لا أحد ينكر الاهتمام الكبير الذي توليه الدولة والسلطات العمومية لقطاع الثقافة والاهتمام بفئة الشباب الذي يعتبر العمود الفقري للأمة، كونه يمثل ما لا يقل عن 75 بالمائة من مجموع السكان، الأمر الذي استوجب الاهتمام به وبتطلعاته والعمل الموضوعي على تحقيق آماله والاستجابة لطموحاته، ومن أولى هذه الاهتمامات توفير كل مل من شأنه الرفع من مستواه العلمي والثقافي، وهو الأمر الذي تطلب تخصيص الكثير من الأغلفة المالية من اجل انجاز العديد من دور الثقافة والشباب على المستوى الوطني، وبالتالي، فإن ولاية وهران كغيرها من الولايات نالت حصتها من تحقيق وتجسيد هذه الإنجازات لفائدة الشباب. وللتعرف أكثر على هذا الواقع قمنا بزيارة ميدانية إلى العديد من المراكز الثقافية ودور الشباب المتواجدة عبر الولاية، وذلك من اجل الاطلاع عليها والاستفسار عما إذا كانت تقوم بالدور المنوط بها وهل تلبي فعلا آمال الشباب وتسعى إلى تجسيد تطلعاتهم، حيث اكتشفنا أن الكثير إن لم نقل كل المراكز الثقافية ودور الشباب، لا تقوم بالدور الفعلي والأساسي الذي وجدت من اجله وتحولت إلى شبه مراكز للتكوين المهني والتمهين، وأصبحت تعمل على تدارك النقص المسجل على مستوى مختلف الحرف والصناعات التقليدية كتعليم الخياطة والحلاقة، وهو الأمر الذي يطرح العديد من الأسئلة ذات البعد القانوني. فبغض النظر عن الوضعية الكارثية غير المقبولة التي يوجد عليها الكثير من هذه المراكز الثقافية ودور الشباب، حيث أنها في حاجة ماسة إلى عمليات ترميم وتهيئة كونها تعاني من خطر الانهيار في أية لحظة جراء سلسلة من الانهيارات الجزئية، فعلى سبيل المثال نجد المركز الثقافي عبد المؤمن بن علي المتواجد بحي العثمانية بوهران والذي يستقبل ما لا يقل عن 140 منخرطا بشكل يومي بهدف التكوين في الكثير من التخصصات الخاصة بالإناث مثل الخياطة والحلاقة و الطرز على الحرير وغيرها من التخصصات، يفتقد للكثير من التجهيزات الخاصة بهذه التخصصات في مجال التكوين والتمهين، كما أن التجهيزات المتوفرة لا تستجيب لمتطلبات المتربصين والمتربصات اللواتي يشكلن الغالبية من المنخرطات، كما أن المركز الثقافي يفتقر إلى النشاطات الثقافية ليصبح هيكلا من دون روح كونه أصبح لا يلبي طموحات وتطلعات الشباب المتوجه إليه مثله مثل بقية المراكز الثقافية الأخرى، حيث نجد منتدى محمد بوضياف المتواجد بالمسمكة بوهران الذي كان من أهم وأكثر المراكز المشعة ثقافيا لم يعد كذلك بسبب حالة التدهور التي أصبح يعيشها جراء الاستيلاء والاستحواذ عليه من طرف بعض العائلات المتشردة من ديارها ومساكنها بعد الفيضانات التي عرفتها الولاية عام 2001، خاصة حي سيدي الهواري، ليلجأ الكثير من أرباب الأسر والعائلات المتضررة إلى هذا المنتدى الثقافي والسكن فيه استثنائيا إلى غاية توفير مساكن لائقة لهم ليبقوا في حالة الانتظار إلى الآن وتفقد بذلك وهران واحدا من اكبر منتدياتها الثقافية التي كانت رمزا من رموز الإشعاع الثقافي بسبب ضمه للعديد من الجمعيات الثقافية التي كانت جد نشطة، كون الموقع الإستراتيجي للمنتدى جعله فعلا قبلة المثقفين وطالبي العلم من كل ربوع الولاية، غير آن وضعه الحالي أصبح لا يبعث على التفاؤل أصلا بما ينتظر الثقافة بولاية وهران، التي أصبحت تركز جل نشاطاتها بدار الشباب معواد احمد غير البعيدة عن مقري الولاية ومديرية الشباب والرياضة. من جهة أخرى، لا بد من التذكير بمركز ثقافي آخر يوفر الكثير من فرص التعلم للطلبة والمتواجد بوسط المدينة، ألا وهو مركز ابن تاشفين الذي يوجد به أكثر من 200 منخرط ويوفر كغيره من المراكز الأخرى فرص التعلم في الإعلام الآلي والخياطة والرسم الإشهاري والتصوير الرقمي وتعليم اللغات الحية المختلفة في مختلف المستويات، وذلك بالاستعانة بالأساتذة الثانويين والجامعيين ليكون بذلك بمثابة المنارة التي عوضت على الوهرانيين المنتدى المفقود بالمسمكة والذي لا يمكن استعادته إلا بإعادة إسكان العائلات المتواجدة به والتي استولت عليه منذ 12 سنة، علما ان حالته الكارثية لا تبعث على الارتياح تماما وهي مقلقة فعلا بالنسبة للسكان المتواجدين به كونه مصنفا في الخانة الحمراء وضمن البنايات الخطرة الآيلة للسقوط في أي لحظة. وفي زيارة مماثلة للمركز الثقافي شايلة الهواري بحي المنزه، فإن ما يمكن ملاحظته هو قلة الاهتمام بهذا المرفق الثقافي الهام وهجره من طرف الطلبة والتلاميذ على حد سواء، وعدد المنخرطين فيه في تقلص متواصل وتناقص مستمر وذلك بسبب غياب النشاطات الثقافية وقلة النشاطات الترفيهية والاقتصار على تعليم الفتيات الحلاقة والخياطة، لنجد المركز الثقافي تحول بقدرة قادر إلى ما يشبه مركزا من مراكز التمهين والتعليم المهني ويتحول عمليا إلى وصاية وزارة أخرى بدل الوزارة التي يتبعها نظريا، ورغم أن مختلف المراكز التي زرناها تعرف نفس المشاكل إلا أنها تسعى في مجملها الى منح الفرصة للشباب من الجنسين لتعلم مهنة من المهن وعدم فسح المجال للخمول والضياع، كما لاحظنا توفر الكثير من المراكز على أجهزة وإمكانيات لا يستهان بها غير أنها ليست مستغلة بالطريقة المثالية، وهو ما يطرح أكثر من سؤال تختصر الإجابة عليه في النقص الكبير في تنسيق العمل بين مختلف القطاعات الوزارية التي تنشط خارج الانسجام الذي يتطلبه الوضع الراهن من الاستغلال الأمثل للإمكانيات المتاحة والمتوفرة للشباب، الذي لا يطلب سوى مد يد العون له ومساعدته على تحقيق آماله وطموحاته المشروعة في ترقيته وتوعيته والاستماع إليه، مع العمل الموضوعي على الاستجابة إلى اهتماماته والسعي إلى تجسيد الأفكار على ارض الواقع، وهو الأمر الذي من شانه أن يرقي الحس المدني و الوطني لدى فئة الشباب الذي هو عماد الأمة ومستقبلها.