تصر الحكومة من خلال المواصلة في سياسة الإنفاق العمومي على صرف المدخرات الوطنية من المداخيل التي تشكّل الصادرات من المحروقات ما يفوق 97 منها، من خلال تقرير ميزانية تصل إلى 21 ألف مليار دينار، أي ما يعادل 262.5 مليار دولار للمخطط الخماسي المقبل 2015/2019، بينما تبقى حوالي 40 في المائة من برنامج المخطط السابق غير منجزة. وحذّر الخبير في الشؤون الاقتصادية عبد الرحمان مبتول، أمس، من المواصلة في سياسة الإنفاق العمومي، على خلفية الوقوع في عجز كبير في إعداد الميزانيات السنوية للقطاعات وقوانين المالية للسنوات المقبلة. متوقعا أن تواجه الجزائر أزمة مالية على المدى المتوسط في حالة الاستمرار في الإنفاق العمومي بهذه الطريقة. مشيرا إلى احتمال أن تفقد الجزائر كل احتياطها للصرف الخارجي في آفاق سنة 2020. وأكد المتحدث ل”الخبر”، أن المصاريف العمومية خلال السنوات ال15 سنة الماضية، لم تنجح في تحقيق الأهداف المتعلقة برفع نسبة النمو التي استقرت حسب التقرير الأخير للبنك العالمي في حدود 3.5 في المائة، مع توقعات ألاّ تتجاوز بعد سنتين 3.6 في المائة، على الرغم من أن الحكومة تسعى على حد تصريح الوزير الأول عبد المالك سلال لأن تبلغ نسبة النمو 7 في المائة في السنوات القليلة المقبلة، الأمر الذي استبعده مبتول بناء على معطيات ترتبط بعدم استعمال الوفرة المالية لبناء الاقتصاد المنتج ضمن المخططات الخماسية المقررة منذ سنة 2000، كون حوالي 70 في المائة من الإنفاق العمومي يصرف على تغطية التحويلات الاجتماعية. وتساءل المتحدث إن كانت الميزانية المقررة للسنوات الخمس المقبلة ستخصص لإنجاز برامج جديدة، في ظل تواصل التأخر في آجال تسليم المشاريع السابقة. وأشار إلى أن المخطط الخماسي 2009/2014 الذي استفاد من ميزانية قدرها 286 مليار دولار أجبر الحكومة على تنفيذ البرامج المتأخرة عن المخطط السابق، من منطلق أن ما يفوق 40 في المائة من المشاريع أجلت، بينما ارتفعت تكاليف إنجازها إلى ما بين 25 إلى 30 في المائة عن التكلفة الأصلية. وعلى هذا الأساس، فإن الميزانية الضخمة المقررة من قبل الحكومة للخماسي المقبل، ستخصص جزءا منها لاستدراك التأخر في البرامج الماضية. وأرجع ذلك إلى غياب استراتيجية اقتصادية على المدى البعيد تحدد في إطار نقاش وطني شامل وتنفذ ضمنها قوانين المالية والقوانين المنظمة للاستثمار. ومن جهته، قال الخبير الاقتصادي فارس مسدور، إن الوضعية الحالية للاقتصاد الوطني تجعل من ارتفاع الميزانية الخماسية إلى ما يزيد عن 262 مليار دولار فرصة حقيقية لإنقاذ المؤسسة الأوروبية والفرنسية بدرجة الأولى “الآيلة” للإفلاس، واستدل في ذلك بالزيارة الأخيرة للرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إلى الجزائر للتوقيع على صفقات اقتصادية بلغت 40 مليار دولار، فضلا عن تواتر الوفود الاقتصادية ورجال الأعمال الأوروبيين والأجانب إلى الجزائر للحصول على صفقات الشراكة والاستثمار. وأوضح المتحدث أن عدم تحكم السلطات العمومية في ترشيد الإنفاق العمومي في البرامج المستقبلية سيؤدي إلى نفس النتائج التي سجلت خلال ال15 سنة الماضة، إذ لم ينعكس ارتفاع الإنفاق العمومي على واقع الاقتصاد الجزائري، غير القادر على الخروج من التبعية إلى الاستيراد لتأمين أبسط احتياجات السوق المحلية، بحكم أن المشاريع الصغيرة التي استفادت من جزء من الميزانية في إطار سياسة آليات دعم الشباب، ظلت خارج نطاق منافسة المنتوج الأجنبي بسبب ضعف مرافقتها وتأطيرها. وأشار مسدور إلى أن الجزائر تواجه في المرحلة الراهنة تحديا لم يكن مطروحا في السنوات السابقة، لارتباطها برزنامة للاتفاقيات الدولية في آفاق 2020 ستؤثر على المنظومة الاقتصادية، على غرار برنامج الشراكة مع الاتحاد الأوروبي الذي كان من المقرر أن يمدد إلى التفكيك الجمركي الكامل في 2017 واستطاعت الحكومة تأجيله إلى 2020 على أساس استعداد وبناء مؤسسات قادرة على المنافسة، بالموازاة مع المساعي المرتبطة بالانضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة التي تحاول فرض شروط إضافية.