فضحت المنظمات والجمعيات الفرنسية المطالبة بضرورة اعتراف الدولة الفرنسية بدورها في مجازر 8 ماي 1945، التيار المناوئ لأي مصالحة بين الجزائر وباريس بقيادة اليمين المتطرّف الوفي للأطروحات الاستعمارية، لتدعم بذلك هذه المنظمات التوجه الصائب للجزائر في معالجة ملف الذاكرة باعتباره ركيزة لفتح صفحة جديدة بين البلدين، وفق رؤية براغماتية بعيدا عن خلفيات استعمارية متشبّعة بالروح الاستعلائية. يشكل التجمع الذي نظمه المتظاهرون في مدينة ستراسبورغ، لإحياء ذكرى مجازر 8 ماي 1945، وحضور وفد من منتخبين وأعضاء في البرلمان الفرنسي إلى الجزائر للمشاركة في إحياء ذكرى مجازر 8 ماي الأليمة، بمثابة رسالة واضحة لباريس للتخلي عن "الشوفينية" التي تعتري موقفها إزاء ملف الذاكرة بدعم من اليمين المتطرّف، الذي لازال يبكي فردوسه المفقود، ويحلم في أن تتوقف الجزائر يوما عن نكأ الجرح وكشف أبشع الجرائم التي ارتكبتها الإدارة الاستعمارية لبلاده في حق البشرية على مر التاريخ. ويبدو أن المتطرّفين في فرنسا يرفضون التسليم بفكرة أن التاريخ لا يرحم، وأن الجرائم مهما طال الزمن أو قصر لن تسقط بالتقادم، من منطلق أن أي إرهاصات تميز العلاقات بين الدول لها خلفيات تاريخية على غرار الأزمة القائمة بين الجزائر وباريس، حيث تصر هذه الأخيرة على تزييف الحقائق عن جرائمها في الجزائر وترفض إدراجها في الكتب المدرسية وفتح الأرشيف بشكل كامل. لكن وراء أي غموض علامات استفهام كثيرة، فرغم محاولة اليمين المتطرّف مداراة هواه وكتم أسراره إلا أن آهات ضحايا الإبادات الجماعية ووحشية المستعمر مازالت ترويها كتب التاريخ وسرديات المؤرخين الفرنسيين الأحرار والأشرطة الوثائقية التي دوّنت ووثّقت هذه الجرائم، التي تعد بمثابة انتهاك صارخ للمبادئ العالمية لحقوق الإنسان. وإذا كانت الجمعية الوطنية الفرنسية قد صادقت على قانون تمجيد الاستعمار في 23 فيفري 2005، فإنها أصبحت اليوم على موعد مع المكاشفة والمحاسبة بعد تقديم أكثر من 70 نائبا من تحالف "الجبهة الشعبية الجديدة" و"فرنسا الأبية" الإثنين الماضي، مشروع قرار إلى الجمعية الوطنية الفرنسية يدعو إلى الاعتراف بمجازر 8 ماي 1945 في سطيف وخراطة وقالمة ومحيطها مع إدانتها، على نفس المنوال الذي سار عليه منذ بداية الأزمة بين الجزائروفرنسا مؤرخون فرنسيون شخصوا خلفيات الانسداد القائم بين البلدين والذي مرده سياسة اليمين المتطرّف الذي ينطلق في علاقاته مع الجزائر من أيديولجية تكنّ العداء لكل ما هو جزائري، ولا أدل على ذلك التحرّش الذي يطال الجالية الوطنية في فرنسا، ومحاولة تغيير القوانين بشكل أحادي من أجل التضييق عليها. غير أن هذا التيار رهن الحظوظ الاقتصادية لفرنسا مع الجزائر، بسبب هذه الأفكار التي كانت تسببت في طردها من القارة الإفريقية شر طردة، في الوقت الذي لم تتوان فيه دول مثل المملكة المتحدة وألمانيا وبلجيكا وهولندا والولايات المتحدة وكندا في الاعتراف الرسمي بما اقترفته في مستعمراتها القديمة. ولم يخرج حديث الرئيس الفرنسي ماكرون، عن هذه الأحداث الأليمة عن كونه مجرد تسجيل للحدث، كون النية الصادقة تقتضي الاعتراف بها وإدانتها كخطوة لتحسين العلاقات بين البلدين، والكف عن ممارسة السياسة الشعبوية عبر تأجيج المشاعر المتعلقة بالهوية والدين. وإذا كان الطرف الفرنسي يحاول طمس هذه الحقائق التي تورط فرنسا في إبادات جماعية يندى لها جبين البشرية، إلا أن الجزائر وعلى لسان رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، تؤكد بأن ملف الذاكرة المرتبط بالاستعمار الفرنسي للجزائر (1830–1962) "لن يكون عرضة للتناسي أو الإنكار"، مثلما أكده رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، الذي عبّر في رسالته بمناسبة الذكرى ال80 لمجازر 8 ماي 1945، عن قناعته بأن "عدم التنازل عن الملف نابع من الوفاء لتضحيات شهداء المجازر التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي في الجزائر"، في ولايات سطيف وخراطة وقالمة وعين تموشنت وأن إحياء هذه الذكرى الأليمة "هو وجه للثبات على حفظ أمانة الشهداء".