يروي المجاهد حسين خمري ذكرياته مع رفقاء السلاح بألم كبير وهو يستحضر مرارة الاستعمار وويلاته. هو من الرعيل الأول، شارك في انطلاق الثورة التحريرية في بداياتها بالمنظمة الفدائية، قبل أن يلتحق برفقاء السلاح بأعالي جبال الأوراس، التي دوّخت المستعمر بتركيبتها... تفاصيل البطولة وما كان يومها من نضال وكفاح، بلسان بطل الأوراس الأشم. التقته "المساء" بباتنة في جلسة بمناسبة الاحتفال بالذكرى 61 للاستقلال، استرجع فيها ذكرياته مع رفقاء السلاح مع الانطلاقة الأولى للثورة في الأوراس؛ حيث تجمّع المجاهدون في دشرة أولاد موسى، التي انطلقوا منها لتنفيذ العمليات ضد الاحتلال الفرنسي بالولاية التاريخية الأولى بقيادة الشهيد مصطفى بن بولعيد، ومركزها كيمل (سيدي علي) جبل السراحنة، وبودر، وغسكيل تيزديين، وتغليسيا والدرمون، ولبعل. عندما أُطلقت الشرارات الأولى للثورة كان المجاهد حسين خمري يسكن بحي كشيدة مع أخويه عيسى المدعو إبراهيم الأخ الأكبر، ولحسن الأخ الأصغر، رفقة العائلة. ففي يوم 01 نوفمبر 1954 وصل صباحا إلى محله التجاري ببلدية باتنة بنهج بن فليس، وكانت تجارته تتمثل في إصلاح الدراجات القديمة وتركيب الجديدة، كما أشار في حديثه. وبعد وصوله إلى المحل الذي يتزامن مع وصول حافلة ركاب قادمة من فم الطوب للمعمر "زيزو"، والتي كان عليها آثار خروقات الرصاص، اتصل بسي محمد بوعبد الله معلم القرآن، الذي أخبره أن الحرب المظفرة انطلقت، وقُتل جنديان فرنسيان في الليلة السابقة بثكنة "الكا". وبعد طلوع النهار شرع جيش المستعمر في البحث عن الحاج لخضر ورفقائه، إلا أن محاولاته باءت بالفشل، واكتفى بالانتقام من المواطنين المنضوين تحت لواء حزب الثورة والعمل، بعدما فرض حظر التجوال ابتداء من الساعة السادسة مساء، والذي أعلن عنه بمكبر الصوت البراح محمد الصالح السلامي. ولوحظت تحركات الشرطة الفرنسية بالمدينة مدججة بالسلاح؛ بحثا عن منفذي عملية الثكنة بباتنة، وهو ما زاد المجاهد خمري يقينا باندلاع الثورة. وأعلنت عنها، لاحقا، "صوت العرب" من القاهرة. وبعد إذاعة الخبر يوم 01 نوفمبر 1954، زاد الحماس في صفوف الثوار المجاهدين، الذين انضموا فيما بعد، حسب شهادات مجاهدين. اِلتحاق سريع ووعي قوي بالثورة ويروي المجاهد تفاصيل البطولة قائلا: "أول فدائي استشهد بمدينة باتنة بلخير لمباركية، الذي لم يفلح في قتل أحد الحركى بعدما أخطا التصويب، فأطلق عليه الشرطي الفرنسي النار، فأرداه شهيدا. وبعد صلاة المغرب تلقّى الحركي 7 طلقات نارية من فدائيين ترصدوه، ليلفظ أنفاسه الأخير بعد سبعة أيام بمستشفى المدينة. كما عرفت منطقة وادي طاقة بالجهة الشرقية لولاية باتنة، معركة يومي 23 و24 نوفمبر 1954. وقد استشهد فيها البطل الثائر قرين بلقاسم ومعه شهداء آخرون". وأضاف المجاهد خمري حسين، أن مدينة باتنة طوّقها الجيش الفرنسي لسد كل المنافذ على المجاهدين