لم يجد المواطن المغربي البسيط، سوى الخروج إلى الشارع للتعبير عن درجة سخطه على واقع اجتماعي ما انفك يسير من سيء إلى أسوأ، في ظل مؤشرات زادته قناعة أنّ أوضاعه لن تتحسن بقدر ما هي سائرة في الاتجاه السالب. ولم تكن الزيادات الأخيرة في أسعار الوقود بمختلف أنواعه والحليب، سوى القطرة التي كان ينتظرها هذا الشارع حتى يفيض كأس غيضه ضد حكومة لم تستطع تلبية مطالبه الأساسية من شغل ورفع للأجور تتماشى مع واقع الغلاء المستفحل. كان خروج آلاف المغربيين إلى شوارع العاصمة الرباط في أضخم مسيرة شعبية ضد غلاء المعيشة مساء الأحد، إلا تعبيرا عن عدم قدرة المواطن المغربي على تحمّل أعباء حياة يومية متفاقمة. فلا العامل العادي استطاع أن يجابه أسعارا جنونية ولا البطال استطاع أن يحصل على منصب شغل يقيه الحاجة والعوز، وبقي هؤلاء وكل شرائح المجتمع المغربي يتخبطون في ضنك عيش يزداد قساوة من يوم لآخر. والواقع، أن قرار حكومة الإسلامي عبد الإله بنكيران بالزيادة في أسعار الوقود، لم يكن بمحض إرادتها لمعرفتها المسبقة لتبعاته على جبهة اجتماعية متأججة، ولكنها وجدت نفسها مرغمة على ذلك للتخفيف من فاتورة استيراد لمادة لا يمكن الاستغناء عليها، في ظل الارتفاع المتواصل لأسعارها في الأسواق الدولية، وبالتالي التخفيف من عجز ميزانية عامة قاربت الخطوط الحمراء. وهي كلها معطيات جعلت هامش المناورة يضيق من حول أول حكومة إسلامية تدير شؤون الحياة المغربية، وزادها تراجع عائدات صناعتها السياحية تفاقما، بعد أن هجرها سياح كانت المغرب قبلتهم المفضلة. كما فرض المزارعون الأوروبيون وخاصة الاسبان والفرنسيين منهم قيودهم على المنتجات الفلاحية، في نفس الوقت الذي عرفت أسعار مادة الفوسفات التي تبقى أهم مورد للخزينة العمومية المغربية أدنى مستوياتها. ورغم انهيار أسعار هذه المادة في الأسواق العالمية، إلا أنّ السلطات المغربية لم تجد بدا في تكثيف صادراتها منهارة، علّها تتمكن من التخفيف من عبء عجز الميزانية العامة الذي يكاد يهوي بالاقتصاد المغربي إلى حافة الإفلاس. ولكن المواطن العادي لا تهمه مبررات الحكومة ولا يثق في تفسيراتها، لأن كل ما يهمه يبقى كيفية إعالة أسرته وضمان عيش أفرادها. ولذلك، فإن مسيرة أول أمس سوف لن تكون إلا البداية لموجة احتجاجات قادمة، على اعتبار أن كل شرائح المجتمع المغربي تضررت من هذه الزيادات ولم تعد قادرة على مواجهة أعباء معيشة ما انفكت منحنياتها تسير في الاتجاه التصاعدي، ولم يعد سوى الشارع متنفسه ووسيلة ضغطه الوحيدة. والمفارقة، أن حزب الاستقلال الذي كان شريكا في حكومة بنكيران قبل أن يغادرها، كان من بين الداعين إلى هذه المسيرة الاحتجاجية. بل أن رئيسها حميد شباط الذي يضمن رئاسة بلدية مدينة فاس في وسط البلاد، عمل كل ما في وسعه من أجل إقناع المواطنين بالتوجه إلى العاصمة الرباط للمشاركة فيها، مسخرا لهم مئات الحافلات لتسهيل عملية تنقلهم. ولم يكن مثل هذا العمل ليمر هكذا دون أن يفتح الباب أمام سيل القراءات والتأويلات طغى عليها أن الأمر محبوك من الأعلى، وأنّ أيام حكومة بنكيران تكون قد قاربت على نهايتها. وهو الاحتمال الأكثر واقعية، إذا علمنا أن شباط لم يفعل ذلك خفية، بل أرفقها بتصريح ناري أصرّ فيه على ضرورة تراجع الحكومة عن قراراتها، وأنه سيدعو إلى إضرابات ومسيرات في كل مدن وقرى المملكة. وبالنظر إلى علاقة البلاط المغربي بالأحزاب المغربية التقليدية وخاصة حزب الاستقلال، فإن تصرف حميد شباط لا يمكن إخراجه عن خطة في أعلى هرم السلطة المغربية للانتهاء مع أول حزب إسلامي يقود الحكومة المغربية منذ استقلال هذا البلد. وهي الفرضية المطروحة على أكثر من لسان، وخاصة أن الوزير الأول المغربي لم يتمكن من إعادة بعث الروح في حكومته منذ مغادرة وزراء حزب الاستقلال الستة، رغم لعبه لورقة النواب الأحرار الذين لجأ إليهم من أجل إنقاذ حكومته من سقوط وشيك. والمؤكد، أن الملك محمد السادس الذي قبل على مضض منح رئاسة الحكومة لحزب إسلامي لا يريد أن يبقى المشهد العام شبه مجمد، ولذلك فإن صبره قد ينفد في أية لحظة ويجعل أيام بنكيران معدودة.