حادث سقوط حافلة بوادي الحراش: مراد يزور عائلة الضحية عبد الحكيم بضياف بولاية خنشلة ويقدم لها واجب العزاء    شان-2024: المنتخب الجزائري يتعادل مع النيجر (0-0) ويتأهل للدور ربع النهائي    الجزائر ملتزمة بدعم مسيرة مجموعة "سادك"    انطلاق فترة توجيه الحالات الخاصة من الطلبة الجدد    خطة ماكرون الجديدة في أفريقيا    بداية التجسيد الفعلي للمشروع بعد رفع العراقيل    الجزائر تروّج لقطاعها المنجمي وتعد بمناخ استثماري جذاب    تشجيع الكفاءات ومرافقة المبدعين أولوية    الإحصاء الاقتصادي للمنتوج الوطني : عرض تدقيق النتائج لضمان دقة المعطيات    وزير الطاقة يستقبل الباحث عبد الرحمان عبان : اختراع جزائري.. حقيبة شمسية ذكية لتوليد الطاقة النظيفة    التقرير الأخير للاتحاد البريدي العالمي : مؤسسة البريد السريع تحتل المركز ال 14 عالميا    تنديد بالمجازر الصهيونية بحق الصحفيين الفلسطينيين    زيغود يوسف.. براعة في الكفاح ورصّ الصف الوطني    "كوديسا" تدعو الهيئات الحقوقية الدولية إلى التدخّل العاجل    ارتفاع حصيلة الإبادة الإسرائيلية إلى 62 ألفا و4 شهداء..استشهاد 8 فلسطينيين بهجمات في غزة    نددت بانتهاكات الاحتلال المغربي.. "كوديسا" تدعو الى التدخل العاجل لحماية الحقوقيين الصحراويين    الجزائر العاصمة : وقفة تضامنية تنديدا باغتيال الاحتلال الصهيوني للصحفيين الفلسطينيين بغزة    عطاف يستقبل السفيرين الجديدين للسويد والنمسا    تحضيرات جادة لمنتخب الجمباز بالعاصمة    "الخضر" في مهمة التألق والبروز    استحضار لخصال وإنجازات الملاكم موسى مصطفى    أنامل تصوغ الفرح وتوقظ ذاكرة الأعراس العتيقة    حادث سقوط حافلة بوادي الحراش.. مراد يزور عائلات ضحايا ببسكرة وأولاد جلال ويقدم لهم واجب العزاء    وهران..مهرجان الطهي من 21 الى 23 أوت بالأندلسيات    بقيادة الشيخ إبراهيم بوتشي.. وفد من نيجيريا يزور مقر الخلافة العامة للطريقة التجانية بعين ماضي    سفارة جمهورية كوريا بالجزائر تكرم الفريق الوطني الجزائري الفائز في المسابقة الدولية للشباب في الروبوت والذكاء الاصطناعي (IYRC 2025)    تسجيل 6564 غرامة جزافية    تفكيك شبكة تزور محررات إدارية وتجارية    انطلاق مهرجان"ليالي النجوم الجميلة"    ألحان تتردّد على ضفاف المتوسط    انطباعيات موقَّعة بألوان التراث    باورليفتنغ/ كأس العالم/ذوي الهمم: الجزائر تحصد ست ميداليات, منها ذهبيتان, في سانتياغو بتشيلي    الفنان التشكيلي فيصل بركات يعرض أحدث أعماله بالجزائر العاصمة    البليدة: إحياء الذكرى ال69 لاستشهاد البطل الرمز مختار كريتلي    كرة القدم/ اجتماع تنسيقي بين الرابطة ومحافظي المباريات: من أجل بطولة أكثر احترافية    تيسمسيلت : معرض تاريخي بمناسبة اليوم الوطني للمجاهد    موجة الحر: الحماية المدنية تدعو إلى توخي الحذر والالتزام بالإجراءات الوقائية    بيان الجمعية الوطنية للصحفيين الجزائريين    مسرح الجلفة : سلسلة من الورشات التكوينية في فنون المسرح    ينظم يومي 6 و7 أكتوبر 2025..ملتقى دولي حول استخدام الذكاء الاصطناعي في دراسة المخطوطات القديمة    قتلة الأنبياء وورَثتُهم قتلة المراسلين الشهود    فتاوى : هل تبقى بَرَكة ماء زمزم وإن خلط بغيره؟    خالد بن الوليد..سيف الله المسنون    الجزائر تتفوق إفريقيًا    ناج من حادث وادي الحرّاش يروي لحظات الرعب    المنصات الإلكترونية تتوشّح بالأسود    توقف بث 3 قنوات تلفزيونية لمدة 48 سا على كل الشبكات    سحب الحافلات التي يفوق عمرها 20 سنة كمرحلة ثانية    مناقصة لتقديم خدمات المشاعر المقدسة في حج 2027    منصة لاستقبال انشغالات المؤسّسات الصحية في أكتوبر المقبل    أنظار الفاف تتجه نحو إنجلترا    الشبيبة تتعادل أمام فريق إماراتي    الوضوء.. كنز المؤمن في الدنيا والآخرة    دعم المراقبة الوبائية للملاريا المستوردة بالولايات الحدودية    حج 2026: وكالات السياحة والأسفار مدعوة للتسجيل وسحب دفتر الشروط    توطيد التعاون الجزائري المصري للتصدّي للفتاوى المتطرّفة    المخرج التلفزيوني والسينمائي نور الدين بن عمر في ذمة الله    حج 2026: وكالات السياحة والأسفار مدعوة للتسجيل وسحب دفتر الشروط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أنامل تصوغ الفرح وتوقظ ذاكرة الأعراس العتيقة
الماشطة العنابية
نشر في المساء يوم 19 - 08 - 2025

تُحيي "الماشطة" في عنابة، ذاكرة الأعراس القديمة بطقوسها وألوانها وروائحها، فتتحول بفضل أناملها، إلى شاهدة على أصالة المكان وعمق العادات التي لا تزال تنبض في البيوت والأحياء العتيقة. ليست مجرد امرأة تزين العروس وتصفف شعرها، بل فنانة تحمل تراثًا ضاربًا في الجذور، وذاكرة شعبية تحفظ تفاصيل دقيقة من ماضي المدينة. فوجودها في أي بيت عنابي عند حلول "الساعة الصفر" للزفاف، يعني أن الفرح قد بدأ، وأن العروس على موعد مع لحظة لا تُنسى.
