ملك ملوك إفريقيا'' في جزيرة الأقزام.
وكانت اللجان الثورية تهيمن بشكل كبير على المجتمع الليبي، وكانت هي الآمر والناهي. عندما تسلك السبيل من طرابلس في اتجاه بنغازي، قد يوقفك شباب بزيّ مدني يقفون في حواجز المراقبة، يُفتشونك ويسألونك عن هويتك وهوية ذويك وهؤلاء لديهم صلاحيات كبرى. أما المغتربون من العرب عندهم، فكانوا مثل القطيع، لا يحترمونهم، إذن كانت المرافق العمومية وما يشبه البلديات والولاية عندنا تحت رحمة اللجان الثورية، فغاب مفهوم المؤسسة في ليبيا. باختصار، كان القائد يخطب ويُوجه الجماهير واللجان تسيّر، حرفيا، كما قال العقيد. وكان العقيد، بالحديد والنار، يوظف القبائل في حفظ الأمن حتى لا ينفلت الوضع.
وكان ''التحزب'' كفرا والخمر ممنوعا والإسلام مراقبا والشباب الضال مذلولا مهانا، هذه الفوضى المحكمة التي أسسها القذافي، بمزاجه الغريب، أدت إلى اغتياله بتلك الكيفية البشعة وقد كان يعتبر أن الشعب يحبه، حتى لفظ أنفاسه الأخيرة، وأن المؤامرة دبرتها أيادٍ أجنبية خفية، فجاء بعده الطوفان
.
المحلل الأمني والاستراتيجي المصري عمر عفيفي ل''الخبر''
''كل ثورة تمر بمرحلة الدسائس والصراع على السلطة والنفوذ''
استبعد المحلل الأمني والاستراتيجي المصري، العقيد عمر عفيفي، المقيم حاليا بالولايات المتحدة الأمريكية، أن تقسم ليبيا إلى شرق وغرب، لكنه حذر من وقوع حرب أهلية بسبب تمسك القبائل الليبية بالسلاح والاختلافات فيما بينها، للحصول على أكبر نصيب من السلطة والنفوذ.
هل صحيح أن التمايز القبلي في ليبيا غطى على الاختلافات الإيديولوجية؟
بالتأكيد، فالثورة الليبية يغلب عليها الطابع القبلي، بالإضافة إلى وجود تدخل من قوى أجنبية تشعر أن لها دورا في صناعة التغيير في ليبيا، لذلك هم يحاولون إجهاض هذه الثورة. ولكن الشيء المهم أن الثورة، أي ثورة، تفرز ظروفها فلا توجد ثورتان متطابقتان، فالثورة مثل البصمة لا يوجد مثيل لها ولا يمكن تكرارها بنفس الصورة.
كيف تفسرون وقوع اشتباكات بين ثوار ومجموعات قبلية مسلحة حتى بعد سقوط نظام القذافي؟
يجب أن ننتبه إلى أن كل ثورة لا بد أن تمر بمراحل تتميز بالاختلافات القبلية والدسائس والصراعات الشخصية على السلطة والنفوذ، ومن يريد ثورة دون أن تمر بمراحلها، فهذا غير ممكن فمهما طال الزمن فستمر الثورة بمراحلها.
هل يمكن للصراعات القبلية أن تؤدي إلى تقسيم ليبيا إلى شرق وغرب، كما يتخوف بعض المحللين؟
أستبعد تماما هذا السيناريو، لأن فكرة تقسيم ليبيا جهل كبير سيؤدي إلى ضعفها ووقوعها في يد الاستعمار الذي لن يكون في شكل احتلال تقليدي، خاصة بعد فشل الاستعمار في العراق وأفغانستان ولكن الاستعمار الجديد سيكون ثقافيا واقتصاديا ويعتمد على الأسلوب المخابراتي عن بعد. فالظروف التي يمرّ بها العالم من أزمة اقتصادية خانقة لا تمكنها من تحمل أعباء مالية جديدة، أما بالنسبة للاقتتال الداخلي في ليبيا فسيأخذ وقتا وينتهي تماما.
