قرأت الكتاب الأسود الذي أصدره الرئيس التونسي المؤقت منصف المرزوڤي بخصوص فضائح الصحافة التونسية والصحفيين الأجانب المتعاملين مع نظام بن علي. الكتاب خطوة مهمة على طريق الشفافية، ولست مع الذين يقولون: إن الرئيس المرزوڤي كان عليه أن يحوّل تلك الأمور الخطيرة في الصحافة التونسية إلى القضاء باعتباره جهة تنفيذية عاينت الجريمة، والمفروض أن تحولها إلى القضاء، ولا تقوم فقط بالتبليغ عنها.. ! لكن مع ذلك، فإن ما فعله المرزوڤي جيد من وجهة نظر كشف المستور بخصوص مهنة كان المفروض فيها أن تكون ضمير الأمة بها حساسية عالية بالفساد! ولا تكون هي نفسها جزءا من الفساد. أولا: ما يلاحظ على الكتاب أن الفساد الإعلامي في تونس أصبحت له شعبية كبيرة ويكاد يكون عاما في صفوف رجال الإعلام. ثانيا: أن الكتاب رصد أيضا حكاية استعمال المال العام التونسي من طرف السلطة لشراء الدمم الصحفية في الخارج لتبييض صورة النظام، وأن تجار الصحافة في العالم العربي والعالم الغربي المعروفين هم عينهم زبائن تونس بن علي في حكاية الفساد الإعلامي، ولا أخفيكم أنني فتشت بلهفة خاصة عبر سطور وصفحات كتاب المرزوڤي بحثا عن عملاء بن علي في الجزائر فلم أجد إلا اسم أحد الزملاء العاملين في إحدى الجرائد العمومية، وبقدر ما تأسفت لوجود اسم جزائري في هذه الفضيحة، بقدر ما تألمت أن تكون هذه الجريدة بالذات هي المعنية بهذه الفضيحة، وهي سليلة الصحافة المجاهدة. ! وتألمت أكثر كون بن علي راهن على هذه الصحيفة في خدمته إعلاميا في الجزائر وقد أصبحت هذه الجريدة لا تقرأ حتى من طرف محرريها وعائدات سحبها لا تغطي حتى أجر سكرتيرة المدير العام. ثالثا: أبرز الكتاب الذي أصدره المرزوڤي أن تجار الرداءة الإعلامية الذين خدموا بن علي من باريس هم عينهم تجار الرداءة الإعلامية الذين يخدمون السلطة في الجزائر الآن انطلاقا من باريس. ! فليس من الصدفة أن نرى اسم ماجد نعمة وبن محمد البشير وحميدة نعنع وغيرهم هم من ينسق مع اليتيمة في الجزائر و”لاناب” بإعلام تتراقص فيه اليوروات والدولارات أكثر مما تتراقص فيه الكلمات. ! رابعا: تمنيت لو أن جهة جزائرية تتفضل علينا وتفعل ما فعل المرزوڤي وتنشر لنا ما صرفته مؤسسة “لاناب” ومؤسسة بن عكنون على الإعلام المأجور الوطني والدولي. ! لأن ما صرفته الجزائر عبر “لاناب” وحدها وعبر أنشطة إعلامية وطنية ودولية مشبوهة لا يمكن مقارنته بما صرفته تونس بن علي.. فالجزائر تصرف ما يعادل 12 مليار سنتيم في اليوم الواحد وهو رقم يعدّ ما صرفته تونس بن علي مجرد قطرة في بحر. ! لهذا نقول إن أكبر خطر يهدد الإعلام الجزائري هو الفساد المرتبط بالسلطة بالقطاع الخاص الأجنبي، وأن مصادرة الحريات بالشرطة والقانون أهون من مصادرتها بالفساد وشراء الذمم.. هذا هو الخطر الحقيقي. !