أصيب سكان العاصمة الليبية، بصدمة أمس، بعد اشتباكات ليلية عنيفة اندلعت بين مجموعات مسلحة وسط المدنيين بقلب طرابلس في مؤشر على الفوضى التي لا تزال تتخبط فيها ليبيا رغم كل الجهود والمساعي الرامية لاستتباب الأمن والاستقرار المفقودين في هذا البلد العربي منذ اكثر من عشرية كاملة. وشهدت منطقة وسط طرابلس، وتحديدا جزيرة سوق الثلاثاء، اشتباكات بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة، أول أمس الجمعة بين مليشيات قوة الأمن العام "قوة دعم الاستقرار"، ومليشيات "النواصي" منقسمة التبعية بين حكومة عبد الحميد الدبيبة والمجلس الرئاسي خلفت سقوط قتيل على الأقل في صفوف المسلحين وأضرارا مادية معتبرة في ممتلكات المواطنين خاصة السيارات. وحسب مسؤول في الداخلية الليبية لم يكشف عن هويته فإن المواجهات، اندلعت بعد أن قامت كل من الميليشيتين باعتقال مقاتلين من المعسكر المعارض. وأشار إلى أن الأمر تطلب وساطة مليشيا أخرى تعرف باسم "444" لإنهاء الاقتتال والتي سخرت عرباتها العسكرية المتواجدة في المنطقة لحفظ الأمن وحماية المدنيين، ليتم بعدها إعادة فتح الطرق وعودة حركة السير العادية. وعبر سكان العاصمة الليبية الذين انتابهم الرعب والخوف عن صدمتهم لمثل هذه المواجهات العنيفة التي لم يسبق أن شاهدوا مثيل لها الا خلال الثورة التي أطاحت عام 2011 بالعقيد الليبي السابق معمر القذافي. وبينما أكد شهود عيان، اندلاع إطلاق النار بطريقة عشوائية بمنطقة سكنية، أظهرت مشاهد وصور حالة الرعب التي انتابت العديد من المواطنين الذين وجدوا أنفسهم في قلب المواجهات التي بلغ نطاقها احدى الحدائق العامة التي كانت تعج بالأطفال. ورغم أنه لا توجد مؤشرات إلى غاية أمس بوجود علاقة بين اندلاع هذه الاشتباكات والخلافات السياسية القائمة بين الفرقاء الليبيين، إلا أن اندلاعها بين مليشيا "قوة دعم الاستقرار" الموالية للدبيبة و"النواصي" المعروف عنها تأييدها لرئيس الحكومة المعين من قبل برلمان طبرق، فتحي باشاغا، يطرح أكثر من علامة استفهام حول مصير مثل هذه المواجهات التي بدأت حدتها تشتد في ظل استمرار الخلافات بين السياسيين الليبيين. وهو ما جعل سفير الاتحاد الاوروبي في ليبيا، خوسي ساباديل، يعبر عن صدمته لما وقع ليلة وكتب في على موقع "تويتر" أن "ما حدث بالأمس صادم ومخزي، أسلحة استخدمت في حديقة حيث يلعب الأطفال ويركضون". من جانبها ناشدت بعثة الأممالمتحدة للدعم في ليبيا، الأطراف السياسية والأمنية لممارسة أقصى درجات ضبط النفس والتحلي بصفات القيادة المسؤولة وحل الخلافات على الصعيد المحلي، عبر الحوار. وأعربت البعثة الأممية، في بيان نشرته عبر موقعها الرسمي، عن قلقها البالغ ازاء الاشتباكات التي وقعت في العاصمة طرابلس، بين مجموعات مسلحة أدت لتعريض حياة المدنيين للخطر، مناشدة جميع الليبيين لبذل كل ما بوسعهم للحفاظ على استقرار البلاد في هذا الوقت الحرج. وأكدت على بذلها الجهود مع من وصفتهم بالشركاء الدوليين والأطراف الليبية في سبيل حلحلة الأوضاع عبر المحادثات الرامية لوضع إطار دستوري يمكن من تنظيم انتخابات وطنية في أقرب فرصة ممكنة، مشيدة في ختام بيانها بجهود الأعيان والأطراف الليبية على نزع فتيل الاحتقان وحلّ الأزمة السياسية في البلاد. وكان رئيس المجلس الأعلى للدولة الليبية، خالد المشري، طالب كلا من المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة منتهية الولاية، بفتح تحقيق فوري بشأن هذه الاشتباكات وبنشر نتائج التحقيق للرأي العام ومعاقبة المتورطين. وشدّد على ضرورة التحقيق في مثل هذه الاحداث التي تهدد أمن واستقرار السكان "وإلا فإننا نحملهم كامل المسؤولية عن حالة الفوضى والاستخفاف بأرواح وممتلكات المدنيين"، واصفا وقوع اشتباكات في منطقة مكتظة بالعائلات بمثابة "استهتار بأرواح المواطنين من قبل مجموعات مسلحة غير منضبطة". وتشهد العاصمة الليبية طرابلس بشكل دائم اشتباكات بين المليشيات المسلحة المتقاتلة على النفوذ وأماكن السيطرة، ازدادت حدتها مع فشل الفرقاء الليبيين في تنظيم انتخابات عامة في 24 ديسمبر الماضي والتي كان من سلبياتها عودة اشكالية ازدواجية السلطة التنفيذية في ظل وجود حكومتين متنازعتين على السلطة بقيادة عبد الحميد الدبيبة وفتحي باشاغا.