لماذا تجد وزارة الدفاع الليبية صعوبة بالغة في السيطرة على فوضى السلاح؟
هذا راجع لوجود القبيلة، وكل قبيلة تحتفظ بالسلاح لنفسها، وليس هناك تفكير ب''نحن'' وإنما هناك تفكير ''أنا''، لذلك من الممكن أن تحصل حرب أهلية بين القبائل الليبية، لأن الكل يريد أكبر نصيب من السلطة والنفوذ في الحكم الجديد، لكنها فترة وستمر لأنه من مصلحتهم أن يسيروا مع بعض.
الجزائر: حاوره مصطفى دالع
طرابلس أصبحت مصدرا ل''اللاأمن''
وتمويل تنظيم القاعدة انتشار السلاح يؤسس ل''دولة أمراء الحرب'' في ليبيا
من أهم تبعات الحرب على ليبيا هو الانتشار المكثف للسلاح وبروز أمراء الحرب على شاكلة الصومال وأفغانستان والصومال، ما يقوّض سلطة أي نظام سياسي مركزي، ويجعل الحكومة عرضة للمساومات إلى درجة التفكير في بدائل جديدة، من بينها التقسيم على أساس مناطق نفوذ أضحت فعلية في الواقع. ووجدت العديد من الأطراف القبلية والسياسية في انتشار السلاح فرصة للتموقع في ليبيا مباشرة بعد ظهور بوادر التمرد الداخلي، خاصة في مناطق كانت تعرف بأنها بؤر توتر أو تواجد لمجموعات لا تدين بالولاء للسلطة المركزية، مثل مصراتة والزنتان وزوارة وبنغازي، ما يعطي الانطباع بإمكانية تحويل ليبيا إلى النماذج القائمة في الصومال والعراق وأفغانستان، والتي تتسم ببروز أمراء حرب ومناطق خارج سيطرة السلطة القائمة، وجماعات مسلحة وميليشيات غير منضوية في إطار الجيش النظامي الجديد الذي تسعى باريس إلى تشكيله وتأطيره وتسليحه.
وتعد ليبيا، بكل المقاييس، مصدر عدم استقرار واسع نتيجة تصدير جزء من مخزون سلاح الجيش الليبي إلى دول الجوار، تستفيد منه مجموعات مسلحة غير نظامية، على شاكلة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. وما يؤرق مصالح المخابرات الغربية بالخصوص هو نوعية الأسلحة المنتشرة والتي تتضمن صواريخ جوّ أرض وجوّ بحر، قصيرة ومتوسطة المدى كما أنها سهلة الاستخدام، ما يعيد إلى الأذهان قضية صواريخ ستينغر الأمريكية التي زودت واشنطن بها المجاهدين الأفغان ما بين 1985 و1986 بالخصوص والتي ساهمت في قلب موازين الحرب التي كان قد خاضها الاتحاد السوفياتي سابقا، حسب الدراسة الخاصة التي قام بها الخبير ألان كوبرمان.
