الجزائريون الأسوياء يؤيدون عدم استخدام الجيش الجزائري خارج حدودنا! ولكن هؤلاء أيضا يؤيدون الدفاع عن مصالح الجزائر بكل الوسائل خارج حدودنا! الجزائر عندما كانت مشروع دولة في الستينات والسبعينات كانت تتصرف كدولة ذات سيادة في الدفاع عن مصالحها ومصالح شعبها خارج الحدود، وخاصة بالعمليات الأمنية في أوروبا وفي الشرق الأوسط، فكانت اليد الجزائرية تطال كل من يعلق الجزائر خارج الوطن، سواء كان من العملاء أو من الأجانب الذين يحاولون المساس بمصالح البلاد العليا، مثل هؤلاء الذين يمطرون البلاد بأطنان المخدرات! ولعل هذه الخاصية ورثتها الجزائر عن حالة الثورة، حيث نقلت الثورة الحرب مع فرنسا من الجزائر إلى فرنسا نفسها. بومدين كان يقول سيادة الجزائر لا حدود لها، وكل من يمس بسيادتنا يمس بحدودنا وينبغي الرد عليه بما يناسب! وفي هذا السياق كنا نلعب دور الوسيط بين الدول التي تواجه صعوبات في حماية مواطنيها.. مثل فرنسا في لبنان، حيث ساهمت الجزائر في إطلاق سراح مختطفين فرنسيين بناء على مجهودات أمنية جزائرية خالصة. وقامت الجزائر أيضا بإطلاق سراح رهائن أمريكا في إيران بمجهودات دبلوماسية جزائرية خالصة. ووصل بنا الحال حتى أصبحت الجزائر يُختطف رعاياها الدبلوماسيون في العراق ويُعدمون، ويُختطفون حتى في مالي ويُقتلون، والجزائر لا تدري ماذا تفعل؟! كيف وصلنا إلى هذا الحال؟! ربما لأننا أصبحنا نعتمد في نشاطنا الأمني، المتعلق بصيانة أمن البلاد الخارجي، على مكافحة المخدرات والتهريب بمهمات غير بوليسية، في حين أن هذه الأمور من اختصاص البوليس وليس من اختصاص الجيش والمخابرات؟! وفي الدبلوماسية أصبحت البلاد تواجه صعوبات جدية.. وعندما نرى شخصية مثل حداد يحل محل الحكومة في تمثيل البلاد في الدبلوماسية الاقتصادية من خلال زياراته باسم الجزائر إلى شرم الشيخ وإلى الإمارات، ثم إلى تركياوفرنسا! عندما نرى ذلك فإننا نفهم لماذا تتراجع الجزائر دبلوماسيا وأمنيا في إشعاعها الذي كان؟! وتنمو مكان ذلك دبلوماسية الزيارات ذات طابع “عيادة المريض”! وذات طابع دبلوماسية رسائل التهنئة والتعزية! الأمن الوطني للبلاد لا يصان فقط بإقرار عدم التدخل عسكريا خارج حدودنا.. بل يصان أيضا بإخضاع الأنشطة المتعلقة بالأمن الخارجي إلى الرقابة الفعالة بمؤسسات دستورية غاية في السيادة والتنظيم.. ولا تخضع لأهواء الأشخاص والجماعات.. نعم، نريد دولة لا تتدخل في شؤون غيرها، لكن لا نريد سلطة تسكت عن تدخل الغير في شؤون البلد. [email protected]