بفعل انجذابه لقوّة الزجاج في قدرته على جرحنا وحتى أخذ أرواحنا وكذا لهشاشته من خلال سهولة كسره، قام الفنان طاهر تازروت بتحويله إلى مادة فنية تملك روحا، وإلى عالم يعبرّ بواسطته على أفكاره وخياله وحتى مواقفه وهو ما يظهر في المعرض الذي ينظّمه حاليا برواق "عائشة حداد" بعنوان "أرواح الزجاج". لم يتعامل الفنان طاهر تازروت مع الزجاج كمادة نستعملها في حياتنا، بل جعله وسيلة يتمكّن من خلالها من التعبير عن خلجات نفسه، وحتى عن مواقفه حول مواضيع إنسانية وأخرى متعلّقة بالوجدان. واعتبر هذا الزجاج مادة حيّة صنع منها مواضيعه الفنية، وتلاعب كثيرا بالعلاقة التي تجمعه بالضوء، إذ يُعدّ الزجاج مادة شفافة تسمح بمرور الضوء من خلاله مع حدوث انكسار يغيّر مساره عند انتقاله من الهواء إلى الزجاج. كما ينعكس جزء من الضوء على سطح الزجاج بينما يُمتصّ جزء بسيط منه. العلاقة الفيزيائية بين الزجاج والضوء تنتج لنا علاقة أخرى عند تازروت، تأخذنا إلى مسلك التأمّل وعالم الروحانيات، وحتى إلى فنّ الرقص حيث تتراقص أشعة الضوء مرتدية ثوبا زجاجيا شفافا. وعند شفافية الزجاج، توقف الفنان كثيرا، فهل اختياره للزجاج يعود أيضا إلى شفافيته وبالتالي قدرته في تحويل أو انعكاس مواضيع قد تبدو مهمة أو أقلّ أهمية إلى محاور فنية، تحقّق لها الخلود؟. لقد جعل الفنان من الزجاج محوره الفني الخاص، مؤكّدا إمكانية أن يتحرّر الزجاج من وظائفه المعتادة وأن يصبح بدوره مادة فنية يتمكّن الفنان بها من التعبير عن مختلف المواضيع بدون استثناء. فالزجاج هنا، إن كان سائلا أو صلبا، قادر على مخاطبة الناس وأن يكون مصدرا للأحاسيس التي تنبعث من زائر المعرض الذي يجد نفسه في حضرة مادة طالما تعامل معها لكن هذه المرة بشكل مختلف تماما عن المعتاد. فالزجاج في العادة مزدوج الطباع فهو هشّ ينكسر بسرعة وفي نفس الوقت يستطيع أن يسبّب جراحا غائرة للإنسان، وحتى أن يأخذ روحه، لكنّه في هذه الفعالية يمثّل رحلة روحية ومشعلا لمواضيع إنسانية متنوّعة. يعرض الفنان في معرضه هذا، لوحات عديدة من بينها لوحة "شظايا الروح" التي وضع فيها أجزاء من الزجاج المكسور، رمزا لأوجاع الروح، بينما تمثّل لوحة "أضواء في طفولة"، بورتريه طفل ينظر على جنب، ودائما مع الطفولة نجد لوحة "براءة" لطفل يتأمّلنا ببراءة. بينما عنون الفنان، لوحة أخرى ب"الحارس" رسم فيها بالزجاج قط، فهل في عالم تازروت، القطّ هو الذي يحرس المكان بدلا من الكلب؟. دائما مع الحيوانات التي لها مكانة هامة في فن وحياة طاهر، نجد لوحة "اللحظة الحاسمة" عن قرش يهمّ بالهجوم على فريسته، ولوحة "شكل حصان" أبرز فيها تفاصيل لرأس حصان بقطع الزجاج. استعمل الفنان أيضا الزجاج لتكريم شخصيات تأثّر بها، مثل الفنان التشكيلي أمحمد اسياخم والمغني الفرنسي شارل أزنافور والمناضل نالسون مانديلا، بالإضافة الى اللوحة الشهيرة للفنان الهولندي جوهانس فارمر المعنونة ب"الفتاة ذات القرط اللؤلؤي". لوحات أخرى للفنان معروضة في هذه الفعالية، مثل لوحة "حزن" عن وجه امرأة تطرق رأسها حزنا وحيرة، ولوحة "صدى القمر" التي صنع فيها بالزجاج دائما، قاربا يطفو في البحر تحت ضوء القمر. وكذا لوحات أخرى مثل "القسم المخفي" و"شظية من العدالة" و"أثر إنساني"، علاوة على لوحات من الحجم الكبير مثل لوحة "نور إنساني" لوجه امرأة، أكّد فيها تقاطع الضوء بالزجاج. بالمقابل، استخدم الفنان في معرضه هذا، المطرقة والفرشاة، معتمدا على تقنية الزجاج المكسّر وهي تقنية قليلة الاستعمال في الجزائر. كما أنّ اهتمام تازروت بالزجاج لا يعود إلى معرضه هذا بل سبق له وأن نظّم معرضا أخر عن الزجاج عام 2023، بعنوان "تفّتح الزجاج" حاول فيه الفنان ابراز تقنيتيّ الضوء والظل عبر الزجاج المنكسر.