مذكرة تفاهم بين الجزائر ونيجيريا    الجزائر تدعّم التنمية الإفريقية عبر مشاريع كبرى    مقرمان يوقع على سجل التعازي بسفارة كينيا    التحديات المشتركة تستدعي رؤية استراتيجية جامعة    فرصٌ سانحة لتوظيف أصحاب الشهادات    " منتدى الغاز" يرسّم خريطة جديدة لحصص الدول المصدّرة    شراكات بمنفعة متبادلة مع الشركات الأوروبية    "حماس" تؤكد التزامها بوقف إطلاق النار    الأمم المتحدة تحذّر من تفاقم أزمة السودان    وزير اقتصاد المعرفة يؤكد من بسكرة على أهمية مرافقة المشاريع الناجحة لتحقيق مردودية أحسن    الفريق أول السعيد شنقريحة يزور أجنحة معرض "أداكس 2025" بكوريا ويطلع على أحدث الابتكارات الدفاعية    الوادي.. 3700 هكتار لزراعة الطماطم الحقلية    مناقشة موضوع "تحبيس الأملاك العقارية بالجزائر"    كلوب يفتح الباب أمام عودته إلى ليفربول    بلايلي يتعافى ويعود للتدريبات    مدرب "الاتحاد" السعودي يمنح أدوارا جديدة لعوّار    سارق المنازل في قبضة الشرطة    حجز مشروبات كحولية، سيفان وسلاح أبيض    حملة تحسيسية حول آفة المخدرات    إسهام أزلي في تراث الإنسانية وبناء قيمها المعرفية والروحية    مشروع هندسي لإعادة تهيئة الحظيرة الأثرية لتيبازة    ورشات تكوينية في فنون الأداء للأطفال والكبار    للسنة الخامسة على التوالي..الجزائر الأولى عربيا في ترتيب "آرسيف"    الجزائر تترفّع عن الرد    الجزائر ماضية نحو تحقيق تنمية مستدامة    حملة لغرس مليون شتلة    إسبانيا تشيد بجهود الجزائر    دفتر شروط لتنظيم نشاط البريد السريع    ممثّلا الجزائر يتألقان    الخط الأصفر .. الحدود الوهمية للموت    جمعية جسور للمسرح والسينما بالأخضرية تتوج بجائزة في الأردن    وزيرة التضامن تطلق مشروع أكبر مركز للتكفل بالأطفال المصابين بالتوحد والتريزوميا بوهران    وزير الصحة يبحث مع المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية سبل توسيع التعاون في المجال الطبي    الشلف : فرقة البحث و التدخل BRI بأمن الولاية    سكيكدة : والي سكيكدة يحل قضايا المواطنين في ظرف قياسي    جيجل : إتلاف كميات معتبرة من اللحوم الفاسدة    غزة تعانى من حالة تجويع قاسية وهي جريمة في القانون الدولي    العملية تمثل خطوة فارقة في مسار رقمنة الجامعة الجزائرية"    تقديم عرضا شاملا حول البرامج التنموية الكبرى للقطاع    قانون المالية جاء بنهج جديد قائم على الشفافية والمساءلة    إسرائيل تحرم غزة من المساعدات المنقذة للحياة    انطلاق الطبعة ال28 للصالون الدولي للكتاب في 29 أكتوبر    التلقيح المبكر يمنح مناعة أقوى ضدّ الأنفلونزا    ظاهرة موسمية تتجاوز الوصفات الطبية    سميرة بن عيسى تلمع في سماء الأدب    الساورة في الصدارة    وزارة الثقافة تطلق جائزة    مديرية الصحة تدعو المواطنين خاصة المقيمين بسكيكدة وفلفلة للتلقيح ضد "الدفتيريا"    خبراء الصحة يشدّدون على أهمية تعزيز التطعيم واحترام الرزنامة    عودة آيت نوري وعطال تبعث المنافسة بين دورفال ورفيق بلغالي    صادي وبيتكوفيتش يتضامنان معه..أمين غويري يغيب رسميا عن كأس إفريقيا    المنتخب الوطني : بقائمة من 50 لاعباً.. هل يستعد بيتكوفيتش لمفاجأة كبرى؟    فتاوى : حكم قراءة القرآن بدون تدبر    "لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ"    أدب النفس.. "إنَّما بُعِثتُ لأُتمِّمَ صالِحَ الأخلاقِ"    تسجيل خمس حالات إصابة مؤكدة بداء الدفتيريا بولاية سكيكدة    حبل النجاة من الخسران ووصايا الحق والصبر    أفضل ما دعا به النبي صلى الله عليه وسلم..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سلطة الأغنية التي صنعت وجدان الجزائريين ووعيهم
ندوة "الشعر الشعبي ودوره في تطوير الأغنية الجزائرية"
نشر في المساء يوم 04 - 03 - 2023

نظمت الجمعية الجزائرية للأدب الشعبي، أول أمس، بالمكتبة الوطنية، ندوة بعنوان "الشعر الشعبي ودوره في تطوير الأغنية الجزائرية"، قدم فيها الباحث مهدي براشد، عرضا لمسار الأغنية الجزائرية التي ارتبطت بالذائقة الاجتماعية (الذوق)، معبرة عن الجزائري بكل أحاسيسه وانشغالاته، ضمن سياقات تاريخية وسياسية وثقافية متعددة وممتدة لأزمنة مختلفة، بقي فيها الجميل جميلا وذهب الغثاء إلى النسيان.
