انطلقت المشاورات حول الإصلاحات السياسية، انطلاقة موفقة، بالنظر إلى الأجواء التي طبعت اللقاءات الأولى بين هيئة إدارة هذه المشاورات والأحزاب والشخصيات السياسية، مما يكسبها مع الجولات المتتالية، نضجا وقوة اقتراح، تسمح دون شك بتجسيد الإصلاحات المنشودة من غالبية الشعب. ولعل أهم ما ميز المحطات الأولى من لقاءات التشاور والحوار، المسؤولية والصراحة المتبادلة بين هيئة إدارة المشاورات برئاسة رئيس مجلس الأمة السيد عبد القادر بن صالح وقادة الأحزاب والشخصيات الوطنية التي كان لها شرف تدشين هذه الانطلاقة، حيث اعترف هؤلاء جميعا بحجم المسؤولية المتوخاة من المشاورات السياسية وكذا روح الصراحة المطلوبة في مثل هذه المواعيد الوطنية التي ميزت أجواء لقاءات الحوار. ويبدو من التصريحات المقتضبة للمشاركين الأوائل في المشاورات السياسية، أن الكل يغلّب المصلحة الوطنية للبلاد ويحاول أن ينقل بكل حرية، تطلعات الشعب ويسجل متطلبات الوضع الراهن للبلاد. وقبل ذلك، كان رئيس هيئة المشاورات السيد عبد القادر بن صالح قد أعطى إشارة انطلاق جولات الحوار، بالتأكيد على أن السلطة ستلتزم بالمقترحات التي تقدمها الأحزاب السياسية، موضحا بأن المصدر الوحيد للتعديلات الدستورية والتشريعية المقبلة هو جملة المقترحات والآراء والتحاليل التي ستقدمها الأحزاب والشخصيات الوطنية، مؤكدا بأن النقاش في هذه الإصلاحات سيكون حرا، ولن يوضع أمامه أي قيد مالم يتعارض مع ثوابتنا الوطنية ومكونات هويتنا. ولأن أجواء المشاورات تطبعها خصال ومبادئ، يمكن تلخيصها في الحرية، المسؤولية، الصراحة والإرادة السياسية لدى الجميع، جاءت دعوات المشاركين الأوائل في جولات الحوار، مؤكدة على ضرورة التشخيص الموضوعي للوضع الراهن وتحديات البلاد وذلك بالاعتماد على التحليل الموضوعي للواقع الوطني والدولي وتغليب المصالحة العليا للوطن على كل الحسابات السياسية الظرفية. ولعل حرص رئيس الجمهورية شخصيا على إنجاح هذه المشاورات والإقرار بتطبيق ما يصدر ديمقراطيا عن الأغلبية من آراء ومقترحات، في التعديلات الدستورية الرامية إلى تعميق المسار الديمقراطي، جعل المشاورات السياسية تجري في أجواء من الأمانة والصدق والمسؤولية السياسية، مما يؤشر على نجاحها، لاسيما وأن الجولات العديدة المتبقية، ستكسبها طعما خاصا من الجدية في الطرح ومستوى رفيعا لمقترحات الإصلاح الشامل والعميق، اعتمادا على التراكم المعرفي الذي تحدثه المقترحات والأفكار والآراء والتعليقات التي ستسجلها جولات الحوار والنقاش حول الإصلاحات. إن استمرار المشاورات السياسية حول الإصلاحات على ضوء المنهجية المتبعة وتحت الحرص الشخصي لرئيس الجمهورية، وبإشراك جميع الفعاليات السياسية وكل مكونات المجتمع الجزائري، سيؤدي لا محالة، إلى التوصل إلى توافق سياسي قد يكون الأول والأمثل حضاريا في تاريخ الجزائر المستقلة، لاسيما وأنه يحدد اختيار الجزائريين لشكل نظامهم السياسي ضمن آليات توازن السلطات، ويكون فيه الشعب مصدر السيادة، ولا سبيل إلى السلطة من دون التمثيل وآلية الانتخاب، والحكم الراشد فيه نتاج آراء الأغلبية وأفكار الأقلية، على اعتبار أن روح الديمقراطية لا تسمح للأغلبية بأن تتحول إلى مستبد للأقلية، مثلما تفرض أيضا أن تحترم هذه الأخيرة وتنسجم مع رأي الغالبية من الشعب والأغلبية في الحكم.واستمرار المشاورات ضمن المنطق الذي انطلقت منه، سيؤدي إلى نتائج سياسية وفكرية ستعمق، لامحالة، نظرة الطبقة السياسية وخيار المجتمع الجزائري لروح هذه الديمقراطية التي يراد اليوم، في هذه اللحظة التاريخية الحاسمة، تعميق مسارها، من أجل إقامة دولة عصرية ديمقراطية تكون فيها الهيمنة فقط للقانون، ولتوازن السلطات التي تعزز أركان الدولة وتقويها.