كان موضوع التسليح والعتاد من بين الاشكاليات والصعوبات التي واجهتها الثورة في مسيرة الكفاح المسلح ضد الاستعمار الفرنسي، حيث أجبر نقص التزود بالسلاح والعتاد الحربي قادة الثورة على التفكير في البحث عن جبهات خارجية للإمداد لفك الخناق الذي كان مضروبا على جيش التحرير. وكان مشكل البحث عن السلاح من بين الأسباب الرئيسية التي شكلت معوّقات كبيرة لمواصلة الكفاح المسلح ضد الاستعمار منذ إطلاق الشرارة الأولى لثورة التحرير المجيدة في الفاتح نوفمبر 1954، وهو إحدى النقاط الجوهرية التي تم التركيز عليها حفاظا على الوتيرة الحماسية التي عرفتها المسيرة النضالية لجيش وجبهة التحرير الوطني. ويرى أستاذ تاريخ الجزائر بجامعة الجزائر 2 (بوزريعة سابقا)، محمد لحسن زغيدي، أن المشاكل التي واجهتها مسيرة الثورة لا تنحصر فقط في التسليح والعتاد والذخيرة رغم أهميتها بالنسبة لأي عمل ثوري، وإنما يضاف إليها كذلك التنظيم والتخطيط وتوزيع المسؤوليات العسكرية والسياسية، خاصة مع السنوات الأولى لانطلاق الثورة بحكم نقص التأطير والتكوين والتدريب الذي يعد الركيزة الأساسية في تكوين المجاهدين وإعدادهم لمواجهة العدو الفرنسي. وأكد الأستاذ زغيدي، في هذا الإطار، أن قادة الثورة اصطدموا بهذا المشكل (التزود بالسلاح) بسبب قيام الجيش الفرنسي بمحاصرة كل المنافذ الداخلية للوطن لإجهاض الثورة وإخماد فتيلها، وهو ما دفع إلى البحث عن جبهات خارجية للتموين على غرار جبهات تونس والمغرب وليبيا ومصر باعتبارها منافذ جد حساسة شكلت حجر الزاوية في معادلة الإمداد الذي أعطى دفعا قويا لمواصلة الكفاح المسلح. وأوضح بالمناسبة، أن الاعتماد على سياسة التعاون والتضامن لهذه الدول مع الجزائر في تلك الفترة مكّنت في عدة مرات من نقل شحنات معتبرة من السلاح والعتاد الحربي بشتى أنواعه إلى الجزائر، ما أعطى دفعا قويا لاستعادة النفس ومواصلة المسيرة المقاوماتية ضد العدو الفرنسي. وأضاف أن مشكل السلاح كان جوهر وأساس العمل المسلح، يضاف له نقص أو شبه غياب للدعم اللوجيستيكي للثورة، لعدم وجود قاعدة تكوين قوية قائمة على التقنيات والمعارف العسكرية مقارنة بالجيش الفرنسي، وهو ما تم تداركه فيما بعد بفضل استحداث وزارة التسليح والاتصالات العامة، التي اضطلعت فيما بعد بمهمة جمع الأسلحة والذخائر وتنسيق الاتصالات مع قادة النواحي ومسؤولي المناطق بجيش التحرير الوطني داخل وخارج الوطن. وثمّن المتحدث الجهود الجبارة التي قام بها قياديو ومسؤولو الوزارة "المالغ"، من أجل البحث عن مصادر جديدة للتموين تكون بعيدة عن أنظار العدو، وهو الأمر الذي أعطى هذه الهيئة العسكرية التابعة لقيادة جيش التحرير دورا رياديا في كسر هاجس تراجع الحماس الثوري لدى المجاهدين جراء نقص السلاح والدعم اللوجيستيكي ومن جهة أخرى، أبرز أستاذ التاريخ في سياق متصل، الحملة الشرسة التي شنّها جيش الاستعمار الفرنسي وأجهزة الأمن الاستخباراتية السرية التابعة له على المناطق والنواحي العسكرية والولايات في محاولة منها لإجهاض أي خطة، أو مبادرة من شأنها البحث عن منفذ آمن لإدخال شحنات السلاح إلى داخل الوطن، مشيرا إلى استخدام شتى الوسائل والتقنيات لإفشال مخططات