رئيس الجمهورية يؤكد على ضرورة مراعاة الأولويات التنموية للبلدان الإفريقية    رئيس الجمهورية يستعرض التجربة الجزائرية في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية    الشلف /الصيد البحري : مشاركة أزيد من 70 مرشحا في امتحان مكتسبات الخبرة المهنية    ضرورة تعزيز الجهود لدعم ومرافقة المشاريع المتعلقة بتربية المائيات    عرقاب يتباحث بتورينو مع الرئيس المدير العام لبيكر هيوز حول فرص الاستثمار في الجزائر    أمطار مرتقبة على عدة ولايات ابتداء من مساء اليوم الاثنين    بوزيدي : المنتجات المقترحة من طرف البنوك في الجزائر تتطابق مع مبادئ الشريعة الإسلامية    الدكتور عبد الحميد عفرة: الجزائر معرضة ل 18 نوعا من الأخطار الطبيعية تم تقنينها    مسؤولون أمميون ينتقدون فشل المجتمع الدولي في إنهاء الإبادة الجماعية بغزة    رفع سرعة تدفق الأنترنت إلى 1 جيغا    تسخير كل الإمكانيات لإنجاح الإحصاء العام للفلاحة    إجراء اختبارات أول بكالوريا في شعبة الفنون    هنية يُعبّر عن إكباره للجزائر حكومةً وشعباً    العالم بعد 200 يوم من العدوان على غزة    صورة قاتمة حول المغرب    5 شهداء وعشرات الجرحى في قصف صهيوني على غزة    العدوان على غزة: الرئيس عباس يدعو الولايات المتحدة لمنع الكيان الصهيوني من اجتياح مدينة رفح    مولودية الجزائر تقترب من التتويج    تيارت/ انطلاق إعادة تأهيل مركز الفروسية الأمير عبد القادر قريبا    كأس الكونفدرالية الافريقية : نهضة بركان يستمر في استفزازاته واتحاد الجزائر ينسحب    شنقريحة يحث على اليقظة..    تقدير فلسطيني للجزائر    الجزائر وفرت الآليات الكفيلة بحماية المسنّين    أمّهات يتخلّين عن فلذات أكبادهن بعد الطلاق!    سنتصدّى لكلّ من يسيء للمرجعية الدينية    برمجة ملتقيات علمية وندوات في عدّة ولايات    المدية.. معالم أثرية عريقة    مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي: فرصة مثلى لجعل الجمهور وفيا للسينما    ذِكر الله له فوائد ومنافع عظيمة    الجزائر تُصدّر أقلام الأنسولين إلى السعودية    دورة تدريبية خاصة بالحج في العاصمة    استئناف حجز تذاكر الحجاج لمطار أدرار    3 تذاكر ضاعت في نهاية الأسبوع: الثنائي معمري يرفع عدد المتأهلين إلى دورة الأولمبياد    وزيرة التضامن كوثر كريكو: الجزائر وفرت الآليات الكفيلة بحماية المسنين    لموقفها الداعم لحق الفلسطينيين قولا وفعلا: هنية يعبر عن إجلاله وإكباره للجزائر    بعد الإعلان عن خفْض الفوائد البنكية على قروض الاستثمار: قرارات الحكومة تريح المستثمرين    بعد مسيرة تحكيمية دامت 20 سنة: بوكواسة يودع الملاعب بطريقة خاصة    عون أشرف على العملية من مصنع "نوفونورديسك" ببوفاريك: الجزائر تشرع في تصدير الأنسولين إلى السعودية    مبادرة ذكية لتعزيز اللحمة الوطنية والانسجام الاجتماعي    القضاء على إرهابي بالشلف    تسجيل تلاميذ السنة الأولى بالمدارس القريبة من إقامتهم    إبراز دور وسائل الإعلام في إنهاء الاستعمار    تخوّف من ظهور مرض الصدأ الأصفر    عائد الاستثمار في السينما بأوروبا مثير للاهتمام    "الحراك" يفتح ملفات الفساد ويتتبع فاعليه    مواجهة كل من يسيء للمرجعية الدينية ولثورة نوفمبر    أرسنال يتقدم