يعتبر حي "سيدي الهواري" العتيق بمدينة وهران، من بين أقدم أحياء حوض البحر الأبيض المتوسط. كما يعد متحفا مفتوحا على الهواء الطلق، يحكي عدة حقب تاريخية، أفرزت مزيجا من العمران القديم والعصري بطابع مميز. وهو محل اكتشاف الوفود الأجنبية والزوار بمناسبة الطبعة 19 للألعاب المتوسطية. يعود اسم هذا الفضاء العمراني التاريخي إلى العالم الجليل سيدي الهواري، والذي يتواجد ضريحه بنفس الحي، فلهذه الشخصية الدينية محبة كبيرة في قلوب الوهرانيين. وتتميز قبة هذا المعلم بطراز معماري رائع، ومصنفة ضمن التراث الوطني. ويقصد ضريحه، يوميا، النساء، يلتمسن منه البركة، والعائلات القادمة من مختلف ولايات الوطن وحتى الأجانب. وتقام له وعدة، أصبحت مع مرور الزمن، تقليدا سنويا، ما زاد من شعبية هذا الحي. وينفرد الحي بمعالم تاريخية وأثرية متنوعة، حيث يزخر ب 63 موقعا، تعتبر شواهد تاريخية تحكي مختلف الحقب التي عرفتها مدينة وهران من ما قبل التاريخ إلى العهد الفنيقي، إلى الحضارة الإسلامية، مرورا بالاحتلال الإسباني والعهد العثماني، ثم الاستعمار الفرنسي، وفق مديرية الثقافة والفنون بالولاية. ومن أبرز هذه المعالم قصبة وهران المتربعة على ستة هكتارات، والتي تشكل نواة مدينة وهران، وتعد من أقدم الأحياء على مستوى الوطن، حيث تأسست في 903 ميلادي. وتتميز بهندسة معمارية عربية موريسكية. وتحوي بين أرجائها عدة معالم تاريخية أثرية. وتم احتلالها من طرف الإسبان في 1509، استنادا إلى مصادر تاريخية. وأهم ما يميز شباب حي سيدي الهواري الذين يحذوهم أمل تصنيف حيهم ضمن التراث العالمي، حرصهم على نشر ثقافة المحافظة على المعالم التاريخية عبر صفحات التواصل الاجتماعي، وإبرازها، وتثمينها من خلال تنظيم جولات سياحية أو حملات، لتنظيف هذه المواقع التي تعتبر ذاكرة وهران، ومنتوجا سياحيا بامتياز. وأدرج هذا الحي العتيق من بين المسارات السياحية التي أتاحت لضيوف وهران المشاركين في ألعاب البحر الأبيض المتوسط، التعرف على مختلف المعالم والمواقع التاريخية، والسياحية لعاصمة غرب البلاد. جهود لرد الاعتبار للحي جرى تصنيف حي سيدي الهواري كقطاع محفوظ، بموجب مرسوم تنفيذي صدر في فبراير 2015، حسب ما ذكر رئيس مصلحة التراث بمديرية الثقافة والفنون للولاية، جمال بركة، الذي أشار إلى أن هذا التصنيف يعد مكسبا لمدينة وهران، وتثمينا للتراث المادي وغير المادي الذي يزخر به هذا الحي. ويضم هذا القطاع الذي يتربع على مساحة 70 هكتارا و39 آرا، 24 معلما أثريا وتاريخيا، مصنفة ضمن التراث الوطني، أبرزها القصبة، والحصون والقلاع، والقصور، والمساجد العتيقة، والأبواب التاريخية، والمناظر الطبيعية. وتعرف بأول مستشفى يسمى "بودانس"، ومقر الولاية القديم، وحمامات الترك، بعضها جرى ترميمه، والبعض بصدد الترميم، والآخر ينتظر، كما أضاف نفس المسؤول. كما جرى، حسب السيد بركة، تسجيل دراسة للمخطط الدائم لحفظ واستصلاح القطاع المحفوظ سيدي الهواري، يقوم بإعدادها مكتب دراسات معتمد لدى وزارة