أرحاب تترأس لقاءً تنسيقياً    اتفاقية بين ديوان الزكاة وبريد الجزائر    صالون للشغل    نهاية خائن    تأهل العميد و الكناري واتحاد الجزائر    الخضر يسعون إلى تصحيح المسار    تراجع في الغابات المتضرّرة بفعل الحرائق    قرعة الحجّ الثانية اليوم    أموال إفريقيا لتمويل ابتكارات أبنائها    التحضير للانتخابات المحلية والتشريعية بالولايات الجديدة    "وول ستريت جورنال" الأمريكية تضع الاحتلال في قفص الاتهام    وضع ضمانات صريحة لصون الحياة الخاصة للمواطن    ثقافة الدفع الإلكتروني في التعاملات المالية حتمية لابد منها    الانتقادات لا تقلقني وسنقدم أفضل ما لدينا أمام البحرين    "الخضر" لمحو تعثر السودان وإنعاش آمال التأهل    الجزائر تبدأ المونديال بمواجهة بطل العالم    تصدير 5 آلاف طن من المنتجات الحديدية نحو 3 قارات    "الرداء الأبيض"... تفاؤل بموسم فلاحي واعد    أغلفة مالية معتبرة لمشاريع التهيئة الحضرية    ربط 81 مستثمرة فلاحية بشبكة الكهرباء    السينما فضاء للذّاكرة والالتزام وبناء الإنسان    مسابقة توظيف الأساتذة الأسبوع المقبل    وزارة الشؤون الدينية تشدّد الرقابة على الفتوى وتحمي المرجعية الدينية الوطنية    بوعمامة: الإعلام شريك أساسي في إبراز المقومات السياحية للجنوب الجزائري    الحماية المدنية تتدخل عبر عدة ولايات بسبب التقلبات الجوية وتدعو لليقظة والحذر    وزيرة التضامن تطلق من باتنة الحملة الوطنية لتوزيع التجهيزات لفائدة ذوي الاحتياجات الخاصة    تاشريفت: حماية الذاكرة الوطنية واجب أخلاقي والتزام قانوني    معسكر تحتضن الطبعة الأولى من ملتقى "الأمير عبد القادر" لعمداء ورواد الكشافة الإسلامية الجزائرية    واضح: مؤتمر إفريقيا للمؤسسات الناشئة أصبح موعداً قارياً لا غنى عنه للابتكار    الرئيس تبّون: لا سِلم إلا بعودة حقّ شعب فلسطين    ختام زيارة لوكاشينكو إلى الجزائر بتوقيع اتفاقيات تعزز التعاون الثنائي    رسو أول باخرة بميناء سكيكدة    1515 مكالمة    دربال يشرف على إطلاق مشاريع مائية كبرى بورقلة    سايحي يستقبل فيراسامي    بداية متعثّرة للخضر في كأس العرب    الضفّة تشتعل بنيران بني صهيون    برايك يثمّن قرار الرئيس    عشرات آلاف المرضى بحاجة للإجلاء الطبي العاجل    التتويج بالجائزة الرابعة لحقوق الإنسان في أستورياس    مهرجان البحر الأحمر يُكرم رشيد بوشارب    "المفتاح" لشريف عياد في دورة القاهرة    استجابة كبيرة لحملة تلقيح الأطفال ضد الشلل بقسنطينة    انشقاقات واسعة في صفوف الماك    الرئيس تبون يخصّص 2000 دفتر حجّ إضافي للمسنّين    أقلام واعدة : تظاهرة ثقافية أدبية موجهة للأطفال والشباب    جلسة حوارية : الفن الإفريقي المعاصر بين الاعتراف الدولي والتحديات المحلية    مستغل من طرف دوائر معادية لضرب الجزائر : انشقاقات واسعة في تنظيم "ماك" الإرهابي    رئيس الجمهورية يخصص 2000 دفتر حج إضافي لمن تجاوزوا 70 سنة ولم يسعفهم الحظ في القرعة    أكاديميون يشيدون بمآثر الأمير عبد القادر    الرئيس تبون يعزي عائلة العلامة طاهر عثمان باوتشي    الخطوط الجوية الجزائرية تصبح الناقل الرسمي للمنتخب الوطني في جميع الاستحقاقات الكروية    قسنطينة تهيمن على نتائج مسابقة "الريشة البرية" الوطنية لاختيار أحسن طائر حسون    فتاوى    ما أهمية تربية الأطفال على القرآن؟    فضائل قول سبحان الله والحمد لله    هذه أضعف صور الإيمان..    يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تهافت الجاهلين على التّوقيع عن ربّ العالمين
نشر في الخبر يوم 11 - 01 - 2019

أخرج الإمام الدارمي في سننه من حديث عُبيد الله بن أبي جعفر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”أجرؤكم على الفُتيا، أجرؤكم على النّار”.