أكد الأستاذ توفيق ومان، رئيس الجمعية الجزائرية للأدب الشعبي، أن هذه الندوة مهمة، لأنها تمهيد للملتقى العربي لكتاب الكلمات الذي ستحتضنه الجزائر شهر نوفمبر 2023، بحضور كبار الشعراء الغنائيين العرب من تونس (منها الجليدي العويني)، ومن ليبيا مع سالم العالم الذي هو اليوم في أوج عطائه، كما تحضر دول أخرى، منها الأردن والعراق ومصر وغيرها، موضحا أن كل هذه اللقاءات والندوات والقعدات، ما هي إلا توجيه للكتاب، كي يقدموا الأفضل بعيدا عن السوقية والابتذال، مرحبا بالأستاذ براشد المختص في هذا المجال، والذي له اطلاع على مسار الأغنية الجزائرية، وله العديد من الإصدارات التي تساهم في تنوير البحث في مجال الشعر الشعبي، وله معجم "العامية الدزيرية" والكثير من المخطوطات التي تنتظر النشر.
تحدث الأستاذ براشد عن أمرين في الشعر الشعبي، أولهما مسألة الشعر الشعبي، وهل هو أمر محسوم، بمعنى من هو الشاعر الشعبي، والثاني متعلق بمسألة الحكم القيمي، أي بالقاموس المحدد لما هو بذيء وساقط ومبتذل، فهذا الأمر غير محسوم أيضا، فما هو بذيء عن أحدهم قد يكون غير ذلك عند آخر، أو ما قد يكون مبتذلا في هذا المقام قد يكون غير ذلك في مقام آخر، كما أن الأحكام القيمية تخضع لمنظومة قيم غير ثابتة تتطور وتختلف عبر الزمن. قال المحاضر، إن الأغنية منذ أن كانت، ارتبط وجودها بالممارسات الشعبية والمجتمعات وطقوسها، وهنا أشار إلى أنه في بعض الأحيان، نجد شعرا مكتوبا بالفصحى، ومع ذلك يكون شعرا شعبيا وكان غناء شعبيا، وفي أخرى، هناك قصائد كتبت بالعامية الدارجة، ومع ذلك ليست كلمات شعبية ولا أغنية شعبية (أي ليست فنا شعبيا منتشرا بين عموم الشعب يتغنى بها ويحفظها) والسبب، حسب المتحدث، مدى اقتراب هذه الأغنية أو ابتعادها عن الرسميات، بينما الأغنية الشعبية والشعر الشعبي، هي هذه المدونة التي تعبر عن هموم وآمال ومشاغل الشعوب في الهامش أكثر ما تعبر عن خطاب رسمي جاهز. أعطى المحاضر مثالا عن كتاب "الأغاني" لأبي الفرج الأصفهاني في القرن الرابع الهجري، حيث اختار صاحبه عددا من القصائد التي غنت، ولأن الجهة الرسمية (المؤسسة السياسية والدينية والاجتماعية) حينها لم ترض عن الكتاب، فقد نعتته بكل النعوت، لكنه بقي علامة عبر التاريخ لقيمته.
