تتواصل فعاليات معرض اللوحات والمنحوتات، بالمتحف الوطني للفنون الجميلة، إلى غاية سبتمبر الداخل، قصد التعريف بفنانين عالميين، مروا على دار "عبد اللطيف"، وشاركوا في إقاماتها الفنية منذ مطلع القرن العشرين، أغلبهم وثق في أعماله، يوميات الجزائريين، وأبدع الآخر في رسم "فيلا عبد اللطيف" كمعلم تاريخي وفني حي. يضم هذا المعرض نحو 60 عملا فنيا، من توقيع فنانين عالميين، زاروا الجزائر خلال الفترة الاستعمارية، واستفادوا من الإقامات الفنية ل"دار عبد اللطيف"، التي هي اليوم مقر للوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي. عرضت هذه الأعمال والروائع بقاعة "بشير يلس"، وبدت كالتحف النادرة والثمينة التي تحتفظ بها إلى اليوم "دار عبد اللطيف"، منها لوحات زيتية ومائية وبرونزية، ومنحوتات، ونقوش، وميداليات، تبرز فيها العمارة الإسلامية المتمثلة في الغالب، في "فيلا عبد اللطيف"، وكذا في بعض المظاهر الاجتماعية والثقافية الجزائرية في بدايات القرن 20، أي منذ سنة 1907، حيث تعود أقدم الأعمال المعروضة إلى الفنان ليون كوفي، كأول من أقام في الفيلا سنة 1907. "فيلا عبد اللطيف" سيدة الإلهام يعيد هذا المعرض إلى الذاكرة، تجارب رائدة مرت على الإقامات الفنية ل"دار عبد اللطيف"، ويبرز أيضا مدى التعلق بالمكان كملهم للإبداع، علما أن هذه الإقامات استقبلت لعقود، 89 فنانا من رسامين ونحاتين ومهندسين معماريين ومصممين. تم اختيار الكثير من الأعمال لفنانين عالميين، تبرز في أعمالهم الخبرة والإبداع والإتقان، ومن هؤلاء "بيار براندال" (1912 -2002)، الذي أقام في الفيلا سنة 1950، ليرسم هذه الفيلا بالحبر الصيني، وكأنها أسطورة من زمن بعيد، وقد تم اقتناء هذه اللوحة سنة 1952، وفي لوحة مجاورة، يرسم الفيلا بالألوان الزيتية، وبكل حدائقها مع طلتها البحرية الخلابة، لتتوالى لوحاته عن نفس الموضوع، كما عرضت عقود شراء هذه اللوحات، لتبدو كالمخطوطات القديمة، تزيد من قيمة اللوحات على الأقل من جانبها التاريخي والفترة التي عاشتها الجزائر. من الأعمال المعروضة، لوحات الفنان "تبار تيليير" (1932-1961) نزيل "فيلا عبد اللطيف" سنة 1961، حيث ركز على المحيط الطبيعي الأخضر للفيلا، أما "جيسيل جورج مياس"(1928-2019) نزيلة الفيلا سنة 57، مصورة سطحها الذي نشرت فيه الملابس قبالة أشعة الشمس، حيث تتداخل الألوان والأنوار التي تطل من سماء الجزائر الصافية. بدوره، حضر الرسام "جاك هوبلان" (1920-2020) نزيل "فيلا عبد اللطيف" في سنة 1949، بلوحات عن محيط هذه الفيلا العتيقة والرمز، حيث الأشجار والنباتات والطيور الغناء وصفاء الجو، وتم اقتناء هذه اللوحات سنة 1956. توالت اللوحات، منها لوحات "بيار كينيو"-1920-2015- نزيل "فيلا عبد اللطيف" سنة 1950، حيث اختار غرفة في مبنى بالجزائر، تدخله أشعة الشمس الدافئة، علما أن أغلب هؤلاء الفنانين الأجانب، فتنهم النور والشمس التي لم تكن متاحة بما فيه الكفاية في أوروبا. أبدع "لودوفيك بينو" (1886-1935) نزيل الإقامة الفنية في سنة 1922، وأغلب أعماله كانت منحوتات من البرونز الأسود، تعكس مدى تأثره بالجزائر، حيث قدم رائعة عبارة عن مجسم لرجل يرتدي "القندورة" والبرنوس والعمامة، رافعا يديه مكبرا للدخول في الصلاة، وكان في كامل أناقته وخشوعه، وقد سمي هذا المجسم ب"الصلاة"، منبهرا بهذه العبادة التي تعكس الخصوصية والهوية الإسلامية الجزائرية، التي لم تكن لها علاقة بفرنسا في تلك الفترة من الاستعمار. اختار "أندري جان كانت"(1912-1977) إطلالة