الموافقة على تعيين سفير الجزائر الجديد لدى سريلانكا    الجامعة العربية تنظم اجتماعا مشتركا بين الآلية الثلاثية ووكالة "الأونروا" بشأن الوضع الإنساني بغزة    إيليزي: إطلاق مشروع انجاز 240 مسكن بمنطقة تين تورهة سبه النائية    أمطار رعدية مرتقبة على عدة ولايات بشرق البلاد    قسنطينة: تدشين مركز منبع الكهرباء بمنطقة قطار العيش    ممارستنا التشريعية تعد "نموذجا واقعيا في التنسيق المؤسساتي"    العدوان الصهيوني: 169 منظمة إغاثية تطالب بوقف نظام توزيع المساعدات في غزة    استشهاد 20 فلسطينيا وإصابة آخرين    الضغوط باتجاه إنجاز صفقة في غزة ج2    الفاف" تقرر تقليص الطاقة الاستيعابية لكل الملاعب بنسبة 25 بالمائة    رئيس الجمهورية يجدد التزام الجزائر بدعم التنمية في القارة    يوم الأحد المقبل عطلة مدفوعة الأجر    المجلس الأعلى للشباب: ندوة افتراضية حول المشاركة السياسية للشباب    الشلف : شرطة الأمن الحضري الخامس    توقرت : تفكيك جمعية أشرار مكونة من شخصين    دعوة إلى الاستلهام من الثورة الجزائرية للتحرر من قيود الاستعمار    يجب على المجتمع الدولي أن يعمل بشكل جماعي لتصفية الاستعمار من الصحراء الغربية    جرائم التاريخ تتكرر في غياب المسؤولية الأخلاقية والقانونية    مزرعة توارس... استثمار يجمع الابتكار بطموح الشباب    ياسين بن زية يتجه لتوقيع عقد جديد في أذربيجان    هدفنا بلوغ العالمية بقدرات مصارعينا واجتهاد مؤطريهم    المسؤولون المحليون يتحملون تبعات الوضع الحالي    تمرين محاكاة لحادث على متن ناقلة لغاز البترول المسال    إنشاء آلية للتبادل في مسائل الهجرة بين الجزائر وسويسرا    بوغالي يترأس اجتماعا لمكتب المجلس الشعبي الوطني    "بريد الجزائر" يطلق منصة للشكاوى والاستفسارات    التزام مشترك بإنجاح مشروع "بلدنا الجزائر"    160 مدرب في مهمة وطنية لتأهيل داخلي "القفص الذهبي"    مراقبة صارمة لنوعية مياه الصهاريج بعنابة    حدائق ومعالم أثرية في طريق الشرق    تعزيز البعد الإفريقي للجزائر وترقية العلاقات الروحية والثقافية    مدّ جسور الإنشاد من البلقان إلى دار السلام    ستة مؤلفات جزائرية في أربع فئات    كرة القدم/نهائي كأس الجزائر-2025 (اتحاد الجزائر-شباب بلوزداد): طرح 20 ألف تذكرة للبيع يوم غد الاربعاء    وزير الثقافة والفنون يشيد بنتائج دراسة هادفة لإنعاش الصناعة السينمائية الجزائرية    طاقة و مناجم: عرقاب يتباحث مع السفير السعودي لدى الجزائر فرص التعاون و الاستثمار    الاتحادية الجزائرية تقرر تقليص الطاقة الاستيعابية لكل الملاعب بنسبة 25 بالمائة عن النسبة المعتادة    الرابطة الأولى موبيليس 2025-2026 : افتتاح الميركاتو الصيفي    خنشلة: الطبعة الثانية للمهرجان الوطني للموسيقى والأغنية الشاوية من 6 إلى 9 يوليو    نحو استحداث بوابة إلكترونية للتعريف بالمواقع المنجمية    غزّة تنزف حتّى الموت!    630 مليار دينار مصاريف صندوق التأمينات الاجتماعية    بورصة الجزائر: إدراج سندات قرض الشركة العربية للإيجار المالي بقيمة 3 مليار دج    المغير: استفادة التلاميذ النجباء من رحلة استجمامية إلى ولاية وهران    المهرجان الدولي للإنشاد بقسنطينة: الأصالة والتجديد في اختتام الطبعة ال11    هذا جديد الوفاق    المشاريع المُصادَرة.. العودة؟    برنامج خاص بالعطلة الصيفية    الكشف المبكر عن السكري عند الأطفال ضروريٌّ    بللو يشرف على إطلاق برنامج "هي"    بلال بن رباح مؤذن الرسول صلى الله عليه وسلم.. صوت الإسلام الأول    الدعاء وصال المحبين.. ومناجاة العاشقين    فتاوى : حكم تلف البضاعة أثناء الشحن والتعويض عليها    التاريخ الهجري.. هوية المسلمين    تنصيب لجنة تحضير المؤتمر الإفريقي للصناعة الصيدلانية    الجزائر تستعد لاحتضان أول مؤتمر وزاري إفريقي حول الصناعة الصيدلانية    صناعة صيدلانية: تنصيب لجنة تحضير المؤتمر الوزاري الافريقي المرتقب نوفمبر المقبل بالجزائر    يوم عاشوراء يوم السادس جويلية القادم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العالم يحتاج إلى الرّحمة!