الثقافة والفنون. وخصص لها في مرحلتها الأولى، غلاف مالي يقدر ب 12 مليون دينار، جرى عرضها منذ شهرين، للمصادقة عليها". ويعتبر هذا المخطط بمثابة وسيلة لتأهيل القطاع، قصد حماية الممتلكات الثقافية المسجلة في قائمة الجرد الإضافي، أو في انتظار التصنيف، والموجودة داخله، مثل ما أشير إليه. وفي 2019، قامت اللجنة الوطنية للممتلكات الثقافية بوزارة الثقافة والفنون، بتصنيف خمسة حصون ضمن قائمة التراث الوطني، وهي حصن "سونتا كروز"، وحصن "قصر الحمراء" (روزال ألكزال)، وحصن "سان غريغوريو"، وحصن "سان بيدرو"، و"سان سنتياغو"، وفق مسؤولة الديوان الوطني لاستغلال وتسيير الممتلكات الثقافية المحمية بوهران سناء نيار، التي أشارت إلى أن هذه الحصون تدخل ضمن النظام التحصيني القديم لمدينة وهران، والذي يتميز بهندسة معمارية تمثل مختلف تطور الحصون الدفاعية عبر التاريخ. وفي نفس السياق، قامت وزارة الثقافة والفنون في مارس 2021، بتنظيم دورة تدريبية عبر تقنية التحاور المرئي عن بعد، حول مشروع تسجيل موقع النظام التحصيني القديم لمدينة وهران، ضمن التراث العالمي، علما أن ولاية وهران تضم 12 حصنا، تعود إلى مختلف الحقب التاريخية. كما جرى تسجيل عمليات ترميم قصر الباي، وبعض المساجد العتيقة، منها مسجد "حسن الباشا"، وبابي "إسبانيا"، و"سانطون"، ومشروع آخر يخص إعادة تركيب باب "كرافنساي" المتواجد على مستوى منتزه "ابن باديس" (ليطان سابقا)، فيما استفادت، مؤخرا، هذه الحديقة التي تعد منظرا طبيعيا مصنفا وطنيا، من عملية تهيئة، وفق مسؤول مؤسسة "وهران خضراء"، هواري كورداسي. ومن جهتها، قامت مديرية التعمير والهندسة المعمارية والبناء لوهران، بتهيئة ساحة "الجمهورية"، التي تعد من بين الساحات العمومية القديمة التي يشتهر بها حي "سيدي الهواري"، إلى جانب تعميم الإنارة العمومية انطلاقا من شارع "خديم مصطفى" (ستالينغراد سابقا) إلى غاية حصن سونتا كروز، الواقع بأعالي جبل "مرجاجو" على طول 9 كلم. كما استفاد الحي في 2009، من مشروع نموذجي لرد الاعتبار للبناءات القديمة، مع الحفاظ على الهندسة المعمارية والتاريخية، بالإضافة إلى برنامج عمليات ترحيل كبرى للقاطنين في السكنات الهشة وتلك المهددة بالانهيار، إلى سكنات جديدة. وبحكم الموقع الجغرافي المميز لهذا الحي الذي لا يبعد عن وسط مدينة وهران إلا ب 10 دقائق يقطعها الراجل عبر السلالم القديمة، ولقربه من الميناء التجاري والصيدي، فكثير من أبنائه عمال بالمؤسسة المينائية أو يمتهنون الصيد البحري حرفة أو هواية، ومنهم من صنعوا مجد رياضة التجديف، وأصبحوا مفخرة هذا الحي، الذي يتوفر على أقدم مسبح " بسترانا" بالولاية. ولا تقتصر علاقة سكانه على الميناء والصيد فقط، بل تربط قدماء "سيدي الهواري" بحكاية سي عبد القادر المعروف ب " طاكسي البحر" أو"زمزم"، الذي قضى 50 سنة في نقل عمال الميناء والمسمكة أو نقل المصطافين في كل موسم، من شاطئ إلى آخر عبر قاربه، حتى أصبح أسطورة شعبية أكثر تداولا بين ألسنة عشاق البحر.