تجلس الماشطة في صدر الغرفة، محاطة بأهازيج النسوة ورائحة البخور المنبعثة من مجامر النحاس، فيما يختلط صوت "الدربوكة" وأغاني الفرح بأصوات الضحكات والتهاني. تبدأ أولى لمساتها بترتيب شعر العروس، لتضع فوقه "الشوشنة" بكل دقة، ثم تُزين جيد العروس ب"السخاب"، ذي الرائحة الزكية الذي تتوارثه النساء جيلاً بعد جيل، كرمز للبركة والعفة والحظ الطيب. وفي معصمها ويديها، لا تنسى الماشطة أن ترسم بخطوط "الحرقوس" السوداء، نقوشًا بديعة تزيد اليدين إشراقًا، وتمنحهما مسحة أسطورية من الجمال.
كل تفصيل عند الماشطة له دلالة ومعنى. فإذا ارتدت العروس "قندورة الفتلة" المطرزة بخيوط الذهب والفضة، صففت شعرها بطريقة تليق بفخامة هذا اللباس التقليدي العريق، لتكتمل صورة العروس الملكية. وإذا ارتدت اللباس الخفيف العصري، تكيفت مع ذوقها وجعلت التسريحة، تنسجم مع البساطة والحداثة. هكذا، تتحول الماشطة إلى فنانة لا تُعيد نفسها مرتين، بل تبدع في كل مرة لوحة جديدة. لكن دور الماشطة لا يقتصر على التزيين. فهي تُرافق العروس طيلة اليوم، تُهيئها نفسيًا وتُهدئ من توترها، وتقدمها في العرس بأبهى صورة. ولأن الأعراس العنابية تختلف في أجوائها، بين من يفضل أجواء "الديسك جوكي" الحديثة، ومن يحيي الحفل بالفقيرات والأهازيج الدينية، أو بالزرنة والقصبة، التي تعيد صخب الأعراس الشعبية القديمة، فإن الماشطة تظل الرابط الوحيد بين كل هذه العوالم. فهي تجيد التأقلم مع جميع أشكال الاحتفال، وتظل دائمًا جزءًا من الصورة مهما تغير الزمن.
وفي أحياء عنابة العتيقة، من "سيدي سالم" المطل على البحر، إلى "برمة الغاز" و"بلاص دارم"، مرورًا ب"لاكلون" و"لوريروز" وغيرها من الأزقة التي تحفظ أسرار المدينة، تبقى الماشطة أيقونة لا تغيب. تتنقل بخفة من بيت إلى آخر، حاملة صندوق أدواتها وكأنها تحمل صندوق أسرار، بداخله المشط، والمرايا الصغيرة، وأمشاط العاج، وعلب الحناء، وزجاجات العطور التقليدية، والأكسسورات، وكلما دخلت بيتًا، دخل معها الفرح، ومعها تبدأ النسوة في ترديد الأغاني التي تصف جمال العروس وتبارك زواجها.
ولأن العرس في عنابة ليس مجرد ليلة، بل سلسلة من الطقوس تمتد أيامًا، فإن الماشطة حاضرة في كل مرحلة. فهي التي تزين العروس يوم "الحمّام"، حين ترافقها النسوة بالغناء والزغاريد، وهي التي تحضر ليلة الحناء، لتزيّن يديها وأصابعها بالنقوش، ثم تعود ليلة الزفاف لتضع اللمسات الأخيرة على طلتها. وكل مرة، تُبدع من جديد لتمنح الفرح طابعًا مختلفًا. إن حضور الماشطة في الذاكرة الجماعية للعنابيات، ليس مجرد تقليد اجتماعي، بل هو شكل من أشكال الحفاظ على الهوية. فهي تحفظ طقوسًا وممارسات قديمة، تعكس رؤية المرأة للجمال والفرح، وتعيد للأحياء الشعبية دفئها، وتجعل من العرس لحظة جامعة للعائلة والجيران والأصدقاء.
في بيوت عنابة القديمة، حيث الجدران البيضاء والشرفات المزخرفة والطرقات الضيقة، يظل صوت الزغاريد الممزوجة بأهازيج الفقيرات والزرنة والقصبة مرتبطًا بصورة الماشطة. فهي التي تُجهّز العروس، وتزينها كما يليق ببنت المدينة، وتُقدّمها للناس في كامل أبهتها. إنها ليست مجرد مهنة عابرة، بل إرث نسائي خالد، يُعطي للأعراس العنابية سحرها الخاص وملامحها التي لا تُشبه أي مكان آخر. الماشطة، إذن، ليست مجرد أنامل تزيّن، بل ذاكرة حيّة تختزن قصص أجيال من النساء. هي التي تُبقي "أغراس" عنابة نابضة بالفرح، وتمنح لكل عروس يقينًا بأنها على خطى الجدات، وأن جمالها ليس مجرد زينة عابرة، بل حكاية متواصلة بين الماضي والحاضر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.