نشر في الخبر يوم 03 - 06 - 2020

إنّ الوضع الّذي تعيشه البشرية وضع غريب حقًّا، فهي تعيش زمن تطوّر علميّ وتكنولوجيّ كبيرٍ، ولكنّها تعاني معاناة أكبر في كلّ مناحي الحياة! وهي تنتج مطعومات ومشروبات وملبوسات ومصنوعات تفوق ما تحتاجه بكثير، ولم تنتج نصفه أو ما يقاربه في القرون الماضية! ولكن يعيش الملايين من البشر في فقر مدقع، وأنا لا أتكلّم على الدّول الفقيرة أو المُفقّرة بتعبير أدق! بل الفقر موجود بشكل رهيب حتّى في الدّول المتطوّرة! ويكفي أنّ نعلم أنّ الولايات المتحدة الأمريكية كبرى دول العالم يعيش فيها ما يزيد عن أربعين مليون نسمة تحت خط الفقر! أي ما يقارب تعداد الشّعب الجزائريّ كلّه!
وهناك ضجيج هائل يصمّ الآذان عن حقوق الإنسان، وعن الديمقراطية، وعن التنمية الشاملة، وعن المعاهدات الدّولية، وعن المجتمع الدولي، وعن المنظمات الدّولية... الخ، لكن العالم يشتعل صراعات يذهب ضحيتها الأبرياء والضعفاء دائمًا! وعلى كلٍّ أزمات البشرية لا تخفى على أحد، وهي تؤكّد أنّ العلم الملحد عاجز عن حلّ مشكلات الإنسان! فقد ادّعى بعض الفلاسفة والمنظّرين الغربيين في القرن التاسع عشر [وصدّقهم بعض السُّذّج منّا] أنّ الإنسان لم يعد بحاجة إلى الإله والدِّين، وأنّ العلم كفيل بحلّ كلّ المشاكل الّتي تعترض الإنسان! وكفيل بالإجابة عن كلّ تساؤلاته! وكفيل بتحقيق سعادته! ولكن العلم بقدر ما تطوّر تطوّرًا رهيبًا ازداد عجزًا عجيبًا عن تحقيق بعض ذلك بَلْهَ كلّه، بل نتج عن التّطوّر العلميّ ذاتِه مشاكلُ وأزماتٌ كبيرة تعاني منها البشرية الآن أو هي فَزِعةٌ ممّا قد ينتج عنها مستقبلا!
بل صار العلم الملحد يهدّد كينونة الإنسان ذاتها!، كما يُبيّنه قول المتوّج بجائزة نوبل ألكسيس كاريل: “لقد استطعنا أن نغزو الفضاء، ونكتشف أعماق المحيطات تحت الماء، ونطير في جو السماء، ولكنّنا ما زال لم نستطع المشي على الأرض بشرًا”! إشارة إلى فقدان وتلاشي الكثير من القيم الإنسانية من حياة النّاس بسبب ضغط الحضارة المادية المهيمنة.
ولو دققنا النّظر، وركزّنا التّفكير، لوجدنا أنّ أعظم قيمة فقدتها البشرية، واصطلت لفقدانها بنار المشاكل والأزمات اللاإنسانية هي قيمة الرّحمة! فالّذين يستعمرون دولًا وشعوبًا لعقود من الزّمان وينهبون مقدّراتها؛ لبناء حضارتهم ودولهم، ولا يخرجون منها مكرهين إلّا بعد ضمان تبعيتها، ووضعها في أيدي من تربّوا على أيديهم؛ إنّما يفعلون ذلك لأنّهم فقدوا الرّحمة وصاروا وحوشًا في صورة بشر! والّذين يشعلون نار حروب دموية مدمّرة، يموت بسببها مئات الآلاف من الأبرياء وتُدمّرُ دولٌ وشعوب، وتضيع بسببها آمال وأحلام ومستقبل الملايين من النّاس؛ إنّما يفعلون ذلك لأنّهم فقدوا الرّحمة وصاروا وحوشًا في صورة بشر لهم مقامات عالية ومناصب سامية! والّذين يحكمون شعوبهم بالحديد والنّار من المستبدّين (والدّيكتاتوريين)، ويبطشون بالأبرياء طردًا وسجنًا وقتلًا لمجرّد معارضتهم؛ إنّما يفعلون ذلك لأنّهم فقدوا الرّحمة وصاروا وحوشًا، وإن (زيّن سعدهم) المسوّد الإعلامُ المأجور!.
