احتضنت أوبرا الجزائر "بوعلام بسايح"، سهرة أول أمس، حفلا تكريميا على شرف عمالقة الفن الجزائري الراحلين رحمهم الله؛ رابح درياسة، محمد العماري وعبد الرحمان عزيز، في خطوة أريد أن تكون رسالة معبرة، تهدف إلى تكريم المعالم الأساسية للثقافة الجزائرية التي تشكل إرثا تذكاريا جماعيا يجب نقله إلى الشباب المتعطش، للتعرف على تراث الأجيال والحفاظ عليه وتثمينه، قصد نشره وتخليده في اتجاه الأجيال الصاعدة من الأبناء والأحفاد. الحفل الذي حضرته وزيرة الثقافة والفنون وفاء شعلال، إلى جانب وزير الاتصال محمد بوسليماني، والأمين العام للمحافظة السامية للأمازيغية سي الهاشمي عصاد، والأسرة الثقافية والفنية، أحياه كل من سمير تومي، توفيق عون وسامي زرياب، رفقة أوركسترا المنوعات التابعة لأوبرا الجزائر، بقيادة المايسترو فتح الدين محالة. تصادف الحفل مع الذكرى الثانية على وفاة أحد أبرز أصوات الأغنية الجزائرية، الفنان محمد العماري، الذي سحر أكثر من جيل، ومثل باقتدار الجزائر المستقلة على مدار 65 سنة من مسيرة حافلة، قدم خلالها ما يربو عن 150 أغنية مسجلة. انطلقت مسيرة ابن حي القصبة العريق محمد العماري (1940-2019) في عالم الموسيقى، منذ طفولته، حيث تعامل مع العديد من قامات الموسيقى الجزائرية، على غرار محمد لحبيب حشلاف، محبوباتي ومصطفى تومي. وسريعا ما أصبح الفنان الراحل رمزا للحيوية والبهجة، بفضل أناقته وصوته القوي الذي صدح في إفريقيا وآسيا وأوروبا، وهو الذي كان شعاره في الحياة "التميز لإثبات الوجود"، وساهم في إشعاع الثقافة الجزائرية، كما تشير إليه أغنيته "رانا هنا". اشتهر العماري بأدائه الأغنية الشهيرة "أفريكا" رفقة الأيقونة مريم ماكيبا، من جنوب إفريقيا، والتي عبرت عن تبني الراحل والتزامه بقضايا التحرر النبيلة، ووعيه بأهمية الأغنية والثقافة لإبراز ونصرة هذه القضايا، وقد دافع فقيد الأغنية الجزائرية بفخر عن ما حققه من نجاح بالغناء في أبرز المدن الكبرى عبر العالم، وفي تظاهرات رفيعة حظيت برعاية أكبر الشخصيات السياسية والثقافية. «ما نسيتشي"، "آه يا قلبي"، "جزائرية" وغيرها من الأغاني التي كرم بها الراحل محمد العماري المرأة الجزائرية، وأيضا وطنه الجزائر. وعلاوة عن أغنيته الثنائية مع مريم ماكيبا، فقد أهدى بعض أغانيه إلى وجوه نضالية بارزة، مثل "شي غيفارا" و"نلسون مانديلا". بعد سلسلة من التكريمات، تم في 2017 منح محمد العماري وسام بدرجة "عشير" من مصف الاستحقاق الوطني، وأصدر له بيوغرافيا بعنوان "تينور القصبة"، من إنجاز الصحفي عبد الكريم تازاروت. للإشارة، وفي نفس سلسلة التكريمات، نظمت دار الأوبرا، سهرة أمس الجمعة، حفلا تكريميا آخر على شرف سيدات الغناء والموسيقى الجزائرية؛ المطربة الكبيرة الراحلة سلوى التي عايشت قامات الفن الجزائري، نرجس وهي نجمة أخرى تملك من القيمة والأصالة، زيادة على نادية بن يوسف التي تعد حاليا من أيقونات الموسيقى الجزائرية، فضلا على سليمة ماديني، موسيقية على آلة البيانو، أستاذة ورئيسة سابقة لجمعية "السندسية".