تبقى الجزائر خارج إطار مبادرة الشفافية للصناعات الاستخراجية التي تشمل المحروقات والمناجم، حيث امتنعت عن الانخراط في الآلية الدولية التي تشدّد على ضرورة الكشف عن كيفية تسييرالموارد المتأتية من قطاعات المحروقات والمناجم. تركز الهيئة التي انضمت إليها 32 دولة على اعتماد أنظمة محاسبة تتسم بالشفافية والوضوح لما تجنيه الدول ومن يستفيد منها، مشيرة إلى أن هناك دولا غنية بمواردها وشريحة كبيرة من شعوبها فقيرة ومهمّشة. المبادرة المعروفة اختصارا تحت تسمية ''ايتي''، تضم العديد من المجموعات والشركات المتخصصة في الصناعات الاستخراجية، والتي تعتمد قواعد شفافة وواضحة لعائداتها وإيراداتها وكيفية توجيهها، يترأسها حاليا بيتر ايجن ومقرها مدينة أوسلو النرويجية، ونالت دعما من بريطانيا. بدأت المبادرة كحملة من منظمات المجتمع المدني، تطالب الشركات بنشر مدفوعاتها إلى الحكومات، ودعمتها لندن عام .2002 وركزت الهيئة الدولية على المقاييس التي يتعيّن اتباعها، منها أن الاستخدام الرشيد لثروات الموارد الطبيعية ينبغي أن يكون محرّكا للنمو الاقتصادي المستدام الذي يساهم في تحقيق التنمية والحدّ من الفقر، في حين إذا لم تتم إدارتها على ما يُرام، فقد يكون لذلك آثاره السلبية، الاقتصادية والاجتماعية. ثم التأكيد على أن إدارة ثروات الموارد الطبيعية لصالح مواطني البلاد هو مجال عمل الحكومات ذات السيادة، والذي ينبغي أن تمارسه لصالح التنمية. في المقابل، فإن فهم الجمهور لإيرادات الحكومة ونفقاتها يمكن أن يساعد، مع مرور الوقت، على إثراء الحوار الوطني، والتوصّل إلى خيارات مناسبة وواقعية لتحقيق التنمية المستدامة. فضلا على التشديد على أهمية الشفافية من قِبَل الحكومات والشركات العاملة في الصناعات الاستخراجية، وعلى الحاجة إلى تعزيز إدارة المال العام والمساءلة. إضافة إلى أن تحقيق قدرٍ أكبر من الشفافية، يجب أن يتم في إطار احترام العقود والقوانين، وأن الشفافية المالية يمكن أن تسهم في خلق بيئة مواتية جاذبة للاستثمار المحلي والأجنبي المباشر، موازاة مع التأكيد على مبدأ المساءلة للحكومة، وممارسة ذلك المبدأ من قِبَل جميع المواطنين من أجل رعاية تدفقات الإيرادات والإنفاق العامة، وتشجيع مستويات عالية من الشفافية والمساءلة في الحياة العامة، والعمليات الحكومية، والأعمال التجارية، على أن يشمل الإفصاح عن المداخيل كل الشركات دون استثناء. وشدّدت الهيئة الدولية على نشر بيانات جميع مدفوعات النفط والغاز والتعدين التي تدفعها الشركات للحكومات، وجميع الإيرادات التي تتلقاها الحكومات من شركات النفط والغاز والتعدين بانتظام لجمهور واسع وبطريقة شاملة ومفهومة وفي متناول الناس. وفي حال عدم وجود تلك التدقيقات بالفعل، ينبغي مراجعة المدفوعات والإيرادات من قِبَل هيئة تدقيق حسابات مستقلة موثوق بها، مع تطبيق معايير التدقيق الدولية. وتبقى الجزائر خارج إطار هذه القواعد الدولية. فإلى جانب عدم انضمامها، فإن آليات تسيير الموارد، لاسيما من المحروقات، تبقى غير واضحة المعالم، إلى جانب كيفية توظيف الموارد المالية المتأتية منها، سواء تعلق الأمر بمداخيل وإيرادات سوناطراك، أو التوظيفات المالية على شكل احتياطي الصرف التي قاربت 220 مليار دولار بحساب الذهب، أو موارد صندوق ضبط الميزانية. وكشفت سلسلة الفضائح التي طالت قطاع المحروقات والبنى التحتية، إشكالية تسيير الموارد المالية لدولة ريعية بامتياز، والتي تعتمد أساسا على إيرادات المحروقات، دون أن تعتمد آليات تسيير للمحاسبة التحليلية، يكفل تدقيقا واضحا لكافة العمليات المتصلة بتسيير الموارد المالية ويترك بالتالي عدة ثغرات، تجلت في بروز عدّة فضائح، سواء من خلال عقود التراضي أو العمولات والرشاوى. وتؤكد تقارير الهيئة أن 5, 3 مليار شخص يعيش في دول غنية بالموارد الطبيعية، ولكن شريحة كبيرة منهم لا يتلمسون نتاج ما يتم استخراجه من ثروات في بلادهم، نتيجة ضعف التسيير وغياب الحكم الراشد، مؤكدا أن هذه الموارد، في الغالب، تتسبّب في مآسي مرتبطة بالفساد والرشوة.