والمواطنين، للالتحاق بالجبال. وكانت الاتصالات شبه معدومة مع المدن والقرى المجاورة لمدينة باتنة؛ حيث ألقي القبض على مجموعة من الوطنيين، منهم أحمد بوراس وحسين جوادي، ومجموعة أخرى من منخرطي الحزب الوطني. كما ضمن الاستعمار قائمة لمجموعة مبحوث عنهم، منهم من التحقوا بالجبال كالحاج لخضر، وبوحة حرسوس، ورشيد بوشمال، واعمر العايب، ومحمد السعيدي. وتروي شهادات مجاهدي المنطقة أنه ليلة أول نوفمبر، تم تسجيل خروج 05 ثوار فقط من مدينة باتنة. ولم يُخف محدثنا إعجابه بيقظة المواطنين، الذين تفاعلوا مع الثورة المظفرة بوعي كبير وإحساس وطني؛ حيث أصبحت الاشتباكات يومية، مما استنفر القوات الفرنسية التي دعمت قواعدها بإمدادات، وعدة وعتاد في حيرة كبيرة، في هذه الأثناء تميزت الفترة بتجنيد عدد كبير من المواطنين بصفوف جيش جبهة التحرير الوطني، والتحقوا بالجبال، خصوصا أواخر سنة 1956 إلى غاية 1957. وتوالى نشاطه ليشرع بذلك في الانتقام من الخونة، والعساكر والمعمرين الأوروبيين. إلى جانب ذلك تميز النشاط بوضع القنابل بالمدينة. وكانت الأحداث تتكرر يوميا. وكانت الدعوة إلى أول إضراب بسبب ضابط فرنسي تفنن في ترهيب المواطنين بالكلاب المدربة. أما الإضراب الثاني الذي عرفته الجزائر، وهو إضراب الثمانية أيام الذي تميز بتخريب المحلات التجارية وتوقف العمال عن العمل، وذلك في الفترة التي امتدت ما بين 28 جانفي و04 02 1957. السرية وجمع الاشتراكات للثورة وتميز نشاط المجاهد خمري مع بدايات الثورة بجمع الأموال مع مجموعة من المواطنين في سرية تامة. وكان له أول اتصال بالمجاهدين حسب روايته في "انزازرة" قرب جبل بومرزوق، وآخر له مع المجاهد أحمد معاش، وهو الملازم الأول، أول سياسي الناحية الأولى؛ باتنة؛ حيث قام هذا الأخير بتكوين اللجنة الشعبية لجمع الاشتراكات، وتنظيم الشعب لأول مرة بعد مؤتمر الصومام والتنظيم الجديد للثورة. وفي الاتصال الثاني تم تكوين اللجنة الشعبية لأول مرة في الجزائر، في أكتوبر 1956 بعد مؤتمر الصومام، بدوار "اسقي"، وكانت مكلفة بجمع الاشتراكات، وجمع المال، وتأييد جميع أعمال الثورة. وضمت هذه اللجنة إضافة إلى رئيسها حميدة معمرية، أعضاء، هم مسعود جبارة، وبن خميس محمد، وصالح حشاشنة، والمتحدث المجاهد حسين خمري. وأما الاتصال الثالث فكان خُصص لتوزيع الاشتراكات؛ حيث علم المجاهد حسين خمري بقدوم الحاج لخضر مسؤول الناحية الأولى إلى جر أولاد عمران ومعه مجموعة من كبار المجاهدين؛ على غرار مصطفى مراردة، والطاهر وشن، وبن يحي مسعود، وهناك قام المجاهد خمري بتسليم مبالغ الاشتراكات التي كان جمعها من المواطنين. وصنف محدثنا الاتصال الرابع بالأخطر، وكان استدعاه الحاج لخضر مسؤول جبهة التحرير الوطني الناحية الأولى بباتنة، رفقة مجموعة من الرفقاء ومواطنين. وتم اللقاء بجامع لعلاوشة بالقرب من قرية "كوندورسي"؛ حيث كلف