قادة جبهة وجيش التحرير على غرار التجسس ومراقبة الاتصالات والتحركات، ونصب الكمائن في المناطق والنواحي المشبوهة، وهو ما كان رهانا صعبا للمجاهدين المكلفين بهذا الملف الحساس والشائك على مدار 07 سنوات من الكفاح والجهاد. وبالمناسبة، يرى بعض المجاهدين أن نقطة المشاكل والمعوقات التي واجهت انطلاقة ثورة الفاتح نوفمبر 1954، كانت جوهرية باعتبارها ركيزة خوض أي عمل ثوري أو الدخول في حرب علنية مع العدو. وأكد المجاهد جيلالي الدرّاجي، أن مهمة القيام أو الإشراف على نقل وإرسال الأسلحة والذخيرة ومختلف أنواع العتاد من الحدود شرقية والغربية للوطن نحو الولايات الداخلية للوطن في غاية الصعوبة والخطورة، بسبب بعد المسافة من جهة وخطورة المسالك والتضاريس الصعبة التي كان المجاهدون يسلكونها لكونها تحت أعين ومراقبة السلطات الاستعمارية الفرنسية، التي في كثير من الأحيان تجهض مخططات قيادة الثورة المتعلقة بهذا الشأن بالذات. وأوضح المجاهد الدراجي، الذي كان عسكريا بمنطقة المتيجة إبان الثورة، وأحد أعضاء اللجنة المركزية في جبهة التحرير الوطني بعد الاستقلال، أن الاستعمار الفرنسي سعى منذ انطلاق ثورة التحرير المجيدة إلى عزل الشعب الجزائري بصفة عامة والمجاهدين بصفة خاصة عن الاتصال فيما بينهم أو دول الجوار للتزوّد بالأسلحة والعدّة لمواصلة الكفاح المسلح، الأمر الذي دفع بالشعب الجزائري إلى الاستعانة بمعدات بدائية وأسلحة صيد بسيطة لمواجهة العدو الفرنسي. وأضاف المتحدث في هذا الإطار، أن جيش التحرير في تلك الفترة قاسى الكثير وعان طويلا بسبب نقص الوسائل المادية واللوجيستيكية لمواصلة مسيرته الحربية من أجل الحرية والاستقلال، مؤكدا أن مؤتمر الصومام 1956، فتح الأفاق واسعا للثورة وأعطى اهتماما بالغا لمسألة التزوّد بالسلاح من خلال تعزيز الاتصالات مع الأخوة في الدول العربية على غرار تونس وليبيا والمغرب. وهو ما تجسّد في الميدان -على حد تعبيره-. كما يرى المجاهد محمّد واضح، أن شبح نقص العتاد الحربي الذي كان مطروحا بشكل قوي في السابق بدأ يتلاشى شيئا فشيئا بفضل مؤتمر الصومام والقرارات الهامة التي خرج بها المؤتمرون، والتي كان أساسها ضرورة المضي قدما في مواصلة الثورة إلى غاية تحقيق النصر والاستقلال مهما كانت الظروف، والعمل على حل مختلف المشاكل والصعاب التي تواجه طريق الثورة بما فيها مشكلة التزوّد بالسلاح. وأبرز المجاهد واضح، في هذا الموضوع أن هذه الإشكاليات والصعوبات دفعت بقيادة الثورة وجبهة وجيش التحرير الوطني إلى تأجيل عدة عمليات عسكرية نوعية عن موعدها الرسمي بسبب انتظار وصول شحنات الأسلحة عبر الحدود، وهو ما يؤثر على جوهر هذه المخططات والعمليات التي في الكثير من الأحيان تعاد عملية صياغتها وإعدادها. وأضاف في السياق، أن جبهات التموين التي استطاعت قيادة الثورة فتحها بحدود الوطن بالتنسيق مع الإخوة في عدة دول بفضل جهود المجاهدين المكلفين بهذا المجال، أعطت دفعا قويا للثورة لاسيما في كسب المعارك التي خاضها جيش التحرير مع العدو الفرنسي، كما ساهمت كذلك في تحقيق توازن نسبي في موازين القوى بين الطرفين. وهو ما جعل العدو الفرنسي يضع في حسبانه ألف حساب."يقول عمي محمد".