الأستاذ والمحاضر بجامعة الجزائر عجة الجيلالي أثار نقل مؤسسة التلفزيون الجزائري لمقابلة الذهاب بين المنتخبين البوركينابي والجزائري، من العاصمة البوركينابية (واڤادوڤو)، جدلا بين المؤسسة الوطنية وقناة “الجزيرة الرياضية”، وبالمناسبة، قدّم الدكتور عجة الجيلالي، وهو أستاذ محاضر بكلية الحقوق بجامعة الجزائر، مساهمة حول المسألة تحت عنوان “بث المباريات الرياضية بين الحق في الإعلام وحقوق الملكية الفكرية”. يقتضي تحليل موقف المشرّع الوطني والقانون الدولي من عملية بث المباريات الرياضية مناقشته، من زاوية القانون الداخلي من جهة ومن زاوية القانون الدولي من جهة أخرى. 1)موقف القانون الجزائري من عملية البث التلفزيوني للمباريات الرياضية: إن القراءة القانونية لموقف المشرّع الجزائري من عملية البث التلفزيوني لمباريات كرة القدم تنبع أساسا من القانون الجزائري لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة الصادر في الجريدة الرسمية. وفي هذا الإطار، قام المشرّع الجزائري بتكييف حقوق البث التلفزيوني كحقوق مجاورة محمية بمواد قانونية. ومن هذه الناحية تجدر الإشارة إلى أنه أصبحت حماية البث التلفزيوني للمباريات الرياضية محل اهتمام متزايد، ما نجم عنه صدور تشريعات لحماية حقوق جميع الأطراف من خلال تطوير النظام القانوني لحقوق الملكية الفكرية. وتستمد الحماية القانونية لحقوق الملكية الفكرية، من العقود المبرمة، وتتميز بميزتين أساسيتين هما: 1)الطابع التجاري من جهة، والمتمثل في شراء حقوق البث من الجهة المالكة للبطولة. 2)الطابع الحصري من جهة أخرى، ويخضع هذا الجانب لقانون حقوق المؤلف والحقوق المجاورة، حيث يتمتع صاحب الحق بحماية قانونية تظهر في صورتين حماية داخلية وطنية. إن ما يسمى موقف القانون الدولي من عملية البث التلفزيوني للمباريات الرياضية، يعتمد موقف القانون الدولي من عملية البث التلفزيوني للمباريات الرياضية أساسا على اتفاقية روما التي منحت الحماية لهيئات البث الإذاعي والتلفزيوني، باعتبارها حقوق مجاورة تتمتع بالحماية المقررة لأصحاب حقوق المؤلف نفسها. إن القانون الدولي عالج مسألة التناقض الموجود بين حرية الوصول إلى المعلومات، أو الحق في الإعلام والمنع من الاستغلال، أو حق الاستئثار الذي هو جوهر حقوق الملكية الفكرية. ومما لاشك فيه أن أي حق حصري سيؤثر على الحق في الإعلام، بيد أن هذا التوازن بين الحقين ممكن إذا ما كانت الحقوق الحصرية تسعى إلى المزيد من الوصول إلى المعلومة وليس تقييدها، كما أن الحق في الإعلام لا يعني بالضرورة إمكانية الحصول على هذا الحق بصفة مجانية ودون تكلفة. وهكذا يتحقق التوازن، حسب المنظمة العالمية للملكية الفكرية، وهو موقف منظمة اليونسكو نفسه، وهو توازن بين مصالح المستهلك والمنتج أي بين مالكي حقوق البث التلفزيوني ومصالح المستهلكين. آلية الحقوق الحصرية وليس فقط آلية الحق بالتصريح أو المنع ومن هنا تشمل الحماية المجالات التالية: أ) حماية قبل البث أي حماية إشارات ما قبل البث والمستخدمة لنقل مادة البث أي المباراة، ويتم النقل هنا من الأستوديو إلى الناقل وهذا الحق محمي بمعاهدة البث الإذاعي والتلفزي. ب) حماية أثناء البث، ويتمتع مالك البث في هذه المرحلة بحق حصري يتيح له الحق في التوزيع والنقل بعد التثبيت وبشأن حقوق إعادة البث أي إعادة النقل فإنها تغطي فقط أعمال إعادة النقل المتزامن. وتمتد الحماية إلى البث الأرضي والنقل الفضائي اللاسلكي والبث بالكابل، وهذا يعني أنه لا فرق في الحماية بين البث بأي طريقة (بطريقة البث الأرضي أو البث الفضائي أو بالكابل). ويتمتع البث في هذه الحالة بالحماية الدولية، على أساس نص المادة 13 من اتفاقية روما، ومن هنا فما قامت به مؤسسة التلفزيون يعد خرقا لالتزامات الجزائر الدولية فيما يخص احترام أحكام معاهدة روما. ويكيف فعل القرصنة كاعتداء على الحقوق الحصرية لمالك الحق، والتي من آثارها فقدان الجمهور وخسارة مالية في العائدات ومخاطر حلول القرصان محل المالك القانوني للحقوق. ثانيا: الآثار القانونية المترتبة عن فعل قرصنة مباراة كرة القدم يترتب عن فعل القرصنة الذي قامت به المؤسسة الوطنية للتلفزيون الجزائري عدة آثار قانونية يمكن تحليلها في بندين: بند أول يتعرض لآثار القرصنة على ضوء القانون الجزائري، وبند ثاني ويتناول آثار القرصنة على ضوء القانون الدولي. 