بوغالي: تجريم الاستعمار الفرنسي قضية شعب بأكمله ورسالة سيادية لحماية الذاكرة الوطنية    الجزائر وناميبيا تؤكدان تطابق مواقفهما إزاء القضايا العادلة في إفريقيا    الجزائر تدعو إلى إصلاح منظومة الأمم المتحدة    إرساء إدارة إقليمية فعّالة ضمن أولويات إصلاحات الدولة    زرهوني يؤكّد ضرورة توظيف الذكاء الاصطناعي    البورصة الجزائرية تشهد تحولا رقميا مبتكرا مع إطلاق منصات إلكترونية لتداول الأسهم والسندات    وصول أول قطار لخام الحديد من غارا جبيلات إلى وهران نهاية جانفي.. محطة تاريخية في مسار التنمية الصناعية    2.4 مليون متعامل مُقيَّد بالسجل التجاري    بلمهدي يشرف على اللقاء الدوري    الرُضّع يموتون يومياً من البرد في غزّة    استراتيجية الأمن القومي الأمريكي ... أوهام أم حقائق؟    أوّل هزيمة للعميد هذا الموسم    الخضر في المغرب.. والعين على اللقب    شرفي تزور مصلحة مكافحة الجرائم السيبرانية    الوالي يتفقّد مختلف المشاريع التنموية بدائرة شرشال    إطلاق منصّة رقمية للعمل التطوعي مبادر    مصرع 7 أشخاص وإصابة 239 آخرين في حوادث مرور خلال 24 ساعة    اختتام الدورة التأهيلية التاسعة للمرشحين للمسابقات الدولية لحفظ القرآن الكريم    إشادة بدعم رئيس الجمهورية للبحث    الشعب الفلسطيني ما زال يقف على عتبة الأمم المتحدة منتظرا نيل حريته    أجواءً ممطرة وبارة على كل المناطق الشمالية للوطن    كنان الجزائر" توسع خطها البحري ليشمل ميناء كوبير بسلوفينيا    ضرورة الحفاظ على إرث وتراث الدولة السورية الغني    عبدلي يعوّض عوّار    الملك تشارلز يستقبل جزائريا أنقذ ركّاب قطار خلال هجوم ببريطانيا    برلمان الطّفل الجزائري يعقد أولى جلساته الإثنين المقبل    دعم التعاون الجزائري الإثيوبي في المجال الأمني    "إنصات" للتكفّل بعرائض المواطنين في قطاع البريد    فتح القباضات اليوم السبت لدفع التصريح الشهري"ج 50′′    التحضير لمنتدى قادة شباب الجزائر    انطلاق المرحلة الثانية للأيام الوطنية للتلقيح ضد شلل الأطفال    تأخر كبير في التهيئة    68 مداهمة شرطية لأوكار الجريمة    الأمطار الغزيرة تتسبب في حوادث مختلفة    تسليم مفاتيح 100 سكن اجتماعي    مشاريع ابتكارية تعزّز ريادة الأعمال والاقتصاد الأخضر    "الشلفاوة" يحققون الأهم أمام "الحمراوة"    لقاءات تشاركية مع مهنيي السينما    المكتبة الرئيسية تحتفي باليوم العالمي للغة العربية    "الثورة الجزائرية في الدراسات المعاصرة" مجال بحث مفتوح    أشبال عمروش من أجل التنافس على الريادة    الاستلاب الحضاري المتواصل..!؟    نحو تعزيز إنتاج الأفلام وترقية الابتكار الشبابي.. وزيرة الثقافة والفنون تعقد لقاءات تشاركية مع صنّاع السينما    الوزير الأول يشرف على مراسم توزيع جائزة رئيس الجمهورية للأدب واللغة العربية في طبعتها الأولى    شبيبة القبائل توقع عقد شراكة مع مستثمر جديد    الكيان الصهيوني يستفيد من نظام عالمي لا يعترف إلا بالقوة    كرة القدم / الرابطة الثانية /الجولة ال13 : مواجهات حاسمة على مستوى الصدارة وتنافس كبير في ذيل الترتيب    دعوة ملحة لإعادة إعمار غزّة    فتاوى : الواجب في تعلم القرآن وتعليم تجويده    إنه العلي ..عالم الغيب والشهادة    محبة النبي صلى الله عليه وسلم من أصول الإسلام    هذا برنامج تحضيرات "الخضر" قبل السفر للمشاركة في "الكان"    تمكين الطلبة للاستفادة من العلوم والتكنولوجيات الحديثة    دعم السيادة الصحية بتبادل المعطيات الوبائية والاقتصادية    أبو يوسف القاضي.. العالم الفقيه    الجزائر تُنسّق مع السلطات السعودية    40 فائزًا في قرعة الحج بغليزان    الاستغفار.. كنز من السماء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شذى العرف في علم النحو والصرف
نشر في المساء يوم 02 - 10 - 2013

ألا ما أشبه قواعد النحو العربي بما نقرأ عنه اليوم في المجلات العلمية عن تشطير الحامض النووي!