والذين يتشدّقون بالديمقراطية ثمّ يدعّمون أنظمة مستبدة قمعية فاقدة للشّرعية (كونها تزويريّة أو انقلابيّة) لتحقيق مصالحهم ومنافعهم القومية مع ما يجرّ ذلك من مآسٍ على الشعوب المقهورة؛ إنّما يفعلون ذلك لأنّهم فقدوا الرّحمة وصاروا وحوشًا في صورة بشر، لا هَمّ لهم إلاّ الرّبح المادي والمنافع الضيّقة! والّذين يستغلّون العملاء (والحركى) لتوطيد نفوذهم في الدّول الضّعيفة، حتّى يضمنوا تبعيتها وسيطرتهم على ثرواتها واستغلال مقدراتها لمصالحهم على حساب شعوبها المسكينة، فهؤلاء وأزلامهم من العملاء إنّما يفعلون ذلك لأنّهم فقدوا الرّحمة وصاروا وحوشًا في صورة بشر، لا هَمّ لهم إلاّ الرّبح المادي والمنافع الضّيقة!
والذين يحتكرون صناعة الأدوية، حتّى وصل بهم الأمر إلى نشر أمراض وعاهات؛ لضمان بيع ما يصنعونه من أدوية بأثمان خيالية وقد تكون تكلفتها زهيدة! بل وصل بهم الأمر إلى تجربة الأدوية والعقاقير على البشر دون علمهم ولا إذنهم كما يفعلون مع الحيوان والفئران! هؤلاء إنّما يفعلون ذلك لأنّهم فقدوا الرّحمة وصاروا وحوشًا في صورة بشر، لا هَمّ لهم إلاّ الرّبح المادي والمنافع الضّيقة!.
وما حروب كورونا (لقاح كوفيد 19) عنّا ببعيد!... الخ المآسي والأزمات الّتي هي نتاج فقدان الرّحمة وتسلّط القُساة.
إذن البشرية تعيش تعاسة وشقاء لفقدان قيمة الرّحمة من حياتها وتسلّط القساة عليها، وهذا يجعلنا نقف بتدبّر مع قول الله تبارك وتعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}، يقول العلامة ابن عاشور رحمه الله تعالى عنها: “صيغت بأبلغ نظم إذ اشتملت هاته الآية بوجازة ألفاظها على مدح الرّسول عليه الصّلاة والسّلام، ومدح مرسله تعالى، ومدح رسالته بأن كانت مظهر رحمة الله تعالى للنّاس كافة، وبأنّها رحمة الله تعالى بخلقه. فهي تشتمل على أربعة وعشرين حرفًا بدون حرف العطف الّذي عطفت به، ذكر فيه الرّسول، ومرسله، والمرسل إليهم، والرسالة، وأوصاف هؤلاء الأربعة، مع إفادة عموم الأحوال، واستغراق المرسل إليهم، وخصوصية الحصر، وتنكير رحمة للتّعظيم..”.
والرّسول صلّى الله عليه وسلّم يقول عن نفسه: «إنّما أنا رحمة مُهداة». فعلاج أدواء البشرية في رسالة الرّحمة، في الإسلام الدّين الحقّ. وهذا يُبيّن لنا بصدق: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟! ويُبيّن لنا بحقّ عظم مسؤولية المسلمين التاريخية، حيث أنّ تخلّف المسلمين وابتعادهم عن هدي الإسلام، وغياب كثير من معاني الإسلام عن حياتهم، وسقوط كثير منهم في براثين التّقليد الأعمى للغرب، وانمساخ شخصياتهم وهوياتهم، حرم البشرية من نموذج الإنسان الرّحيم الّذي تتوق إليه وتتشوّف! ولهذا لو قال قائل: أين هي هذه الرّحمة في حياة المسلمين حتّى ينقذوا العالمين؟ فنقول: إنّ واقع المسلمين لا يحكم على الإسلام بل الإسلام هو الحاكم عليهم وعلى واقعهم، والله عزّ شأنه قال: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا}، فلا نستغرب من ضنكٍ يصيب مَن أعرض عن هدي الله تعالى، وإذا رجعنا إلى ديننا حقّا، واهتدينا بهُداه كما يجب، هنالك يرى النّاس الرُّحماء المُهتدين. ويجد العالم بارقة الأمل في الرّحمة العامة الّتي ينتظرها، {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُون}.
*إمام وأستاذ الشّريعة بالمدرسة العليا للأساتذة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.