وزارة التربية تتصدّى لظاهرة تمزيق الكراريس    من أجل جزائر رقمية 2030    إدراج نشاط جمع البلاستيك ضمن جهاز المقاول الذاتي    تجربة الجزائر في معالجة التطرف أكسبتها رصيداً كبيراً    زكري.. على خطى الإنتر    سوناطراك تجدّد اتفاقية رعاية الفاف    بللو يؤكّد ضرورة استشراف سبل استغلال الذكاء الاصطناعي    افتتاح مهرجان الخط العربي    بلمهدي يبرز ضرورة مساهمة الجامعة أكثر    كل الظروف مهيأة لاستقبال الحجاج بالبقاع المقدسة    جيدو /ذوو الهمم/ بطولة العالم-2025 ( اليوم الاول): الجزائري عبد القادر بوعامر يحرز الميدالية الفضية    رياح قوية على عدة ولايات من جنوب البلاد إبتداء من يوم غد الاربعاء (نشرية خاصة)    رئيس الجمهورية يشرف مع الوزير الأول السلوفيني على التوقيع على إعلان مشترك بين البلدين وعدة اتفاقيات تعاون    وهران: مغادرة أول فوج من الحجاج إلى البقاع المقدسة    نداء دولي من مؤتمر بجاية للاعتراف بجرائم الاستعمار الفرنسي في إفريقيا    مجلس الأمة: تنصيب الأعضاء الجدد بعنوان التجديد النصفي لسنة 2025 الاثنين المقبل    رئيس الجمهورية يشرف رفقة الوزير الأول السلوفيني على التوقيع على عدة اتفاقيات ومذكرات تفاهم    جاكرتا: الجزائر تبرز جهودها في حماية المرأة خلال مؤتمر البرلمانيات المسلمات    دوافع الطلب على النفط وسط الحروب التجارية    حوادث الطرقات: وفاة 41 شخصا وإصابة 1584 آخرين خلال أسبوع    الاجتماعات السنوية لمجموعة البنك الإسلامي للتنمية المقررة بالجزائر : منصة حوارية لتعزيز التعاون جنوب-جنوب    الجزائر العاصمة: وضع حيز الخدمة المصعد الهوائي بوادي قريش بعد خضوعه لأشغال الصيانة    وهران تحتضن مؤتمراً دولياً حول "الحلول الخضراء في صناعة النفط والغاز"    حملاوي تزور الخليفة العام للزاوية التيجانية    الطبعة ال11 للمهرجان الثقافي الوطني للموسيقى الأندلسية من 20 إلى 24 مايو    رئيس المجلس الشعبي الوطني يتحادث مع نظيرته الإندونيسية بجاكرتا    جائزة "نيلسون مانديلا" لحقوق الإنسان: اتساع رقعة المعارضين لترشيح ممثلة المغرب    بوقرة : الجزائر تحقق تقدماً لافتاً في توطين الصناعة الصيدلانية وتعزيز السيادة الدوائية    صحة : لقاء حول "تعزيز و تطوير الخدمات الطبية و الجراحية بمصالح الاستعجالات"    رئيس الجمهورية يشرف رفقة الوزير الأول السلوفيني على التوقيع على إعلان مشترك بين الجزائر وسلوفينيا    "فيلونيون" معرض للفنان معمر غرزيز يعكس جزائر قوية وموحدة    تزايد خطر المجاعة في غزة في ظل الحصار المستمر    نحو إعلام جزائري مبتكر وريادي … شراكة استراتيجية بين اتحاد الصحفيين الجزائريين و حاضنة التعليم العالي    السجائر الإلكترونية أكثر ضررا من التبغ    دعوى لتجنيب الأطفال الأطعمة المصنعة    ترشيح ممثلة النظام المغربي القمعي لجائزة "نيلسون مانديلا"    حجز أكثر من 3200 وحدة من المشروبات الكحولية    الموازنة بين مكافحة الإجرام وحماية الحقوق والحريات    دعوة لمسيرات حاشدة بالمغرب لدعم فلسطين وإسقاط التطبيع    سكيكدة تحيي الذكرى ال68 لمعركة وادي زقار    664 مليون دينار لتعميم المرجع الوطني للعنونة    الجزائر استعملت حقّها السيادي ضد أجانب مشبوهين    المطلوب خطوات عملية لنصرة القضية الفلسطينية    مستقبل واعد للعلاقات الاقتصادية بين الجزائر وسلوفينيا    دراجات/ البطولة الافريقية للمضمار: الجزائرية هند بن صالح ضمن طاقم التحكيم    المنتخب المحلي يتعرف على منافسيه في "الشان"    غويري يعد بالتأهل للمونديال والتألق في كأس إفريقيا    مستقبل غامض ينتظر آيت نوري مع ولفرهامبتون    تحرير 500 عقد ملكية لسكنات ريفية    الأغواط تفتح قلبها للسماع الصوفي    احتفاء بصويلح ومواكبة الرقمنة    حجّاج الجزائر يتوافدون على البقاع المقدسّة    كرة القدم: وفاة الرئيس الأسبق لفريق رائد القبة موساوي جرمان عن عمر 79 عاما    هذه رسالة الرئيس للحجّاج    هل على المسلم أن يضحي كل عام أم تكفيه مرة واحدة؟    يوم تصرخ الحجارة كالنساء    أشهر الله الحُرُمٌ مستهل الخير والبركات    أخي المسلم…من صلاة الفجر نبدأ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إتقان عام وإحسان شامل
نشر في الخبر يوم 20 - 01 - 2016

إنّ الخلق العظيم الّذي أبدعه الخالق جلّ شأنه، والّذي خضعت له رقاب العباد، وسجدت لإعجازه عقولهم، وانبهرت له قلوبهم، وسبّحت بجلاله ألسنتهم، يعلّل الله خلقه لهذا الخلق في غير ما آية كريمة باختبار العباد هل يحسنون عملاً؟ [وتعليل فعل بعلّة لا يقتضي انحصار علله في العلّة المذكورة، فإنّ الفعل الواحد تكون له علل متعدّدة] كما في قوله تبارك وتعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}، وقوله جلّ وعلا: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}، وقوله عزّ شأنه: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ}.