في مفاوضات ضمّ آيت نوري    مدرب ليون الفرنسي يدعم بقاء بن رحمة    راتب بن ناصر أحد أسباب ميلان للتخلص منه    العثور على الشاب المفقود بشاطئ الناظور في المغرب    "العايلة" ليس فيلما تاريخيا    5 مصابين في حادث دهس    15 جريحا في حوادث الدرجات النارية    تعزيز القدرات والمهارات لفائدة منظومة الحج والعمرة    نطق الشهادتين في أحد مساجد العاصمة: بسبب فلسطين.. مدرب مولودية الجزائر يعلن اعتناقه الإسلام    لو عرفوه ما أساؤوا إليه..!؟    أهمية العمل وإتقانه في الإسلام    مدرب مولودية الجزائر باتريس يسلم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المطالبة بتطهير المحيط والكشف عن الملف السري للتفجيرات
ضحايا التجارب النووية الفرنسية برقان يعانون في صمت
نشر في المساء يوم 13 - 02 - 2015

لا تزال رقان بولاية أدرار تتذكر وتستنكر جرائم فرنسا الاستعمارية ضد سكان المنطقة، وتندد برفض هذه الأخيرة التعويض عن تجاربها النووية رغم مرور 55 سنة على هذه الأعمال الشنيعة التي كانت منطقتا رقان وعين اينكر بأقصى الجنوب الجزائري مسرحا لها، حيث شهدتا 17 تجربة نووية كانت أخطرها تجربة 13 فيفري 1960 التي أتت على الانسان والحيوان والنبات، وانعكست سلبا على الصحة العمومية بالمنطقة، ولم يتمكن سكان المنطقتين من محو أثار هذه التفجيرات من مخيلتهم لفظاعتها، وهول ما خلفته من أمراض خطيرة وأزمات نفسية في نفوس من عايشوها، وهذا بشهادة الذين كانوا عرضة لها بشكل مباشر.
ويقول عبد الرحمن سعداوي، الذي جند للعمل في موقع التفجير قبل التجارب، وفقد بصره بعد أيام من حدوثها: "في اليوم الموالي للانفجار، أقامت القيادة العسكرية بالمركز حفلا لم يسبق له مثيل ابتهاجا بالحدث العظيم بالنسبة إليهم... نحن كنا أميين في ذلك الوقت، لم نكن نعرف ما يجري من حولنا. كل ما عرفته أن الأمر خطير جدا، خصوصا عندما رأيت بعض الجنود الفرنسيين يبكون داخل الثكنة وألحوا على العودة إلى فرنسا..". وأضاف بنبرة حزينة بعدما عاد بذاكرته إلى الوراء "انتابني الخوف لأنني علمت أن تأثيرات التفجير ستنعكس سلبا على سكان المنطقة في السنوات القادمة. وهوما حدث فعلا. فقد فقدت بصري مع الكثير من أبناء هذه المنطقة، وتفشت أمراض لم تشهدها رقان قط، إضافة إلى تراجع المنتوج الفلاحي الذي يعد النمط المعيشي الوحيد للسكان. حيث استيقظ أهل رقان على دوي انفجار كبير حول سماءها الي سواد".
وتقع منطقة رقان في أقصى الجنوب الغربي للجزائر (على بعد 1500 كلم من العاصمة) قرب الحدود مع موريتانيا، ومالي وهي تتربع على مساحة إجمالية تقدر ب124 ألف كيلومتر مربع ويقطنها 20 ألف نسمة، وهي إحدى البلديات الأكثر أهمية في ولاية أدرار. مناخها حار صيفا وبارد شتاء، وتضاريسها خالية من الجبال والأودية، لتحل محلها صحراء شاسعة. أوتادها سلسلة من الكثبان الرملية غير متناهية، واستطاع الإنسان أن يصنع لنفسه حياة بها منذ قرون عديدة، سمتها التحدي. هذا البعد الاستراتيجي لموقعها جعل السلطات الاستعمارية الفرنسية تختار أرضها لتكون مكانا ل"فضلاتها النووية"، وقالت للعالم حينها إن المنطقة خالية من السكان. لكن العلماء دحضوا لاحقا هذه النظرية وأكدوا أن الحياة كانت موجودة برقان قبل تأسيس الإمبراطورية الفرنسية الأولى.
