سلم الأستاذ عبد الحق بن باديس (101 عام) شقيق العلامة عبد الحميد بن باديس، أول أمس، لمتحف "المجاهد" بالعاصمة أغراض أخيه التي ظلّ محتفظا بها لأكثر من 70 عاما ليضعها تحت تصرّف الباحثين ويطلع عليها الجمهور، خاصة الشباب منه، معلنا أنه أدى بذلك الأمانة واستراح من هذا الإرث الثقيل الذي تحمل مسؤوليته طويلا.. وبدا متأثرا بحفل تكريمه مع عائلته متمنيا أن يبقى الشيخ العلامة ونضاله نبراسا تهتدي به أجيال الغد. عرضت هذه الأغراض في جناح خاص بالقاعة الكبرى للمتحف، وهي تضم، إجازة القراءات السبع وقشابية وعكاز عليه اسم الشيخ وكرسي خشبي أخضر وأفرشة صوفية لا تزال على حالها وبطانية مخططة وشهادة التطويع ودفتر التلاميذ للشيخ وأعداد من "البصائر" ومذياع. وقد اعتبر وزير المجاهدين وذوي الحقوق العيد ربيقة "هذه المناسبة، وقفة تقدير وعرفان للسيد عبد الحق ولكل عائلة بن باديس بقسنطينة لمساهمتهم في إثراء رصيد المتحف بالوثائق التاريخية والأغراض الشخصية للشيخ بن باديس". ودعا الوزير الذي يرافق هذه العملية منذ سنة، كل من يملك رصيدا وثائقيا أو أغراضا أو مقتنيات ذات الصلة بتاريخ المقاومة الشعبية والحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر إلى تقديمها للمؤسسات المتحفية للمجاهد على المستوى الوطني، باعتبارها المكان الطبيعي المؤهل لاحتضان هذه الشواهد التاريخية والرافد المثالي لضمان الترابط بين الموروث التاريخي والأجيال الصاعدة. كما استعرض الوزير جانبا من تاريخ ونضال العلامة، ليهنئ في الأخير، أسرة التعليم في الجزائر بمناسبة يوم العلم . من جهته، أشار الأستاذ عبد الحق بن باديس في كلمته، إلى أنّ هذه الأغراض كانت مسؤولية ثقيلة على أكتافه وسلمها كأمانة للمتحف بعدما حافظ عليها لمدة 70 عاما وأنقذها من الضياع والغبار، حيث كان بعضها ب"المسجد الأخضر"، ومن ذلك الكرسي الذي استعمله الشيخ طيلة سنين ولم يفارقه إلاّ قبل أسبوع من وفاته أي في 8 أفريل 1940.. وهناك أيضا دفتر الطلبة الذي يضم أسفاره العلمية إلى تونس والقاهرة والإسكندرية والحجاز، أما القشابية و"الزاورة" (البطانية) فكانتا في مطبعته. وأوضح المتحدث أنه لا يزال يبحث عن أغراض أخرى للشيخ سيدي حامد (العلامة ابن باديس)- مثلما كانت تناديه عائلته- ومن ذلك محفظته التي أهدته اياها تلمسان بعد ختمه تفسير القرآن الكريم، زيادة عن فيلم تسجيلي لجنازة الشيخ، سيهديه للتلفزيون الجزائري كي يبثه. وأنشد الأستاذ عبد الحق بالمناسبة أشعار ابن باديس الوطنية التي كانت تزداد حدة مع السنوات، وبدا في كامل هدوئه ورزانته لا ينسى شاردة ولا واردة. وشهدت الاحتفالية تدخلات عديدة من الحضور، منهم السيدة زهور ونيسي التي ساهمت في هذه العملية، حيث رجعت إلى ذكريات التعليم بقسنطينة وقالت إنّ مكتبة الشيخ ستكون في "جامع الجزائر". ومن بين المتدخلين أيضا، وزير الاتصال محمد بوسليماني الذي قال إن "هذا اليوم سيبقى في حياتي حتى آخر يوم فيها"، أما وزير الشؤون الدينية والأوقاف يوسف بلمهدي فاستعرض تعلقه بتراث ابن باديس منذ أن كان طفلا وتحدث عن امتداد تأثير هذا العلامة عبر العالم الاسلامي. وتدخل كذلك كل من الدكتور عمار طالبي، جامع التراث الفكري للعلامة والبروفيسور قسوم رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، الذي ثمن المبادرة الهادفة لتكريم رجال الأمة الجزائرية. أما الأستاذ بزيان فقال إن عديد رسائل الدكتوراه في فرنسا أنجزت عن ابن باديس، فيما حث الدبلوماسي بلقبي على التوجه إلى عائلة سراج العربي مصور ابن باديس للحصول على صوره، علما أنه وعد هو أيضا بتسليم بعض منها، وذكر بحضوره جنازة ابن باديس وكان عمره 7 سنوات، وشهد مضايقات بعض الفرنسيين التي كادت تحوّل الجنازة إلى فوضى. بعدها تم بث فيلم تسجيلي يرصد عملية تسليم الأغراض في بيت ابن باديس بقسنطينة بحضور الأستاذ عبد الحق وابنته وكذا السيد مراد أوزناجي مدير متحف المجاهد، الذي تعهد بأن يكون هذا الإرث وديعة تصان دوما. ليتم في الأخير الإعلان عن افتتاح جناح ابن باديس بالمتحف وتكريم الأستاذ عبد الحق نظير ما قدّمه.