تزخر عاصمة "روسيكادا" سكيكدة، بمواقع ومعالم سياحية وتاريخية، تجعلها مدينة منفردة ومتفردة عن غيرها من مدن الجزائر العريقة، إن لم نقل بأنها تنفرد عنها حقيقة ومجازا وفي كل شيء، رغم أن العديد من تلك المعالم والمواقع الأثرية التي تؤرخ حقا لعراقة المدينة، تبقى غير معروفة لدى الكثيرين من الجيل الحالي. إذا كانت مدينة سكيكدة، تشتهر لدى العامة، بأروقتها المتميزة المتواجدة على طول شارع "ديدوش مراد"، المعروف بشارع "الأقواس"، أو بنزلها البلدي المتواجد بشارع "مونطالو"، الذي يضم أيضا الحدائق ومقر البنك الوطني الجزائري ودار البريد، أو بمحطة القطار التي تعد تحفة فنية، أو بشواطئها الساحرة باتجاه كورنيشها الممتد إلى غاية سطورة، وبأحداث هجمات "20 أوت 55"...وغيرها من المحطات، فإنها بالموازاة مع ذلك، تعرف بمدينة السلالم، أو كما يسميها السكيكديون بالعامية "مدينة الدروج". أجمع العديد ممن تحدثت معهم "المساء"، منهم رئيس الديوان المحلي للسياحة، على أن بسكيكدة، 140 سلم "أو درج"، موزعة بين طرفي المدينة شرقا وغربا، وأرجعوا سبب وجود هذا الكم الكبير منها، إلى طبيعة تضاريس المدينة المتكونة في مجملها من جبال صغيرة، تتخللها منخفضات وسهول. ففي الجهة الشرقية من المدينة إلى البحر، يقع جبل الموادر المعروف باسم "بوعباز"، وغربا يقع جبل "مسيون" و«بولقرود" و«سبع أبيار"، وكان يفصل بين الجهتين، وادي الصفصاف الذي كان يعبر الشارع الرئيسي الحالي ديدوش مراد، أو كما يعرف بشارع الأقواس، انطلاقا من منطقة حمروش حمودي إلى غاية الميناء، ومن ثمة، كما أضاف المصدر، كان السكان خلال تلك الحقبة الاستعمارية، ينجزون مساكنهم الصغيرة بالخصوص بداية من سنة 1830، على ضفتي المدينة، مع إقامة جسور صغيرة فوق الوادي (حاليا الشارع الرئيسي ديدوش مراد)، للعبور والاتصال ببعضهم البعض. وبداية من سنة 1845، قامت السلطات الاستعمارية، التي احتلت المدينة في أكتوبر من عام 1838، بردم الوادي وإقامة الشارع الرئيسي على أنقاضه، ليشرع الجيش الاستعماري في إنجاز سكنات الأقواس على النمط العصري، على ضفتي هذا الأخير، وبتطور المدينة وظهور منازل جديدة موزعة عبر أرجائها بشكل تنازلي، أي من أعلى إلى أسفل، تم الشروع في إنجاز السلالم بغرض ربط مختلف الأحياء بعضها ببعض. وما يميز سلالم مدينة عاصمة "روسيكادا"، حسب نفس المصدر، أن لكل سلم من تلك السلالم اسم يميزه عن غيره، من بين أهمها؛ سلم أو "دروج لبحار" يتواجد بالقرب من النزل البلدي، وهو عبارة عن ممر يؤدي إلى البحر، وكذا سلم أو "دروج ابن قانة"، وهو ممر أيضا يؤدي إلى "الشاطئ الأخضر"، انطلاقا من الطريق العلوي المؤدي إلى سطورة، وسلم أو "دروج الجمارك"، الذي يفصل الجهة العلوية باتجاه شارع "زيغود يوسف" بمحاذاة النزل البلدي، أو كما كان يسمى قديما شارع "مجمع مونطالو"، أما السلم اللولبي المعروف عند السكيكديين ب«دروج الزيقزاق"، فهو سلم أنجز بطريقة فريدة من نوعها، يمتد من الطريق العلوي بالقرب من دار العجزة، إلى الحي الإيطالي العتيق، إضافة إلى السلم الإيطالي