لم تكتف الفنانة راضية قوقة رودسلي برسم عالمنا من خلال اعتمادها على أشكال وألوان محددة، ولم ترغب، أيضا، في أن تستقر في عالم الماديات، عالم نراه بأعيننا ونلمسه بأيدينا، بل أكدت، بشدة، حاجتها للتغلغل في عالم مخفيٍّ، قد تكشف عن بعض خباياه الروح المسافرة في رحلة خالدة، تبرز بعض ملامحها في معرض الفنانة، المقام، حاليا، بمؤسسة أرتيسيمو. "رحلة الروح الخالدة" هو عنوان معرض الفنانة التشكيلية والكاتبة والشاعرة راضية قوقه رودسلي، الذي تعرض فيه 21 لوحة عن رحلة الروح الى عالم غير محدد مكانه ولا زمانه، مخفيٌّ عنا، رمزي وميتافيزيقي، باطني عميق، حيث يمكن هذه الروحَ أن تتغلغل فيه، بل حتى أن تكتشف هناك عوالم مختلفة تماما عن عالمنا الملموس، الخاضع لقوانين المكان والزمان. وترى الفنانة أن الروح مضيئة، وأن النور يجذب اللامرئيات، وأن الحقيقة توجد خلف الستار؛ أي في قلب الباطن، وهو ما تحاول التعبير عنه في لوحاتها التي تضم كل منها مفتاح صول؛ من يجده يمكنه أن يلج العمل، ويسمع اللحن المعزوف فيه، والمستوحى من أشكال وألوان الطبيعة. وتعرض الفنانة 21 لوحة بتقنية الأكريليك على القماش. كل واحدة منها دعوة لولوج عالم خاص من خلال إيجاد مفتاح صول، الذي يمكّننا من اكتشاف خبايا لم نكن نتوقع أصلا وجودها. وفي هذا رددت راضية في كلمات نشرتها بالمناسبة: "يَا أَيُّهَا الدَّاخِلُ فَلْيَنْفَتِحْ قَلْبُكَ ... وَلْتُحلِّقْ رُوحُكَ فِي عَالَمِ الأَسْرَارِ". وأضافت أن الروح المضيئة قد غادرت الصمت بحثاً عن النبع، عن جوهرها الذي يحلّق عاليا، وتحمله أنفاس الفجر؛ إنها تُبحر، تتخطى الحجب، وتعبرها مثلما تعبُر الظل، والنار، والنجوم، بحثا عن علامات في العالم اللامتناهي، عن رموز مدفونة في النسيان، تبحث عن المفتاح، عن بوابة السماء، عن موعد مع الله، فتأخذها رحلتها خارج الزمن، إلى أعماق الذاكرة الكونية؛ حيث تكمن الحقيقة الأبدية. وبالمقابل، من بين اللوحات التي تعرضها راضية بمؤسسة أرتيسيمو، نجد لوحة" مفتاح العالم المتكامل"، التي رسمت فيما راضية جزءا من العالم الذي تتخيله؛ ساحر، مليء بالألوان المبهجة، فيه نباتات عجيبة ومتنوعة، وقمر يضيئ جانبا من اللوحة، وسماء برتقالية محمرة. أما لوحة "رسالة السلام" فقد غمرتها الفنانة بتدرجات مختلفة من اللون الأزرق. كما تسبح في مياهها أزهار وردية زادتها نعومة، بينما في لوحة" في مركز العوالم الناعمة" رسمت راضية هيئتين تجلسان على طاولة تحت شجرة مضيئة بالإضافة الى الإضاءة التي تنبع من الشمس والقمر والنجوم، فهل نحن في الليل أم في النهار؟ وفي ركن من اللوحة رسمت الفنانة مفتاح صول الذي لا يفارق أعمالها، لتأخذ بيد زائر المعرض الى عالمها الساحر. كما رسمت راضية لوحة" المنبع الرئيسي" ، وضعت فيها مسارا ملولبا باللون البرتقالي ينزل من السماء نحو الأرض. أما في لوحة "قلب الشاعر" فرسمت هيئة لم تحدد ملامح وجهها، تضع قبعة على رأسها. ويظهر أنها تحت تأثير الإلهام. ونفس الهيئة نجدها في لوحة "لحن سماوي " ، وهذه المرة تعزف لحنا سماويا. ولا يمكن قاصدَ الروحانيات أن يحقق بغيته إلا مزوَّدا بتوجيهات الأساتذة الذين سلكوا من قبله نفس الطريق. ونراه في لوحة "رحلة تمهيدية مع المعلم"؛ حيث رسمت راضية هيئتين؛ إحداهما كبيرة، والأخرى صغيرة، تتشاركان المسلك من خلال عناقهما. وها هي شجرة سدرة المنتهى في لوحة حملت هذا العنوان. وأخرى موسومة ب "تلاحم بالأزهار"، وثالثة "لقاء الخضر"، ورابعة معنونة ب "روح الفرح"، وغيرها من الأعمال التي ملأتها راضية بالألوان والأشكال المبهجة، والمعبّرة عن كثير من الرموز المتعلقة بالباطن والروح، وكل ما هو حسي في عالم غرق في الملموس والماديات، ليكون هذا المعرض سفرية الى عالم حر من قيود المكان والزمان، تسبح فيه الروح بكل حرية، وتتغذى من زاد اللامرئيات.