الحاج لخضر المجاهد خمري رفقة بوعلي محفوظ وبوعبد الله سي أحمد، بتوزيع النقود التي تمثل قيمة المنح العائلية المخصصة للجنود والمساجين وأرامل الشهداء ببلدية باتنة وضواحيها، فتم تخصيص 50 فرنكا فرنسيا لكل عائلة، و20 فرنكا فرنسيا عن كل طفل بالعائلة بباتنة وضواحيها. وشُرع في إعداد القوائم بسرية تامة لضبط قوائم المنح العائلية، وجمع الاشتراكات والتبرعات لتوزع مع نهاية كل شهر، إلى أن جاء يوم 07 أفريل 1957 خلال شهر رمضان، فألقي القبض، بالصدفة، على بوعلي محفوظ في دورية تفتيشية للدرك الفرنسي، فانكشف السر بالقرب من مدرسة النشء الجديد بوسط المدينة، وكان بحوزته كل الوثائق التي كان يحملها بين ذراعيه. خمري ضمن الخارجين عن القانون وفي الليلة نفسها اقتحم العدو منزل المجاهد خمري، وقاموا بكسر باب منزله بالشاقور، وجمعوا كل وثائقه، وحجزوا مذياعه، ليدرَج بذلك ضمن قائمة الخارجين عن القانون في نظر المستعمر وما يُعرف "بالفلاقة". وكان خمري في هذا اليوم، اجتمع ببوعلي محفوظ وبوعبد الله في منزل بحي شيخي بعد خروج المقاول المكلف بالأشغال به بعد صلاة العصر، ثم ضُبطت القائمة الخاصة بالمستفيدين من المنح العائلية، وكان بوعلي محفوظ حدد وجهته بعدما اصطحب الكراس وكل الوثائق بمنحة المجاهدين والشهداء، ولم يكن يدري أن القدر سيقوده إلى الدرك الفرنسي. وكانت وجهة المجاهد سي الحسين جبل" واستيلي" مركز تالغمت، ليلتقي الحاج لخضر، الذي أمر بتجنيده في صفوف جيش جبهة التحرير الوطني بالناحية الأولى المنطقة الأولى، كان ذلك يوم 11 أفريل 1957. وحدث ذلك بعدما عاد المجاهد إلى بيته بحي كشيدة، وقام بتخليص عائلة موسى براش بمبلغ خُصص لهذه العائلة، وقُدر ب 7000 فرنك فرنسي. وسمع بإلقاء القبض على زميله، وهو ما لم يصدقه إلا بعد وصول الدرك الفرنسي، ليلوذ بالفرار. ولم تنته معاناة عائلته المتكونة من ابنتيه والأخوين الأكبر والأصغر، بعدما علم العدو بالتحاقه بالرفقاء في ميدان الشرف، حيث انتقموا منه، وقاموا بقتل أخيه الأكبر بحي شيخي بباتنة يوم 29 جوان 1958، بعد وشاية. أما شقيقه الأصغر فاستشهد هو الآخر، في معركة أحمد "الجدارمي" بفوغالة، وهي المعركة التي يصفها المجاهد خمري بأكبر المعارك شراسة ودموية، كان ذلك بتاريخ 23 فيفري 1958، في حين تعرض صديقه المجاهد بوعلي محفوظ لأبشع التعذيب بالسجن. كما استشهد بوعبد الله محمد الذي التحق، هو الآخر، بجيش جبهة التحرير الوطني. وفي ختام حديثه، دعا خمري الشباب للاهتمام بقضايا الوطن، والاستثمار في إنجازات الثورة لخدمة الوطن، والمساهمة في معركة البناء والتشييد، مدركا أهمية كتابة التاريخ لغرس الروح الوطنية في نفوس الشباب، وجعل الثورة التحريرية مفخرة وعنوان التحدي؛ لسد المنافذ على كل المحاولات اليائسة لتشتيت اللحمة الوطنية، والتي تحاول إدخال اليأس في نفوس الشباب، الذين عدّهم قوام المستقبل.