وبدأت فرنسا سلسلة تجاربها النووية بالصحراء الجزائرية منذ سنة 1960 وبالضبط في المكان المسمى "حموديا" ، الذي يبعد عن مدينة رقان ب60 كيلومترا. حيث نفذت تفجيرا ضخما جدا في تاريخ التجارب النووية عبر العالم فاقت طاقته ثلاثة أضعاف تفجير هيروشيما باليابان سنة 1945، وسميت العملية الأولى ب"اليربوع الأزرق"، نسبة إلى لون العلم الفرنسي بغية المباركة للانضمام إلى النادي النووي. ولم تتوقف فرنسا عند هذه العملية، فقد قامت بثلاثة تفجيرات أخرى بالمنطقة أطلق عليها "اليربوع الأبيض" ثم "اليربوع الأحمر"، وذلك حسب ترتيب ألوان العلم الفرنسي، لتليها عملية تفجيرية أخرى سميت ب"اليربوع الأخضر" نفّذت يوم 2 أفريل 1961. وبذلك عرفت رقان أربعة تفجيرات نووية سطحية خلال سنتين لتنتقل التجارب بعد ذلك إلى منطقة عين اينكر بجبال الأهقار الواقعة بولاية تمنراست في أقصى الجنوب الشرقي للجزائر. وهناك أجرت فرنسا 13 عملية تفجير نووية باطنية بدأت في 18 مارس 1963 بتجربة أطلق عليها اسم "مونيك".
ويروي الشيخ الحاج عبد الله أعبللة (من مواليد 1937)، الشاهد على فترة الإعداد للتجارب النووية، قائلا إنه عايش منذ عام 1958 تحضير قوات الاحتلال لعتاد ضخم للقيام بعملية أشغال كبرى. ويروي كيف تم تجنيده للعمل عند قوات الاحتلال، وقال في هذا الإطار،"كانت البطالة متفشية بشكل رهيب وقلة الغذاء تفعل فعلتها بالمواطنين. كان أبي بسيطا جدا لا يستطع تلبية احتياجات الأسرة، فذهبت للعمل عند العسكريين، ولم أدرك على الإطلاق أن هذا المشروع الذي نعمل به سيدمر منطقتنا. والبداية كانت بتأسيس القاعدة العسكرية القريبة الآن من حي "زرافيل" نحو7 كلم جنوب مدينة رقان وكانت مخصصة للقادة والخبراء المكلفين بهندسة المشروع الذي جند له 6500 عامل فرنسي و3500 عامل جزائري جاؤوا من مناطق مختلفة". ويتابع قائلا: "كان التمييز واضحا منذ البداية حيث أسندت لنا المهام الشاقة، إذ كلفنا بتعبيد طريق الثكنة العسكرية إلى القاعدة المنجزة بالقرب من مكان التفجير. كنّا نعمل نحو15 ساعة في اليوم، وأنجز كل ذلك في ظرف وجيز جدا لأن العمل كان ليل نهار، وهوما عكس رغبة فرنسا في الالتحاق بالدول النووية". ويضيف الشيخ عبد الله: "كل شيء تم في ثلاث سنوات تقريبا. ففي يوم 12 فيفري 1960 ليلة تفجير العملية الأولى وزعت على الجنود قلادات تحمل نفس الترقيم الموجود على بطاقاتنا المهنية وقيل لنا إن يوم غد ستنفجر القنبلة، فلا أحد يخرج من منزله. أغمضوا أعينكم ولا تنظروا الى السماء. وبلّغوا هذا إلى أهاليكم وجيرانكم". وتابع: "في اليوم الموالي وبالتحديد يوم 13 فيفري عند الساعة السابعة وأربع دقائق استيقظ سكان رقان والمناطق المجاورة على وقع انفجار ضخم جدا جراء التجربة النووية. تلبّدت السماء بالسحب السوداء واهتزت الأرض من حولنا. وشعرنا بزلزال عنيف حتى قال البعض منا إنه قيام الساعة أوهو يوم القيامة..".
ولا يزال كثيرون في منطقة رقان الآن يتذكرون هول التفجير. ومن بين هؤلاء الحاج محمد سركوالذي قال: "كنت تلك الليلة نائما أنا وعائلتي المكونة من زوجتي وابنتي وولدي، وفجأة شعرت أن سقف المنزل المسقف من الخشب وورق النخيل مشدودا بالطوب المحلي قد أزيح من مكانه وأصبحنا في العراء.. صرخت وأيقظت أبنائي وزوجتي وخرجنا لنجد سكان الحي مصابين بالدهشة والاستغراب. وعلى الرغم من أن قائد الحي كان أخبرنا بالانفجار، فإننا لم نكن نعلم أنه سيكون بهذه الفظاعة.