ليس في عملية التشطير البيولوجي أي مغالاة، بل هو على ما يبدو لنا عملية طبيعية بلغها العلم في أيامنا هذه، وصار من الضروري بمكان تجزئة الكائن البشري شريحة حتى يمكن التوغل في تخوم هذا الكائن والاطلاع على جميع التضاريس التي نعيش عليها وبها من البداية إلى النهاية. وتلك طبيعة العلم حقا منذ أن وجد العلم بمعناه الدقيق.
لكننا عندما نراجع عملية التقعيد النحوي في تاريخ اللغة العربية نشعر بالحاجة إلى طرح التساؤل التالي: ألم يغال النحويون العرب عندما عمدوا إلى التقعيد النحوي منذ القرن الأول للهجرة؟ أم إن طبيعة اللغة العربية هي التي دفعتهم إلى مثل هذه المغالاة في التقعيد؟
قال البصريون كذا، وقال الكوفيون شيئا آخر. وقال بعض مؤرخي اللغة العربية إن الكوفيين كانوا أشد ليونة وأبعد عن التطرف في التقعيد النحوي في حين أن البصريين كانوا متزمتين، إلى ذلك من الأوصاف. وإذا كان هؤلاء وأولئك قد اتفقوا على كلمة ”فعل”، وجعلوا منها المرجع الأول والأخير في عملية التقعيد الصرفي والنحوي معا، فإنهم تفرقوا بعد ذلك حين أجاز البعض منهم كذا وكذا في مسألة الإعراب، وتشدد الآخرون في نفس العملية. وهكذا وجدنا أنفسنا بعد هذه القرون الطويلة وجها لوجه مع عالم من القواعد النحوية التي لا تكاد تستقر في أذهاننا لولا أن اللغة العربية لغة ذات موسيقى خاصة تسمح بأن تستقر في الأدمغة وفي النفوس معا.
«شذى العرف في النحو والصرف” كتاب لعالم أزهري من أواخر القرن التاسع عشر، وهو من ألطف ما قرأت في علم النحو، لكنه من أصعب الكتب على الإطلاق. والسبب هو أنه ينطوي على الآلاف من القواعد الصرفية والنحوية التي يشق على الدارس أن يحفظها ويأخذ بها في حياته المعرفية. تصاريف لا تكاد تخطر على البال، ومعان بعيدة البعد كله عن سياق الكتابة العربية، ومزاوجة بين أمور نحوية وصرفية قد يتقبلها البعض من علماء النحو وقد يرفضها آخرون. وفي أثناء ذلك يضيع القارئ والدارس في بحري هذه القواعد النحوي والصرفي ويتيه في دهاليز اللغة العربية.
عندما فرغت من مطالعة هذا الكتاب تنفست الصعداء وحمدت الله على أنني لست في حاجة إلى مراعاة تلك الآلاف من القواعد النحوية، إذ لو فعلت لوجدت نفسي ضائعا في ما يشبه أجمة ملتفة الأشجار لا أهتدي فيها إلى سبيل.