إلا أن هذه الأسلحة أضحت هاجسا كبيرا بعد انسحاب موسكو، لدرجة دفعت المخابرات الأمريكية إلى إعادة النظر في برنامج تزويد حلفاء واشنطن السابقين الذي أرساه شارلي ويلسون العسكري والسياسي وعضو لجنة الدفاع في الكونغرس ابتداء من ,1989 واقترح مبالغ تجاوزت مليون دولار لكل صاروخ ستينغر لاسترجاعها. وقد لاحظ مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس كارتر، أن الدعم العسكري للمجاهدين الأفغان بدأ فعليا مع سنة .1979
هاجس السلاح قد يدفع إلى تقسيم ليبيا
وبالنسبة للحالة الليبية لم يقتصر الأمر على سلاح الجيش الليبي الذي نهبت مخازنه التي كانت تضم مئات الآلاف من الصواريخ السوفياتية والفرنسية مثل صواريخ كروتال، بل الأسلحة التي زودت بها فرنسا وقطر والإمارات المجموعات المسلحة المناوئة لنظام العقيد القذافي في تحدّ صارخ وواضح للائحتين الأمميتين 1970 و.1973 هذه الأسلحة أصبحت أحد معالم تموقع مجموعات مسلحة وميليشيات تدين بالولاء للجهة والقبيلة دون السلطة المركزية وتعكس موازين قوى برزت مع تشكيل حكومة عبدالرحيم الكيب، حيث شكل الاصطفاف الجديد مجالا لمنافسة غير علنية بين حلفاء حرب ليبيا خاصة قطر وفرنسا لضمان أخذ أكبر حصة من الكعكة الليبية. وهو ما تجلى من خلال المساومات العديدة لقوى لمناطق الجبل الغربي وزوارة ومصراتة والزنتان التي تجعل ليبيا تتجه تدريجيا إلى التقسيم على الأرض، بعيدا عن التقسيم التقليدي السابق بين برقة وطرابلس، بل تذهب أبعد من ذلك إلى تشجيع مخطط تقسيم ليبيا إلى خمسة أقاليم هي برقة وطرابلس ومصراتة وجبل نفوسة وفزان، حيث يضم إقليم برقة المنطقة الشرقية ويتكون من محافظات طبرق والبيضاء ودرنة وبنغازي وأجدابيا والكفرة وجميع الحقول النفطية، في حين يغطي إقليم مصراتة محافظات سرت وبني وليد وترهونة وزليطن والجفرة، إلا أن هذا التقسيم يثير أيضا مشاكل كبيرة بالنظر إلى طموحات مصراتة التي أفرغت بالقوة مناطق مثل تاجوراء وتسعى إلى فرض منطقها بالقوة في بني وليد وسرت على حساب القذاذفة وورفلة. يضاف إلى ذلك الرهانات المرتبطة بانتشار السلاح في الجنوب بين التبو والطوارق، والأخطر من ذلك انتقال كميات كبيرة من السلاح الحديث إلى الساحل إلى أيدي تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي مع تطور تجارة السلاح التي تمتهنها جماعات في ليبيا، في وقت أضحت القاعدة مصدر قلق بالغ للقوى الغربية وعلى رأسها فرنسا التي تتمتع بمصالح اقتصادية وأمنية في منطقة الساحل.
الجزائر: حفيظ صواليلي
الدبلوماسي التونسي حداد المازري ل''الخبر''
''تقسيم ليبيا مشروع موجود وجاهز''
بالرغم من سقوط نظام العقيد معمر القذافي وتشكيل حكومة مؤقتة، إلا أن مهمة تشكيل جيش وطني موحد قادر على فرض النظام والسيطرة على فوضى السلاح مازال مسألة صعبة، خاصة في ظل وجود استقطاب قبلي وجهوي قوي غطى على التمايزات الإيديولوجية والفكرية، بعدما صار لكل قبيلة أو مدينة كتيبة مدعمة بمختلف الأسلحة الخفيفة والثقيلة، ولكنها ضعيفة الولاء للمجلس الوطني الانتقالي رغم محاولة هذا الأخير احتواءها.
وفي هذا الإطار، يرى الدبلوماسي التونسي السابق حداد المازري أن ليبيا تواجه خطر التقسيم، حيث قال في اتصال مع ''الخبر'' من باريس: ''أخشى على ليبيا أن يقع لها ما وقع في العراق وربما أخطر من ذلك''، ويضيف ''هناك مشروع موجود وجاهز لتقسيم ليبيا إلى دولتين''.
وأشار حداد المازري إلى أن ''مختلف القوى داخل ليبيا تم تسليحها من دول الناتو وحتى من تنظيم القاعدة، وبعد انهيار نظام العقيد القذافي أصبحت هذه القوى تطالب بكعكة الحكم، ولكن هناك خلافات بينها وتضاربا في المصالح، لذلك يصعب نزع أسلحة مختلف هذه القوى التي قادها ''لورانس ليبيا'' الصهيوني بيرنار هنري ليفي.
