تضاعفت نشاطات المنظمات والجمعيات المسلمة بفرنسا خلال الآونة الأخيرة، خاصة بعد الهجمات المسلحة التي استهدفت باريس بتاريخ السابع من الشهر الجاري على مدار ثلاثة أيام دامية. دعت هذه الأخيرة منتصف نهار أمس إلى تجمع كل أعضاء الجالية المسلمة بمنطقة “سفرون” بمقاطعة “سان سانت دوني” من أجل تحسين صورة الإسلام والتنديد بالإرهاب، مع عدم الخلط بين مسلمي فرنسا الذين يحترمون قوانين ومبادئ الدولة، وهؤلاء الهمجيين البربريين الذين لطخوا سمعة الديانة السمحاء وساهموا في إخلال توازن الجالية المسلمة داخل المجتمع الفرنسي وزعزعة استقرارها، بتوجيه أصابع الاتهام إليها من قبل المتطرفين ومحاولة البعض منهم القيام بعدة اعتداءات تلخصت في أفعال الإسلاموفوبيا التي استهدفت المساجد ومطاعم حلال، واضعين بذلك جميع أعضاء الجالية المسلمة في قلق وتخوف من عواقب الأيام القادمة. فيما طالبت هذه الهيئات المنظمة من الحاضرين الذين فاق عددهم 200 متجمع، تجاهل العدد الجديد ل«شارلي إيبدو” والرد على الريشة باستعمال الريشة، وهو الأمر ذاته الذي أكد عليه عمدة البلدية ستيفان غاتينيون أمام نخبة من الأئمة وأبناء الجيلين الثاني والثالث، موضحا بأن مقاطعته تضم ما يزيد عن 74 جنسية بمختلف الأصول والديانات يتعايشون كلهم تحت راية المبادئ الفرنسية دون أي تمييز. وفي السياق ذاته، فقد كشفت بعض الاستطلاعات للرأي أن نسبة الفرنسيين الرافضين لنشر “شارلي إيبدو” من جديد الرسومات الكاريكاتورية المسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، فاقت 40 في المائة، واصفين الوضع بالمؤجج للكراهية ويزيد من إشعال الفتنة، في ظل التوتر الذي يشهده العالم الإسلامي جراء هذه الرسومات، وبالأخص ما حدث في النيجر خلال 48 ساعة الأخيرة أين تم استهداف كل ما يرمز إلى فرنسا والاعتداء عليها، الأمر الذي زاد من تخوف بعض المحللين الفرنسيين المختصين في الشؤون الإفريقية من العواقب الوخيمة الاقتصادية التي قد تتكبدها فرنسا عقب ذلك، محذرين من الوقوع في الشباك باجتناب سكب الزيت على النار. ومن جهتها، وسائل الإعلام الفرنسية الصادرة، صبيحة أمس، فقد وجهت انتقادات لاذعة لبعض القادة الذين حضروا إلى باريس مؤخرا ورسموا صورة تضامنية مع فرنسا بمشاركتهم في مسيرة الحادي عشر من يناير التاريخية، تحت أنظار كل بلدان العالم ومباشرة بعد رجوعهم إلى بلدانهم أصدروا أوامر تمنع دخول مجلة “شارلي إيبدو” أراضيهم، وشملت الانتقادات كلا من السنغالوتركيا وتونس وروسيا. وبدورها، الشرطة القضائية أفرجت عن ثلاثة من بين الموقوفين 12 الذين تم اعتقالهم ليلة الخميس إلى الجمعة الماضية على مستوى العديد من الأحياء الباريسية من محيط أميدي كوليبالي، وتم فتح في حقهم تحقيق قضائي من أجل تقديم الدعم اللوجيستيكي المتعلق بالسيارات والشقق والأسلحة والدراجة النارية لهذا الأخير، الذي تورط في اعتداء مونت روج وعملية حجز الرهائن داخل المتجر اليهودي، فيما مددت المصالح ذاتها فترة الحبس تحت النظر للمعتقلين التسعة الآخرين بينهم امرأة لمدة 48 ساعة، في حين تمكنت التحريات من الكشف عن هوية الأخوين بلحوسين مهدي ومحمد اللذان ثبت تورطهما في قضية مساعدة زوجة كوليبالي حياة بومدين لعبور تركيا وهما متواجدان بسوريا. وعلى صعيد آخر، فقد استأنفت النزاعات الاجتماعية والاقتصادية المتعلقة بشن الإضرابات، ليلة أمس، حركتها بدخول سائقي الشاحنات ذات نصف مقطورة في إضراب والتهديد بغلق العديد من مواقع المخازن البترولية، مع شل حركة مداخل الطرق السريعة والمناطق الصناعية، منددين برفع رواتبهم الشهرية بنسبة خمسة5 بالمائة، أي ما يعادل زيادة بمائة 100 أورو شهريا مقابل 200 ساعة من العمل يتقاضون عليها حاليا 1600 أورو. وبالرغم من هذه الاحتجاجات، إلا أنه تمت رؤيتها في عيون المختصين مؤشرا جيدا لاستئناف الحركة العادية للفرنسيين تدريجيا والخروج من حالة الرعب والقلق التي خيمت على فرنسا، طيلة الأسبوعين الماضيين، دفعت بالعديد إن لم نقل كل العائلات إلى إلغاء العطل الشتوية لأطفالهم المبرمجة منذ شهر سبتمبر من السنة الفارطة خوفا عليهم من التنقل على متن الحافلات عقب الهجمات المسلحة التي طالت باريس مؤخرا.