أو "دروج الطلياني" المتواجد بالقرب من سينما "الكوليزي" بالحي الإيطالي العتيق، إلى جانب سلم أو "دروج المارشي" المتواجد على مستوى السوق المغطاة، وأيضا سلم أو "دروج حمام كاستال" بالقرب من ثانوية النهضة وهو الذي يربط وسط المدينة بحي 7 أبيار، وقد سمي بهذا الاسم، لتواجد حمام أحد المعمرين الفرنسيين بنفس المكان بالقرب من الحديقة الأثرية. ونجد أيضا سلم الرهبان "دروج الرهبان"، يفصل الجزء العلوي من المدينة بالشارع الرئيسي، وقد أُطلقت عليه هذه التسمية، لأن الأولياء قديما كانوا يخيفون أبناءهم بالأشباح، لمنعهم من اللعب خلال وقت المغرب، ولم تنته القائمة هنا، إذ يوجد أيضا سلم أو "دروج الطابوني" بالقرب من نهج المسجد، وتعود تسميته إلى منزل أحد الكولون يدعى السيد طابوني. وهناك سلم أو "دروج ابن عمران" نسبة إلى شيخ متخصص في إعداد التمائم والحروز، كان الأهالي يتوافدون عليه بأعداد كبيرة. وسلم أو "دروج القاضي" المتواجد بمحاذاة مسجد "سيدي علي الأديب"، وسمي كذلك لوجود مسكن قاض كان يقوم على كل الأمور التي تخص الأهالي، من عقود زواج وطلاق وإصلاح بين المتخاصمين... وغيرها، وهناك أيضا سلم أو"دروج البوشون"، سمي بهذا الإسم، لأنه كان يتواجد بالقرب من ورشة أحد المعمرين متخصصة في صناعة أغطية مختلف القارورات، انطلاقا من المادة الأولية وهي الفلين الذي كان يجلبه من القل. ونجد أيضا سلم أو "دروج المتحف"، يقع باتجاه حي السويقة، وسمي لتواجده بالقرب من المتحف الذي حولته السلطات الاستعمارية إلى حي سكني. ومن تسميات السلالم أيضا، نذكر سلم أو "دروج الصنوبر" باتجاه بوعباز، انطلاقا من غابة الصنوبر، التي أقيم مكانها بمقر الولاية الحالي، أما سلم أو "دروج الطهار" فسمي بهذا الاسم، نسبة إلى أحد الرجال المتخصصين في ختان الأطفال، ويعد الأول الذي كان ينشط من الأهالي خلال فترة التواجد الاستعماري. كما نجد أيضا سلم أو"دروج قراسي"، نسبة إلى مصحة تابعة لأحد الجراحين الفرنسيين. للإشارة، فإن السكيكديين وإلى يومنا هذا، لا يزالون يسمون السلالم بالأسماء التي ورثتها الذاكرة الجماعية للسكان الأصليين، علما أن بداية إنجاز هذه السلالم، كانت خلال عهدة أول رئيس بلدية إبان فترة الاستعمار الفرنسي، المدعو "ريمون بيشار" سنة 1842، وتقريبا أنجزت بنفس النمط، حسب نفس المتحدث. لكن بين ما كانت وأصبحت عليه السلالم العتيقة لعاصمة "روسكادا"، فإن الجهات المسؤولة على مستوى البلدية من ثقافة وسياحة... وغيرها، مطالبة بالتدخل قصد إعادة الاعتبار لهذه الأخيرة، التي يوجد أغلبها في وضع مزرٍ وكارثي للغاية، لأن تلك السلالم ليست مجرد ممرات، بل جزء من تاريخ المدينة وهويتها وروحها وتاريخها العريق، حيث تربط بين أحيائها المتنوعة وتقدم مناظر خلابة على البحر، كما يحكي كل منها قصصا من الماضي، ممزوجة بالذكريات والحنين حينا، ومعبرة عن التراث المعماري للمدينة، وموقعها الفريد على ساحل البحر الأبيض المتوسط. كما توفر هذه السلالم، إطلالات بانورامية على البحر، ما يجعلها وجهة محبوبة للسياح والمقيمين.