جزائريون استعملتهم فرنسا كفئران لتجاربها النووية..
ويشير مؤرخون إلى أن السلطات الفرنسية جاءت بنحو 150 جزائريا من معتقل "قروسوي" في مدينة تلاغ بولاية سيدي بلعباس لدراسة المتغيرات الإشعاعية الطارئة عليهم بعد عملية التفجير. واعتبر الباحث الفرنسي برونوباريلو، المتخصص في التجارب النووية الفرنسية، أنها جسدت أقسى صور الإبادة بحق السكان المحليين وأسرى جيش التحرير الجزائري. وأفاد باريلوفي كتابه الشهير "ضحايا التفجيرات النووية يتناولون الكلمة" أنه تم استخدام هؤلاء الأشخاص لاختبار مفعول الإشعاعات النووية إثر تفجير قنابل بلغت قوتها أكثر من 630 كلم وامتدت مساحة إشعاعاتها النووية إلى 700 كيلومتر بما تسبب في حرق قطاع واسع من أراضي الجنوب الجزائري ونجم عنها كوارث بيئية وإنسانية ظلت طي الكتمان. بينما ذهب بحث تاريخي آخر إلى أن فرنسا استخدمت 42 ألف جزائري كفئران تجارب خلال التفجيرات النووية بالصحراء الجزائرية بين 13 فبراير و27 ديسمبر 1960. ورصد باحثون كثيرون تأثير تلك التجارب النووية على صحة الإنسان والبيئة في الصحراء الجزائرية. فقد ذكر الدكتور كاظم العبودي من معهد العلوم الطبيعية بجامعة وهران في دراسة عنوانها "التجارب النووية الفرنسية ومخاطر التلوث الإشعاعي على الصحة والبيئة في المدى القريب والبعيد"، أن الإشعاع يؤثر على الجسم بطريقتين؛ مباشرة وغير مباشرة. وأوضح أن الإشعاع يتسبب أولا في تكسير الروابط بين الذرّات المكونة لجزيئات مواد الأعضاء والخلايا وتكوين جزيئات غريبة، ثم يصل تأثير الإشعاع إلى نواة الخلية فيجعلها تنقسم بشكل سريع وغير محكوم وهذا ما يعرف بالنمو السرطاني.
وأضاف أن الإشعاع يؤثر على الجينات الوراثية مما يسبب تغيّرا في تركيبها وبالتالي حدوث تشوهات في الأجنة. أما التأثير غير المباشر، حسب العبودي، فينتج عن تحلل الماء بالخلايا والجسم بفعل الإشعاع معطيا نتائج كيميائية سامة تؤثر على الخلية وقد يمتد تأثيرها إلى الخلايا المجاورة، والأخطر في هذه التأثيرات ما تتركه من تشوهات خلقية وإصابات للكروموزومات خصوصا لدى الأطفال والأجنة في الأرحام.
ويبدوأن هناك صدى لنتائج هذه الدراسات العلمية عند السلطات الصحية المحلية في موقع التجارب النووية. فالمؤسسة العمومية الاستشفائية في رقان تقول إن هناك إقبالا متزايدا من السكان على إجراء الفحوصات للكشف عن أمراض السرطان خلال السنوات الأخيرة. ويقول مدير مصلحة الوقاية بالمؤسسة إنه تم التأكّد من تسجيل 4 حالات لمرض السرطان منذ مطلع السنة الجارية فقط بعد إجراء فحوصات معمقة بالجزائر العاصمة. وبلغة الأرقام تم، منذ مطلع الألفية، تسجيل ما يقرب من 150 حالة لمرض السرطان. وأكد عدد من المواطنين تسجيل عشرات الوفيات خلال هذه الفترة. وهي أرقام لم تسجل بالمؤسسات الاستشفائية بالمنطقة وإن كان القائمون على المجال الصحي لم يؤكدوا أن هذا المرض وأمراض أخرى لها علاقة بالإشعاعات النووية وذالك لعدم وجود دراسات صحية متخصصة. وإضافة إلى السرطان انتشرت بمنطقة رقان وبشكل رهيب جدا ظاهرة مرض الرمد الحبيبي والعمى. وقام مئات السكان في رقان بإجراء عمليات جراحية في مصحات مختلفة داخل وخارج الجزائر، فيما أكد بعض الأهالي أن العشرات فقدوا بصرهم خلال السنوات القليلة التي أعقبت التجارب النووية.