قال العلامة المُناوي في فيض القدير: ”أجرؤكم على الفتيا”، أي: أقدمكم على إجابة السّائل عن حكم شرعي من غير تثبت وتدبّر، ”أجرؤكم على النّار” أي: أقدمكم على دخولها، لأنّ المفتي مبين عن الله حكمه، فإذا أفتى على جهل أو بغير ما علمه أو تهاون في تحريره أو استنباطه فقد تسبّب في إدخال نفسه النّار لجرأته على المجازفة في أحكام الجبّار.
فمن قائل: لا حرج بالنّظر إلى الحسناوات، فذاك من التفكّر في عظمة الله، ومن متقوّل بجواز إمامة المرأة، ومن مفتر على الشّرع بجواز بيع الخمر دعمًا للاقتصاد وتنشيطًا للسياحة، ومن مُفتٍ بأنّ الرّبا لا يجري في الأوراق النقدية، ومن حشّاش يرى بأنّ الاختلاط مباح وسبيل إلى فكّ العقد عن البنين والبنات! وهذه نماذج فقط لبعض الفتاوى والجرأة على التقوّل على ربّ العالمين، وما زال واقعنا يتمخّض عن فتاوى تتسارع الأفواه في نقلها، وتتسابق الفضائيات في عرضها، أضلّت أقوامًا، وتشبّث بها مَن في قلبه مرض، ولا يملك العبد وهو يرى هذه الغرائب والتقلّبات إلّا أن يقول: اللّهمّ لا تَفْتِنَّا ولا تَفْتِن بنا، وأعِذْنا من سبيل الخذلان والخسران.
إنّ ممّا ينبغي بيانه أنّ شأن الإفتاء عظيم، وموقعه جسيم؛ إذ هو توقيع عن ربّ العالمين، ويكفي استعظامًا لشأنه أنّ المولى سبحانه قد قرن التقوّل عليه وعلى شرعه بلا علم بالفواحش والظلم والإشراك: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالبَغْيَ بِغَيْرِ الحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِالله مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى الله مَا لَا تَعْلَمُونَ}، وأنكر مولانا وشنع على مَن يرسلون ألسنتهم تحليلًا وتحريمًا بلا علم، وسمّى ذلك افتراء وكذبًا: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ الله لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا، قُلْ آلله أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ}.
فالتقوّل على الشّرع بالظنّ مرض خطير وانحراف كبير، وهو مؤشّر على رقّة في التديّن، وحبّ للرّياء والادعاء، نهى عنه ربّ الأرض والسّماء: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}، وها هو صلّى الله عليه وسلّم يحذّر من سؤال أهل الجهالة: ”إنّ الله لا يَقبض العلمَ انتزاعًا يَنتزعه من النّاس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتّى إذا لم يُبق عالمًا اتّخذ النّاس رءوسًا جُهّالًا فسُئِلوا فأفْتَوا بغير عِلمٍ فضَلُّوا وأضَلُّوا”.