بالنسبة للغناء في الجزائر، فقد قسمه المحاضر إلى قسمين، الأول يتمثل في ما تعلق بالموسيقى الحضرية وما فيها من آلات وترية خاصة في الموسيقى الأندلسية، ثم الموسيقى البدوية وتعتمد على الإيقاع والآلات النفخية، من ناي وبندير، وتنتشر في الغرب الجزائري، الهضاب العليا والصحراء. صنعت الغناء الجزائري، القصائد والكلمات التي نظمت بالدارجة، لاعتبارات تاريخية واجتماعية، علما أن الشعر العربي الفصيح تراجع مع الحكم التركي للجزائر، لأنه لم يكن يهتم بالفنون ذات اللسان العربي في كل العالم الإسلامي، مما أدى إلى ما يعرف بعصر الضعف، ومع ذلك، استطاع المغرب العربي أن ينجو من هذا الضعف بشعر الملحون، ليتطور في المناطق التي بها الوجود التركي قليل، أو أتى متأخرا، لذلك فإن العاصمة التي كان بها الأتراك بقوة، عدد شعرائها قليلون، منهم الكبابطي وقدور بن اسماعيل، عكس الغرب أو الجنوب الجزائري، وفي فترة الاستعمار، حرم الجزائريون من التعليم العربي وأغلقت المدارس، فأصبحت المؤسسة الثقافية الوحيدة هي الزوايا، ثم ظهرت المقاهي التي كانت بمثابة النوادي، ليتحول الشعر من مدونة تؤدى في الزوايا خلال المناسبات الدينية، إلى المقاهي، حيث الحفلات، وهو نوع من المقاومة الثقافية.
بعد الاستقلال، ارتبط "الريبيرتوار" الجزائري بأغان أصلها قصائد شهيرة، ليغني عبابسة ودرياسة ورضا دوماز "حيزية" لبن قيطون، ويغني الفرقاني والعنقى "صالح باي" الشهيرة، ويغني البارا اعمر "راس المحنة" لسيدي بن خلوف، ويغني الفرقاني أيضا "البوغي" لقاب الله، ثم "السرجم" مع "أنا في حماك"، التي غناها العنقى والغافور لقدور بن عاشور، وكذلك "الوشام" لبن مسايب مع الشيخ حمادة واعمر الزاهي، بالتالي هذه المدونة الشعرية حولت مؤدييها لأيقونات، حتى يومنا هذا لم تنطفئ شهرتهم. بالنسبة لأغنية الراي، لم ير فيها براشد الابتذال على طول الخط، بل أدت روائع القصائد، منها "بي ذاق المور" و"بختة"، والسلطة هي من فرضت هذا النوع من الموسيقى في يوم ما، وهي من دافعت عن تصنيفه في "اليونسكو"، علما أن كل مدوتها الشعرية من التراث تقريبا.
كما أن الفصيح موجود في الموسيقى الأندلسية، منها الانقلابات والانصرافات، رغم أنها في فترة من الفترات، لم تكن موسيقى الشعب، بل كان ينظر لها على أنها فن الطبقة البورجوازية، هناك أيضا الفصيح المرتبط بالأغاني الوطنية والأناشيد، ونالت الشهرة في الثورة وبعد الاستقلال، عكس أغاني "البروباغندا" (الدعاية)، ذكر منها المحاضر مثلا؛ أغنية "خذ المفتاح يا خويا" لدرياسة وارتبطت بفترة ما، وبخطاب سياسي عكس الأغاني الوطنية الملتزمة، كما تحققت في فترة من الفترات ظاهرة فنية رائعة مع محبوباتي، الذي التقى فيه الشعر والموسيقى ليرافق الأغنية الجزائرية لأكثر من 40 عاما في كل الطبوع، زد على ذلك، أغاني الفصحى التي تغنى وطرب لها الشعب، منها تجربة الراحل بوليفة مع الشاعر سليمان جوادي، كرائعة "ما قيمة الدنيا" و"ضم الحبيب حبيبه" لعاشور فني، معطية طابعا آخر للأغنية الجزائرية، انتشر صداها في المشرق، ثم أتت فترة الإرهاب وكان معها السكون وبعض من الراي، لتظهر بعدها ظاهرة أغاني الملاعب التي سبقت النخب في طرح انشغالات الجزائريين.
توقف المحاضر أيضا عند مسألة السياق العام (الظروف)، الذي يساهم في نجاح الأغنية، كأغنية "سبحان الله يا لطيف" للعنقى، والتي خرجت في ظروف خاصة عاشتها الجزائر، ليخلص إلى أن الذائقة الفنية الموسيقية (الذوق) لا تحسب بالمعايير العلمية، بل بالوجدان الذي هو كائن مركب ومعقد، وأنه لا وجود للبذيء المطلق، فهناك روائع قصائد شعبية في هذا المنحى، لكنها لا تؤدى إلا ضمن مقام محدد.
للإشارة، شهدت المناقشة ثراء وتدخلات من مختصين وفنانين وسجالات زادت في توسيع موضوع الندوة، وقد طالب بعضهم بتسجيل مثل هذه الندوات الهادفة وبثها للجمهور.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.