البحر، التي تُرى من "فيلا عبد اللطيف"، من خلال لوحة مرسومة بالألوان الزيتية على الورق المقوى، في سنة 1942، علما أنه نزل بالفيلا سنة 1939، كما صور مدخل الفيلا ذي الطراز الإسلامي مرصعا بالزخرفة. من ضمن المعروضات أيضا، مدخل "فيلا عبد اللطيف"، لجان شابو (1914-195) نزيل سنة 1947، في لوحة زيتية راقية ومزركشة بالألوان الزاهية، منها الأخضر والأصفر والبني الترابي، مركزا أيضا على الزخرفة في العمارة الإسلامية، وكذا الخط العربي، كما قدم "لودوفيك بينو" لوحة لجزائرية تحمل طبق الكسكسي، من خلال حفر بارز بالجبس، أنجزت سنة 1936، ومجسم آخر لسيدة جزائرية تحمل حزمة الحطب في سنة 1923 . البرونز ترجمان الهوية للإشارة، فقد خصص جناح للبرونز، قدمت فيه العديد من المجسمات، منها مجسمان ل"شارل بيغوني"(1877-1931) أنجزهما خلال إقامته في الفيلا سنة 1912، أحدهما رأس رجل والآخر مجسم لرجل جزائري كفيف، فيما عرض "رأس جزائرية" (السيدة خلفاوي) بحجر منحوت، أنجزه مارسال دامبواز سنة 1933، كما قدم مجسمات أخرى، منها تمثال سيدة عاصمية بالسروال "المدور" و"رأس جان لويس باردو" و"امرأة جالسة" سنة 1929، تصور سيدة جزائرية جالسة تضع يدها على خدها، ومجسمين آخرين لسيدات جزائريات بتقنية الطين المشوي، أنجزهما سنة 1938. من العارضين أيضا، "كامي لوروا"(1905-1995) نزيل سنة 38، ومن ضمن ما قدمه، ورشة رسم من شقة عتيقة مطلة على خليج الجزائر، وأيضا لوحة "فرانسوا فوك"(1911-1979) نزيل الفيلا سنة 45، الذي صور رقي البيوت الجزائرية في العاصمة، ورسم "جان بونيي" سنة 1942 قبة "دار عبد اللطيف" بأسلوب انطباعي، وكأنها قطعة من معمار القصبة العتيق، ظلت صامدة أمام الزمن والمستعمر. قدم "أندريه بوسي" لوحته مدخل الفيلا سنة 1946، وحرص على أن يكون المبنى شاهقا، وكأنه عمارة يمتد نحو الأفق في كامل قوته ومتانته، يتجاوز طول النخيل الباسقة، أما "موريس بواتال "فاقترح في لوحته مدخل الفيلا من الخارج، أي في الطريق المؤدي اليوم، إلى مقام الشهيد، والذي رسمه سنة 46، وكان مختلفا نوعا ما عما هو عليه اليوم، إذ كانت الأشجار أكثر كثافة، ولم يكن الطريق معبدا، فيما اكتفى الفنان "بول راغونو" سنة 47، برسم جناح من الفيلا مطلا على الحديقة من خلال الأقواس، ورسم "اتيان بوشو" صحن الفيلا في 1924، في صورة راقية به بعض الأثاث، وفي لوحة ثانية، بدت النافورة تتحاور مع الحديقة ذات الزهور الصفراء، وفي لوحة أوجين لوس كورنو نزيل "فيلا عبد اللطيف" سنة 1925، رسم مدخل الفيلا، لتبدو عبر الأقواس، سيدتان جزائريتان واقفتان تتسامران في حميمية، إحداهما ترتدي "الحايك". من الروائع المقترحة، لوحتان كبيرتان من النحاس من إمضاء "ألبير بوميي" سنة 1914، إحداهما تصور جوقا شعبيا للغناء البدوي، مع عرض عقد شراء هذه اللوحة في سنة 1932، أما بيار بواصون، فلوحته المنجزة سنة 1908، تصور حفلا عائليا من بوسعادة. المعرض سيكون له شطره الثاني، من خلال أعمال فنية خاصة بالمناظر الطبيعية والبورتريهات، في مواصلة لرحلة فنية ثرية تضع "فيلا عبد اللطيف" في قلب المشهد الثقافي الجزائري، كفضاء جسد ومزال تلاقي الفن بالهوية والمكان. للإشارة، فإن المعرض، الذي يقام في إطار البرنامج الصيفي للمتحف، يعرف إقبالا مكثفا من الجمهور من مختلف الولايات، وقد أكد بعض الأعوان، أن الحركة لا تخف إلا بعد السادسة مساء، حيث يتوافد الزوار من مختلف الأعمار لمشاهدة مقتنيات المتحف، والتمتع بإطلالته الساحرة على حديقة الحامة وخليج الجزائر.