واستذكرت أيام الصبا الأول عندما كنت وغيري من تلاميذ اللغة العربية في مطالع الخمسينات نتعلم هذه اللغة، بل نفتكها افتكاكا من أفواه معلمينا، عليهم رحمة الله الواسعة. واستذكرت في الوقت نفسه بعض القواعد التي تضمنها كتاب ”النحو الواضح” بأجزائه الثلاثة. وحمدت الله على أنني أخذت قواعد النحو العربي من ذلك الكتاب القيم الذي ما عاد يجري له ذكر في حياتنا التربوية بالرغم من طرافته وسلاسته وسهولته. كنا نحسن إعراب الجملة العربية، ونحسن التصريف في الوقت نفسه بفضل ذلك الكتاب القيم، ولا نخطىء أبدا في قواعد الصرف والنحو، ولكأننا من أبناء الحجاز في عصوره الزواهر، بل، وفي عصور الجاهلية عندما كانت اللغة العربية لغة سليقة تجري على الألسن دون أن يحتاج الناطق بها إلى أن يراعي هذه القاعدة النحوية أو الصرفية لأنها كامنة في الأعماق، تسري سريانا فيه كالماء العذب النمير.هل صارت اللغة العربية أسهل امتلاكا في عصرنا هذا؟ وهل صار في مقدور الطالب أن يتمكن منها ويلوي عنقها دون صعوبة تذكر؟ أحسب أننا فعلنا مثلما فعل الغراب حين أراد تقليد الحمامة في المشي فعجز، ثم عاد إلى مشيته الطبيعية فعجز أيضا. شخصيا ما عدت أجد أثرا لذلك الجمال اللغوي القديم في كتاباتنا المعاصرة بالرغم من أن ذلك الجمال ما كان سهل الاكتساب نتيجة لعملية التقعيد النحوي والصرفي في تلك العهود. ولولا أن جانبا كبيرا من اللغة العربية جانب يقوم على ما هو سماعي لكنا أضعنا هذه اللغة إلى أبد الآبدين.
كان المرحوم الدكتور الجنيدي خليفة قد وضع كتابا في هذا الشأن في بدايات الاستقلال بعنوان ”من أجل عربية أفضل”، فهل فكرنا اليوم في أن نواصل ذلك الجهد الجبار ونعمل على ضبط أمور اللغة العربية نحوا وصرفا في أيامنا هذه؟ شخصيا، ما عدت قادرا على إعراب الجملة العربية كما تكتب اليوم، والسبب هو أنها تلونت كثيرا بالجملة الفرنسية، أو الإنجليزية. وذلك أقبح شيء يمكن أن يصيب لغة من اللغات، وأبغض ما يمكن أن ينال دارسا من دارسي اللغة العربية.
فعل كان البصريون والكوفيون رحماء باللغة العربية عندما عملوا على وضع ذلك الكم الهائل من القواعد النحوية والصرفية في القرن الأول للهجرة؟ وهل كانوا أسبق، من حيث المنهج، من علماء البيولوجيا الذين يعملون اليوم على تشطير الحامض النووي؟
لكنني أحمد الله بيني وبين نفسي على أن اللغة العربية موجودة أساسا في القرآن الكريم، ذلك الذي حماها وحال بينها وبين الضياع الكلي. وبالفعل، فأنا في هذا الشأن أشبه ما أكون بما ينصح به بعض الكلاسيكيين من الفرنسيين: عليك بقراءة صفحات من الأدب الكلاسيكي كل يوم حتى تغسل ما علق بلسانك من أدران لغوية خلال سحابة نهارك! كل محب للغة العربية مطالب بأن يطالع شيئا من كلاسيكيات الأدب العربي كل يوم حتى يمسخ الشوائب اللغوية التي التصقت به سحابة يومه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.