وكان سيف الإسلام القذافي سبق له في بداية الأزمة الليبية أن حذر في أول خطاب له في 20 فيفري 2011 من حرب أهلية وتقسيم ليبيا وقال حينها ''نحن لسنا تونس أو مصر، نحن قبائل وعشائر، وهناك ملايين من قطع الأسلحة بأيديها، والذي يجري الآن سيقود إلى حمام دم''.
من جهة أخرى، قلّل الجنرال المصري المتقاعد محمود خلف من شأن الدور القبلي في الصراع على السلطة ما بعد القذافي، لكنه أقر بوجود ''ضغوط قبلية على المجلس الانتقالي عند تشكيل الحكومة''، لكنه اعتبرها ''غير مؤثرة''، مستدلا في ذلك أنه ''لو كانت المسائل القبلية مؤثرة لما كانت نهاية القذافي بهذا الشكل''.
ودعا المحلل الاستراتيجي المصري محمود خلف، في تصريح ل''الخبر''، إلى عدم القلق بشأن مستقبل ليبيا رغم وجود شد وجذب سياسي، إلا أنه حذر من أن القلق سيكون جديا ''عندما يلجأ أي طرف لاستخدام السلاح للحصول على مكاسب سياسية''، لكنه أرجع ما يحدث من اشتباكات ومواجهات مسلحة من حين لآخر في غرب ليبيا والجنوب، ''لوجود الروح القبلية والرغبة في الانتقام''، وأضاف ''أتصور أن تكون هناك مناوشات ولكن بشكل محدود ويمكن تقبله''. واستبعد محمود خلف تقسيم ليبيا بين شرق وغرب، رغم وجود تمايز تاريخي وتراثي وحالة تنافسية بين الجهتين عمّقه العقيد القذافي أيام حكمه، مشيرا إلى أن شرق ليبيا أكثر استقرارا من غربها، ولكنه شدد على أن وجود أغلب احتياطات النفط في وسط ليبيا وليس في الشرق أو في الغرب هو أكبر ضمان لوحدة ليبيا خاصة أن عدد سكانها ليس كبيرا (6 ملايين نسمة).
وبالنسبة لتشكيل جيش وطني ليبي قوي وموحد، اعتبر محمود خلف أن ''هذا الأمر يحتاج إلى وقت طويل جدا خاصة وأن ليبيا لم يكن فيها جيش حقيقي حتى في زمن القذافي بل كانت فيها مستودعات كبيرة للسلاح''، مضيفا أن تكوين جيش احترافي يحتاج إلى إطارات عسكرية ذات كفاءة.
الخريطة القبلية والسياسية في ''ليبيا الجديدة''
برز الاستقطاب القبلي جليا عندما ألقى ثوار الزنتان على سيف الإسلام القذافي ورفضوا تسليمه إلى المجلس الوطني، بل ساوموه في هذا الشأن حتى حصلوا على منصب وزير الدفاع، ومع ذلك بقوا محتفظين بسيف الإسلام، متحدِّين بذلك السلطة المركزية التي بقيت عاجزة عن اتخاذ
أي موقف صارم تجاه ثوار الزنتان بل سعت لاحتوائهم. ومن مظاهر تغوّل القبيلة في ليبيا على الدولة، منع ثوار طرابلس طائرة تونسية من الإقلاع من المطار الدولي وتوقيف ثوار الزنتان لرئيس المجلس العسكري لطرابلس عبدالحكيم بلحاج.
قبيلة القذاذفة: ينتمي إليها القذافي وخصّها بالمال والنفوذ والسلاح رغم أن أعدادها محدودة ولا تتجاوز 200 ألف نسمة على أكثر تقدير ومتمركزة بشكل أساسي في مدينتين وسط ليبيا (سرت على الساحل وسبها وسط الصحراء)، وكان دفاع القذاذفة عن العقيد معمر وأبنائه مستميتا في سرت التي كانت آخر معقل القذافي سقط في يد الثوار، ومع ذلك هناك من القذاذفة من دعموا الثورة من بينهم آمر الكتيبة المكلفة بحماية القذافي نفسه والذي أعطى أوامره لجنوده برمي السلاح عند دخول الثوار إلى طرابلس انتقاما لقتل القذافي لشقيقه.