1) آثار القرصنة على ضوء القانون الجزائري: أجاز المشرّع الجزائري لضحية القرصنة اختيار أحد الطريقين لجبر الأضرار التي لحقت به، إما رفع دعوى مدنية وإما التأسيس كطرف مدني في دعوى جزائية. أ- من حيث الدعوى المدنية: فإنها مؤسسة على أحكام المادة 143 من الأمر رقم 03/05 المؤرخ في 19/07/2003، ومحل هذه الدعوى تعويض الضرر الناتج عن البث غير المرخص به لمباراة كرة القدم، والتي تعود حقوق بثها إلى مالك هذه الحقوق، وتخضع هذه الدعوى لأحكام قانون الإجراءات المدنية في المواد من 01 إلى 40 منه. ومن حيث الدعوى الجزائية: تجد أساسها القانوني في نص المادة 152 من قانون حقوق المؤلف، باعتبار الفعل محل المتابعة يشكل في نظر القانون الجزائري جنحة تقليد. ويعد مرتكبا لجنحة التقليد بمفهوم المشرّع الجزائري والقرصنة بمفهوم القانون المقارن كل انتهاك للحقوق المحمية بموجب قانون المؤلف والحقوق المجاورة، وذلك من خلال البث غير المرخص به. 2) آثار القرصنة على ضوء القانون الدولي يترتب عن فعل القرصنة عدة آثار قانونية على المستوى الدولي يمكن جردها كما يلي: - خرق الالتزامات الدولية للجزائر، حيث صادقت الجزائر على الاتفاقيات الدولية للملكية الفكرية وتلزمها هذه المصادقة بحماية حقوق الملكية الفكرية. - التأثير السلبي لفعل القرصنة على المفاوضات الجزائرية مع المنظمة العالمية للتجارة، حيث أصبح شرط حماية حقوق الملكية الفكرية شرطا مسبقا للحصول على العضوية. - الإضرار بالسمعة الدولية للدولة الجزائرية، وفي هذا الإطار أضحت حماية حقوق الملكية الفكرية المعيار الذي على أساسه يتم تقدير هذه السمعة. - بث الخوف والحذر لدى المستثمرين الأجانب فيما يخص إدارة السلطات الجزائرية في حماية حقوق الملكية الفكرية. وبشأن حق الجمهور في متابعة المباريات المصيرية لمنتخباتهم، فقد شهد القضاء الدولي ممثلا في محكمة العدل الأوروبية نزاعا بين دول الاتحاد الأوروبي وبعض القنوات الفضائية المالكة لحق حصري لبث المباريات بعد شرائها من المالك لها المتمثل في الفدرالية الدولية لكرة القدم (FIFA)، وانتهى النزاع إلى صدور القرار المؤرخ في 18/08/2013 والذي قضى بمنع بث كأس العالم وكأس أوربا لكرة القدم على قنوات مشفرة، وطالبت الاتحادين الدولي والأوربي للعبة ببثهما عبر قنوات مجانية. وقد استندت المحكمة في قرارها إلى “أن المباراة هي حدث رياضي له أهمية كبرى بالنسبة إلى مجتمعات هذه الدول، ويجب أن تتاح مشاهدتها مجانا”، “وأن الدول المعنية وحدها هي من تحدد الأحداث المهمة لعرضها للجماهير”. وتضيف المحكمة أن جميع المباريات في المراحل النهائية من كأس العالم وكأس الأمم الأوروبية اجتذبت بالفعل اهتماما كافيا للجمهور، وتحظى بشعبية كبيرة بين عامة الناس. لكن هل يمكن تطبيق هذا الاجتهاد القضائي على الحالة الجزائرية؟ في الواقع وما يمكن ملاحظته أن الواقعتين مختلفتين. فمن حيث الإجراءات: فالملاحظ أن بعض الدول الأوروبية عمدت إلى إصدار تشريعات تتضمن حقها في البث المجاني للمباريات الهامة، الأمر الغائب في الحالة الجزائرية، حيث عمدت المؤسسة الوطنية للتلفزيون إلى البث المباشر دون الاستناد إلى تشريع محلي يخوّل لها الحق في ذلك، ومن ذلك أن بريطانيا وبلجيكا وإيرلندا الشمالية أسست تصرفها على التوجيه الأوربي رقم 89/552 في المادة 3 مكرر منه المتعلقة بالإجراءات الخاصة بالتظاهرات ذات الأهمية القصوى للمجتمع. وفي هذا الصدد بادرت الفدرالية الدولية لكرة القدم (FIFA) والاتحاد الأوروبي لكرة القدم إلى رفع دعوى أمام محكمة العدل الأوروبية من أجل إلغاء القرار رقم 07/730 المؤرخ في 16/10/2007 الصادر عن مجلس الإتحاد الأوروبي المتضمن انسجام التدابير المتخذة من قِبل المملكة المتحدة (UK) مع نص المادة 3 مكرر للتوجيه الأوروبي رقم 89/552 الصادر بتاريخ 03/10/1989 عن المجلس الأوروبي.