وإضافة إلى ذلك، برزت في الآونة الأخيرة ظاهرة الأمراض المزمنة والصدرية والتنفسية والمسالك البولية والأمراض الإسهالية عند الأطفال، حسبما يشير إليه الدكتور أوسيدهم مصطفى، الذي يشتغل بمستشفى رقان منذ 20 سنة حيث يقول: "في نهاية الثمانينات ومطلع التسعينات كنت أستقبل ما بين 100 إلى 300 شخص لإجراء الفحوصات، أما في السنوات الأخيرة فالعدد صار يتجاوز 3500 شخص". ومن بين الحالات المرضية التي وقفنا عليها في رقان أيضا مرض الجنون الذي انتشر بكثرة، وهوأحد الأمراض الوراثية، حيث أوضح لنا أحد العارفين بمجال الطب أنه توجد عائلة بأكملها أصيب أفرادها بأمراض عقلية لأن الوالد كان يعمل بموقع التفجير وأصيب بالجنون بعد أيام فقط من تفجير القنبلة النووية وأصيب بهذا المرض من هول ما رآه فضلا عن التشوهات الجلدية والعاهات والشلل الجزئي وبعض الحالات المرضية التي عجز الأطباء عن تشخيصها".
وحول التأثيرات البيئية للتفجيرات، يشير الدكتور كاظم العبودي في دراسته إلى أن التجارب النووية نجمت عنها تغيرات مفاجئة في المناخ مثل حركة الكثبان الرملية في المناطق التي عانت من عوامل التعرية الهوائية. وفي مجال الثروة الحيوانية والنباتية أدت الإشعاعات إلى انخفاض في الثروة الحيوانية والتنوع الأحيائي واختفاء عدد من الزواحف والطيور المهاجرة والعابرة والمتوطنة.
الأرض لم تعد تعطي وأشجار النخيل أصابها العقم
ويقول عبد الرحمن سعداوي أحد الشاهدين على المأساة: "عشنا أياما عصيبة بسبب تراجع الفلاحة عقب عملية التفجير، فالأرض كانت تمنحنا كل خيراتها فوهبنا لها حياتنا وليس لنا مصدر رزق غيرها. إلا أنها لم تعد تعطي مثلما كانت، وأصبحت الغلة (المنتوج) ضئيلة جدا. حبات الزرع والشعير تغير شكلها كثيرا وأشجار النخيل أصابها العقم، والمنطقة فقدت مادة التمور بعدما كانت تصدرها إلى المناطق المجاورة، أما الثروة الحيوانية فأصيبت بالهرم حتى أن بعضها أنجب سلالات غريبة".
ويشير سكان المنطقة إلى أن رقان كانت الممول الرئيسي للدول الأوروبية بالطماطم، حتى أنه في بعض الأحيان كانت تقلع ثلاث طائرات باتجاه بروكسل وفرانكفورت ومارسيليا مع بداية السبعينات. وحسب رئيس مقاطعة الفلاحة ، وهوأحد سكان رقان، فإن كمية الإنتاج كانت تصل إلى 40 طنا يوميا من الطماطم و70 قنطارا في الهكتار الواحد من الحبوب. أما اليوم فالمنطقة صارت عاجزة عن تحقيق الاكتفاء الذاتي لسكانها. ويضيف سعداوي أنه خلال سنوات التجارب النووية همس إليه أحد الجنود الفرنسيين قبل مغادرته رقان وقال له إن تأثيرات التفجيرات ستتجلى بعد ثلاثين سنة على صحة الإنسان والبيئة على حد سواء. ويضيف: "الآن أصبحت أؤمن أن الظواهر السلبية الصحية والبيئية المتفشية هي من جراء التجارب النووية الفرنسية وللاشارة هناك مواليد جدد هم اليوم شباب ولدوا بعاهات ولا تزال مخلفات التجارب النووية موجودة في الصحراء الجزائرية، حيث يلاحظ انتشار واسع للنفايات بحمود يا مكان التفجير، كما أن السلطات الفرنسية وضعت العتاد الضخم قبل رحيلها داخل أنفاق. وتم وضع عتاد آخر وسط حفر كبيرة وتم ردمها بالرمال. كما أن بعض المعدات الخفيفة باقية على سطح الأرض وتم نقل الكثير منها إلى المجمعات السكنية بسبب جهل السكان بخطورة هذا العتاد الحامل للإشعاعات النووية".