قبيلة الورفلة: أكبر قبيلة ليبية وتضم 52 فرعا ويتجاوز عدد أفرادها مليون نسمة، ومركزها في بني وليد بالقرب من العاصمة طرابلس ولكنها تمتد من بني وليد غربا إلى غاية بنغازي شرقا، وكانت من أكثر القبائل انخراطا في الجيش الليبي. لكن بسبب قيام ضباط من الورفلة بعدة محاولات انقلابية فاشلة ضد العقيد القذافي خاصة في ,1993 حصل فتور بين الطرفين خاصة بعد إعدام القذافي للعديد من الضباط الورفليين. وخلال الثورة انقسمت قبيلة الورفلة على نفسها، فهناك من ساند الثوار ولكن مشايخ القبيلة وخاصة في بني وليد (غرب ليبيا) وقفوا بشدة ووفاء لصالح القذافي، والغريب أن بني وليد كانت آخر مدينة سقطت قبل سرت، رغم أن ثوار الورفلة هم من دخلوها.
قبيلة المقارحة: من أكثر القبائل الليبية تسليحا ونفوذا في عهد القذافي وإن كانت قليلة العدد، فكانت من أكثر القبائل موالاة للعقيد القذافي. إلا أن الرجل الثاني في النظام الليبي سابقا عبدالباسط المقرحي، أعلن ولاءه للثوار الذين حرروه من ما يشبه إقامة جبرية قبيل سقوط العاصمة طرابلس ودعا أبناء قبيلته إلى التخلي عن القذافي ومساندة الثوار.
ترهونة: بعض التقديرات تتحدث عن أن قرابة ثلثي سكان طرابلس (7,1 مليون نسمة)، ينحدرون من قبيلة ترهونة التي تضم عددا كبيرا من القبائل الفرعية يقدرها البعض بنحو60 قبيلة، وتتمركز في منطقة ترهونة في الجنوب الغربي لطرابلس، وينتمي إلى هذه القبيلة قطاع واسع من القوات المسلحة الليبية التي كانت موالية للعقيد القذافي.
قبيلة مصراتة: من أكبر القبائل الليبية مشاركة في الثورة وتتمركز في مدينة مصراتة في غرب ليبيا (190 كلم شرق طرابلس على الساحل)، عرفت بصمودها أمام قوات القذافي، ورغم الحصار والقصف الصاروخي وقذائف الدبابات الذي دام أشهرا، إلا أنها تكاد تكون المدينة الوحيدة في غرب ليبيا التي لم تسقط في يد كتائب القذافي في الأشهر الأولى للثورة. غير أن قبيلة مصراتة لم تعترف بالمجلس الوطني الانتقالي إلا بضغوط من الناتو، وصلت إلى تهديدها بعدم إيصال المؤن إليها بحرا عندما كانت محاصرة من ثلاث جهات. وشارك ثوار مصراتة في معركة طرابلس كما اقتحموا سرت وألقوا القبض على العقيد القذافي حيا قبل أن يقتلوه. وعارض ثوار مصراتة المجلس التنفيذي (بمثابة حكومة مؤقتة) وضغطوا بقوة من أجل تعيين أسماء منهم لتولي حقائب وزارية في الحكومة المؤقتة، كما ترأسوا هيئة الأركان للمجالس العسكرية في شرق ليبيا التي لم يشارك فيها الكثير من المجالس العسكرية في غرب ليبيا، ما يعكس حجم الانقسام بين المجالس العسكرية في الشرق وفي الغرب، وأطلقت هذه القبيلة فضائيتين، على الأقل، تحمل اسمها، وتعرف هذه القبيلة بقوة ترابط أهلها.
البربر: ويمثلون 3 بالمئة من سكان ليبيا، ويتمركزون في الجبل الغربي أو جبل نفوسة (جنوب طرابلس) ولذلك يلقبون بالجبليين، وكان لصمودهم وهزيمتهم لكتائب القذافي في قرى ومدن جبل نفوسة دور مهم في سقوط العاصمة طرابلس، حيث شاركوا في اقتحام العاصمة من الجنوب رفقة العديد من كتائب الثوار مثل الزاوية ومصراتة وصرمان وصبراته، لديهم مطالب لغوية واحتجوا ولكن بالمئات فقط لعدم تضمن الحكومة الجديدة لوزير واحد منهم فقط.