حين نقلّب صفحات أخبار الرّجال الصّالحين الصّادقين، نجد الديانة الحقّة، والتورّع الخالص، فالقوم استشعروا عظمة الله، وعظُم مقام ربّهم في قلوبهم، فتهيبوا الفتيا وهربوا منها، وما تصدّروا لها؛ بل كان أحدهم يتمنّى لو أنّ غيره كفاه، قال ابن ليلى: أدركتُ عشرين ومائة من أصحاب رسول الله، فما كان منهم مُفْتٍ إلّا ودّ أنّ أخاه كفاه الفتيا. وهذا فقيه العراق أبو حنيفة يقول: مَن تكلّم في شيء من العلم وهو يظنّ أنّ الله لا يسأله عنه: كيف أفتيتَ في دين الله، فقد سهلت عليه نفسه ودينه. وقال سفيان بن عُيَيْنَة: أعلمُ النّاس بالفتيا أسكتُهم عنها، وأجهَلُهم بها أنطقهم فيها.
بل بلغ من غيرة سلفنا على دين الله أنّهم كانوا يتحسّرون ويبكون إذا رأوا المتجرّئين والمتسلّقين على مقام الفتيا، دخل رجل على الفقيه ربيعةَ بنِ أبي عبد الرّحمن فرآه يبكي فسأله، فقال: استُفتي مَن لا عِلمَ له، وظهر في الإسلام أمرٌ عظيم، ثمّ قال: إنّ هؤلاء أولى بالسجن من السرّاق!. قال ابن الجوزي: هذا قول ربيعة والتّابعون متوافرون، فكيف لو عاين زماننا هذا؟ بل كيف لو أدرك ابن الجوزي هذه الأزمان، وقد تجرّأ على الإفتاء مَن هبَّ ودبَّ، دون علم ولا ورع ولا أدب!
لقد استشعر سلفنا أنّ الفتيا توقيع عن ربّ العالمين، فسعوا إلى خلاص أنفسهم قبل خلاص السّائل، فكان الواحد فيهم لا يجد غضاضة أن يقول: لا أدري، فهذا إمام دار الهجرة رحمه الله يُسأل في مسألة، فيقول: لا أدري، فيقال له: يا أبا عبد الله، تقول: لا أدري؟! قال: نعم، وأبْلِغ من وراءك بأنّي لا أدري. وهذا الإمام أحمد رحمه الله، يصف بعض طلّابه شيْئًا من تورّعه وتوقّفه عن الفتيا، فيقول: ما أُحصي ما سمعتُ أحمد بن حنبل سُئل عن كثير من مسائل الاختلاف في العلم، فيقول: لا أدري.
فالفتوى مردّها للعلماء المعروفين بطول باعهم في العلم، تحصيلًا وتبليغًا، والمشهور لهم بدقّة الفهم، ومعرفة حال المستفتين، ومآلات الفتوى، العلماء الّذين يعظمون النص، فلا يلتفون على الأحكام الشّرعية بتعليلات وهمية، ولا يوردون على النّصوص القطعية احتمالاتٍ جدليةً، قال ابن سيرين: إنّ هذا العلم دِينٌ، فانظروا عمّن تأخذون دينَكُم، مسائل الدّين لا تؤخذ من المفكّرين، ولا من المثقفين، فضلًا عن غيرهم من الأدباء والصحفيين، مسائل الإفتاء هي من العلماء وإلى العلماء، وإذا أُخذت الفتوى من غير أهلها، شاع الباطل وأُلبس لباسَ الحقّ، ونُسب إلى الدِّين ما ليس منه.
والواجب أن يحتاط المسلم لدينه، ويتّقي ربّه في اختيار ما تطمئن له نفسه من فتاوى العلماء الرّاسخين، فالإثم ما حاك في الصّدور، وإن أفتى به النّاس وأفتوا، وليحذر المسلم كلّ الحذر من تصيّد الفتاوى الشّاذة، وتلمّس الأقوال المهجورة، فهذا زلل وانحراف، واتّباع للهوى، وإن لبسها صاحبها لباس الدِّين، قال الذهبي: مَن تتبّع رخص العلماء، وزلّات المجتهدين، فقد رقّ دينه. ونقل ابن عبد البرّ الإجماع على المنع من تتبّع الرّخص، بل عدّه جمع من الفقهاء ممّا يُفسَّق به فاعله.
إمام مسجد عمر بن الخطاب
بن غازي براقي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.