ومن نافلة القول التّنبيه على أنّ الابتلاء، أيّ اختبار شيء لتحصيل علم بأحواله، هو مستعمل هنا كناية عن ظهور آثار خلقه تعالى للمخلوقات، لأنّ حقيقة البلو والاختبار مستحيلة على الله لأنّه العليم بكلّ شيء، فلا يحتاج إلى اختباره. إذن فمن حكمة خلق الأرض والسّموات ظهور تفاوت أعمال العباد حُسنًا وإحسانًا؛ لذا كان من أهم أسس التّديّن ومرتكزاته أن ينقل المتديّن صُعُدًا في درجات الإحسان.
فالتّديّن في حقيقته هو تحوّل من سيّئ إلى حسن، ثمّ من حسن إلى أحسن، في الأقوال والأعمال والأحوال والصّفات والأخلاق، وبقدر تحسّن حال المرء فيما ذكر بقدر ما يزداد تديّنًا، أمّا التّغيّر الظّاهري من غير هذا التّحسّن فلا معنى له. فلا نعجب بعد ذلك لمكانة المحسنين عند الله حيث تكرّر قوله سبحانه مدحًا لهم ورفعًا لقدرهم: {.. لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ}، {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}، {.. لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ}، {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى}، {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}، {وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ}، {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}، {إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}، {إِنَّ اللهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}، {وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}، {وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ}، {وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}... الخ.
ولا عجب بعد ذلك أن نجد سيدنا وحبيبنا إمام المتديّنين وقدوتهم صلّى الله عليه وسلّم، يقرّر تقريرًا صريحًا بيّنًا، فيقول عليه السّلام: «إنَّ اللهَ كتب الإحسانَ على كلِّ شَيءٍ، فإذا قَتلتُم فأحسِنُوا القِتْلَة، وإذا ذبَحتُم فأحسِنُوا الذَّبح، وليُحِدَّ أحدُكم شَفْرَتَه فلْيُرِحْ ذبيحتَهُ» رواه مسلم. فالمؤمن مطالب بالحرص على أن يحسن في كلّ شؤونه، وإنّما ذكر القِتلة والذّبحة لكونهما من أكره الأشياء إلى الإنسان، فذكرهما إيغالًا في تأكيد شمول الإحسان وعمومه!. الّذي يبدأ من أقرب النّاس: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا}، ويصل إلى أبعدهم: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}. ويشمل بين ذلك كلّ المخلوقات: جماداتٍ وحيوانات وبشرًا.
ثمّ إنّ من معاني الإحسان: الإجادة والإتقان، وهذا معنى عظيم آخر من معاني التّديّن، ومرتكز أساس من سلوك التّديّن، فالأصل في المتديّن إذا قام بعمل ما من أعمال الدّين أو الدّنيا أن يؤدّيه على أكمل وجه؛ لأنّه يُراقب الله فيه، ويحرص على نيل رضاه وحبّه سبحانه بإتقانه.
مراقبة الله عزّ وجلّ هي ذروة الإحسان كما جاء في الحديث الشّهير: فَأَخبِرنِي عن الإِحسانِ؟ قال: «أنْ تعبُدَ الله كأنَّك تراهُ فإنْ لم تَكُنْ تراهُ فإنَّهُ يَراكَ» رواه مسلم، فالمتديّن يتقن عمله ويحسنه لله وحده لا خوفًا من المراقبة والمعاقبة القانونية أو غيرها. كما أنّ المتديّن يسعَى دائمًا لنيل محبّة ربّه عزّ وجلّ؛ وإتقانه عمله وإحسانه أحد السّبل المحقّقة لذلك، ففي الحديث الشّريف: «إنَّ اللهَ تباركَ وتعالى يُحبُّ إذا عَمِلَ أحدُكمْ عملًا أَنْ يُتْقِنَهُ» رواه البيهقي.
*إمام وأستاذ الشّريعة بالمدرسة العليا للأساتذة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.