الطوارق قبائل التبو: يتركزون في الجنوب وأعدادهم قليلة جدا ويقدرون بالآلاف، وأهم المدن التي يقطنون بها أوباري وغات، غير بعيد عن الحدود الجزائرية، واللتين كان القذافي يخطب فيهما على طوارق النيجر ومالي ويمنيهم بدولة للطوارق، والكثير منهم وقفوا إلى جانب القذافي، أما قبائل التبو فأعلنت مجموعات كثيرة منهم دعمها للثورة منذ الأشهر الأولى لاندلاعها.
الزنتان: من القبائل التي انخرط شبابها منذ البداية في الثورة الليبية في الجهة الغربية وبالضبط في الجبل الغربي، وهي إحدى فروع قبيلة مغاربية كبرى تسمى ''زناتة'' الممتدة حتى إلى الجزائر، ورغم أنها ليست قبيلة كبيرة العدد إلا أن دورها خلال الثورة كان مؤثرا خاصة بعد اعتقال رجالها لسيف الإسلام القذافي وأربعة من مرافقيه، غير بعيد عن الحدود الليبية مع النيجر. وازداد نفوذها بعد أن تمكنت من الحصول على منصب وزير الدفاع، قيل إن ذلك لم يتم إلا بعد مساومات مع المجلس الانتقالي بشأن تسليم سيف الإسلام.
قبيلة العبيدات: هي قبيلة في شرق ليبيا التي ينتمي إليها عبد الفتاح يونس، قائد المجلس العسكري للثوار ووزير الداخلية السابق والذي تمت تصفيته داخليا، وطالبت حينها قبيلة العبيدات بالثأر لدمه ولكن المجلس الوطني الانتقالي شكّل لجنة تحقيق ووجه تهما لمسؤولين وثوار بالتورط في عملية اغتياله. وتضم قبيلة العبيدات أيضا آخر وزير للخارجية في عهد القذافي عبدالعاطي العبيدي.
قبائل الشرق: مثل البراعصة والمسامير والعواقير والتي تتمركز في شرق ليبيا، خاصة في مناطق بنغازي والجبل الأخضر ومنها انطلقت الثورة الليبية وبها كان مركز المجلس الوطني الانتقالي (بنغازي والبيضاء)، ورغم دورها المركزي في الثورة إلا أنها لم تحصل سوى على 7 وزارات في حكومة الكيب.
الأكاديمي والناشط السياسي الليبي محمد الغوج ل''الخبر''
''ليبيا تعيش حالة من الأمية السياسية والمخاض العسير''
أكد الناشط السياسي الليبي، محمد الغوج، في حوار مع ''الخبر''، أن ليبيا تعيش حالة من المخاض السياسي العسير، بالنظر للأوضاع التي عرفتها طيلة العقود الماضية، مشيرا إلى أن هناك حركية وإن بدت بطيئة إلا أنها محددة للمستقبل السياسي في ليبيا.
بخلاف الدول التي أسقطت أنظمتها، لم تعرف ليبيا نفس مسار تونس ومصر، من خلال صياغة الدستور والتحضير للانتخابات، لماذا؟
في الواقع لا يمكن بأي حال من الأحوال مقارنة الوضع في ليبيا بتونس أو مصر، فهذه الدول تعرف معنى الممارسة السياسية، وما حدث في ليبيا أن الثورة أبعدت كل من كانت له صلة مع نظام القذافي. نحن أمام فراغ سياسي رهيب، إذ لا يمكن أن ننسى غياب المؤسسات والحياة السياسية التي أوجدها النظام السابق. بعبارة أخرى نحن مضطرون لإعادة تهيئة أجواء الحياة السياسية في أدق تفاصيلها. ليبيا اليوم محكومة بحكم العشائر والقبائل. للأسف فالجيل الجديد لا يعرف معنى العمل المدني ولا السياسي، وعليه فالمهمة تبدو صعبة لكن هناك من الإرادات التي تسعى لتكريس أعراف سياسية جديدة، منذ أيام عقد مجلس العقلاء والحكماء في مدينة الزاوية مؤتمرا من أجل التشاور حول مستقبل البلاد، ما يعني أن هناك وعيا بأنه لا بد من التعامل مع هذا الفراغ وإيجاد بدائل للتأسيس لحياة سياسية واضحة المعالم.