وبسبب خطورة المنطقة، قامت السلطات الجزائرية في المنطقة بعزل مكان التفجير بسياج يمتد طوله عدة كيلومترات، مشعرة الوافدين إلى المكان بالخطورة. كما أن فرنسا عند مغادرتها قامت بتكسير الطريق الذي تم تعبيده مع بداية المشروع ووضعت حواجز لمنع الوصول إليه، ربما، للحيلولة دون وقوف الناس لاحقا على مدى الأضرار، لكن الناس اكتشفت طرقا أخرى للوصول إلى المكان على الرغم من صعوبة ذلك.
سكان رقان يطالبون بمراكز متخصصة للكشف عن الإشعاعات
ويسعى جزائريون كثيرون إلى معرفة التفاصيل التي أحاطت بالتجارب النووية، خصوصا أن فرنسا لم تكشف عن تلك التفاصيل، والملف مصنف في أرشيف محافظة الطاقة الذرية التابعة لوزارة الدفاع الفرنسية تحت عبارة "سري للغاية"، ولا يجوز الاطلاع عليه قبل مرور ستين سنة.
وعلم سكان رقان بما أعلنته السلطات الفرنسية عن عزمها تعويض ضحايا تجاربها النووية، لكن السلطات المحلية عبرت عن استغرابها لعزم فرنسا تعويض الناس دون قيامها بما هومهم أيضا وهو إزالة النفايات النووية. حيث شدّد رئيس بلدية رقان على ضرورة إزالة النفايات النووية، وقال "إن السكان ليسوا بحاجة إلى مليارات الدولارات وإنما إلى مراكز متخصصة للكشف عن الإشعاعات النووية، لأن جميع سكان المنطقة أصبحوا ضحايا.
وهناك جمعية جزائرية تعنى بالملف تطلق على نفسها "جمعية 13 فبراير 1960"، ناضلت منذ سنوات للتعريف بالقضية، فقامت بحملة للتحسيس والتوعية بخطورة الوضع. وترى هذه الجمعية قرار فرنسا بتعويض الضحايا هوبداية الخروج من مرحلة والانتقال إلى أخرى، معتبرة أن السلطات الفرنسية استجابت للضغوطات التي مارستها وسائل الإعلام المحلية الوطنية والأجنبية على هذا الملف. أما بخصوص التعويض المادي فيقول رئيس الجمعية عبد الرحمن أقصاصي: "ليس هذا ما نبحث عنه، وهذا الأمر لن يفيد المنطقة في شيء. نحن بحاجة إلى ما يعود بالفائدة على المنطقة والمناطق المجاورة". أما عبد الرحمن لحباب، وهومهندس في الكيمياء وأحد أعضاء "جمعية 13 فبراير 1960"، فيرى أن التعويض المادي يعد احتقارا لأهالي المنطقة لأن فرنسا مخطئة عندما تعتقد أن الضحايا هم الذين كانوا يعملون في موقع التفجير، مشيرا إلى أن الضحايا هم الأجيال القادمة، ومستقبلهم الآن في خطر. ويتابع قائلا: "قبل التعويض يجب الاعتراف بالجريمة أولا ثم تقديم الاعتذار. لأن الجريمة كانت فظيعة جدا". ومن جهتها، ترى مصادر من وزارة المجاهدين أن قرار التعويض مؤشر إيجابي من شأنه أن يدفع إلى مواقف إيجابية أخرى تخص الجرائم الأخرى التي ارتكبت في حق الجزائريين خلال فترة الاحتلال. وتشير المصادر إلى أن الاعتراف بالمجازر والاعتذار عنها وتعويضها، هي قضايا لن تسقط أبدا من قاموس الحقبة التاريخية الأليمة للجزائريين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.