''لن أنسى عبارة بومدين أمام إطارات الدولة في نادي الصنوبر، سنة 1977 إن لم تخني الذاكرة: لن يحدث شيء من داكار إلى القاهرة، لم تقرره الجزائر''، وفي نفس الخطاب قال: نعلم أن رسالة خرجت من مقر الرئاسة بنواكشوط موجهة إلى سيدهم جيسكار ديستان''. كانت هذه أولى العبارات رد بها دبلوماسي سابق على سؤال ''الخبر'' حول تداعيات أزمة مالي على الجزائر، خاصة في الجنوب. ويعتبر هذا الدبلوماسي، الذي شغل منصب سفير في عدة عواصم إفريقية وتولى مسؤوليات عديدة في وزارة الخارجية، أن ''عبارات بومدين دليل على أن الجزائر كانت على إطلاع بأدق التفاصيل بما كان يجري حولها''، ليتأسف بعدها الدبلوماسي لكوننا اليوم ''لا نستطيع الخروج من حدودنا''. المتحدث رفض الكشف عن هويته، لأن ''النقاش مغيّب في بلادنا ولم يعد يجد أي حديث عن مستقبل البلاد والقضايا الراهنة خارج إطار رئاسة الجمهورية والمؤسسة العسكرية''، على حد تعبيره، مع أن ''الجزائر تمر بمنعرج يمثل مسألة حياة أو موت''، بالنسبة لمحدثنا. ويتأسف دائما لكون بلادنا ''تواجه أصعب مرحلة في تاريخها في وقت تعيش فيه حالة شلل سياسي تام''. ويعود سفير الجزائر سابقا في منظمة الوحدة الإفريقية إلى الملف المالي ويقول: ''كنا مطلعين بالتفصيل على مشكل الأزواد ونحن دبلوماسيون صغار، إنه نزاع يعود تاريخه لما قبل تصفية الاستعمار''، ويستغرب ''حتى وقد بلغ المشكل قمة تعقيداته ما زالت سلطاتنا تتعامل مع الأزمة باستخفاف''، ومن مؤشرات هذا الاستخفاف، يتساءل الرجل ''كيف لألمانيا التي ليست فاعلا أساسيا في إفريقيا، أن ترسل وزير خارجيتها إلى المنطقة بينما لم نكلف أنفسنا عناء تعيين ممثل خاصا لرئيس الجمهورية يتولى المهمة، أو في حالة أخرى تتولى ذلك بعثة عالية المستوى ممثلة في الوزير الأول ووزير الخارجية والوزير المنتدب للشؤون الإفريقية وغيرهم من الشخصيات من الصف الأول في هرم السلطة عندنا''. وبالنسبة لهذا الدبلوماسي، مهما كانت كفاءة عبد القادر مساهل يبقى على المستوى الرسمي وزيرا منتدبا، وهذا ما يصفه ب''الاستخفاف'' بملف مصيري لمستقبل بلادنا، قائلا ''تمنيت مثلا لو كلف أويحيى كمبعوث شخصي للمنطقة إنه جد مطلع على الملف''، لكنه يعود للأسف ''الدبلوماسية الجزائرية دخلت مرحلة الاعتكاف منذ رحيل الرئيس بومدين''. وبخصوص الدور الذي سيلعبه الجيش الجزائري في شمال مالي، يقول المتحدث ''جيشنا لم يتكون على ثقافة التدخل، وأيا كان الدور الذي سيلعبه في هذه الأزمة سيخرج منها خاسرا على الأقل من الناحية المعنوية. فالمواطن الجزائري في كل الحالات سيتحمّل مسؤولية الوضع السائد في المنطقة وعند جيراننا بصفة عامة، لأن رؤوس الجماعات الإرهابية جزائريون إلى أن يجردوا من جنسيتهم الجزائرية''.