لكن هناك التيار الإخواني الذي أعلن تأسيس حزب، يعني الأمر ليس بهذا الفراغ الذي تصفونه؟
أولا، الحزب لم يتأسس بعد، في انتظار قانون تشكيل الأحزاب. ثانيا صحيح أن التيار الإسلامي في ليبيا الأكثر تنظيما وهناك حديث عن تشكيل ائتلاف للتيارات الإسلامية، الصوفية، السلفية والإخوان، لكن هذا لا يكفي نحن في حاجة إلى تيارات مختلفة وإلى مشاركة الشباب الفعلية.
تحدثتم عن دور القبائل والعشائر، هناك مخاوف من احتدام الخلافات بين المناطق وبالتالي إمكانية المطالبة بفيدراليات لكل منطقة وكل قبيلة؟
هذا الطرح غير وارد على الأقل في الوقت الحالي، صحيح أن كل منطقة قامت بحماية نفسها وذويها، إلا أن هناك إجماعا ليبيا على إبقاء الوحدة الترابية، فلن تجدوا في ليبيا اليوم من ينادي بالتقسيم.
قلتم إن كل قبيلة قامت بحماية نفسها، ألا يشكل هذا الأمر خطرا؟
مرة أخرى، الخوف ليس من هذه التفاصيل، حين أتحدث عن الفراغ المؤسساتي هذا لا يعني أن ليبيا ساكنة دون حراك، فعلى العكس وبعد تشكيل الحكومة تم الإعلان عن تشكيل لجنة لصياغة الدستور الجديد، تماما كما شرع في تشكيل الأمن القومي، وبالفعل انطلقت منذ أسبوعين عملية تجميع السلاح من الشباب غير المنتمي لكتائب الثوار، على اعتبار أن العملية تستثني الثوار الذين ينتظر إدماجهم في الأمن القومي. وهناك نقاشات اليوم في ليبيا حول المستقبل وإن لم تكن ظاهرة للعيان بسبب الأمية السياسية التي نعرفها، إلا أن هناك حراكا طبيعته بطيئة من طبيعة البلاد التي ظلت طيلة أربعة عقود متوقفة.
الجزائر: حاورته سامية بلقاضي
القائد العسكري عبد الله ناكر يكشف
سيف الإسلام تعرّض لمحاولات قتل من طرف الثوار
كشف القائد العسكري ''مجلس ثوار'' مدينة طرابلس، عبد الله ناكر، أمس، أن ''سيف الإسلام القذافي قد تعرض لمحاولات عديدة للقتل من قبل الثوار الغاضبين من جهة، ومن جهة أخرى تم الكشف عن محاولات لتهريبه من قبل بعض العملاء المندسين في ليبيا''، مؤكدا أن سيف الإسلام ''يعامل معاملة حسنة''. كما كشف ناكر أن تحقيقات تجري حاليا مع رئيس المخابرات الليبى في النظام السابق عبد الله السنوسي، مبديا من جهة أخرى مخاوف من ''تسليم الأسلحة للحكومة''.
وقال ناكر إن السنوسي قد أفصح عن ''وجود مفاعل نووي فى جنوب ليبيا وسيتم الكشف عن المعلومات التى يعترف بها السنوسي، لأن الشخص المسؤول عن المفاعل قد هرب'' من البلاد.
من جهة أخرى، وردت أنباء عن استدعاء المجلس الانتقالي الليبي عبد الرحمن شلقم، وزير خارجية القذافي سابقا، للتحقيق معه في اتهامات وجهها قبل مدة لدولة قطر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.