تمكن وزراء خارجية مجموعة "الخمسة زائد واحد" وإيران في ساعة متأخرة من ليلة السبت إلى الأحد، من التوصل إلى اتفاق "تاريخي"، يضع حدا للجدل المتواصل منذ عشر سنوات حول الملف النووي الإيراني.وجاء هذا الاتفاق الأول من نوعه في أعقد ملف تواجهه المجموعة الدولية بعد خمسة أيام من مفاوضات مضنية وعسيرة، استدعت حضور وزراء خارجية الدول المعنية، وبعد عدة جولات من التفاوض، التي كثيرا ما انتهت إلى نتيجة صفرية، بل إنها كثيرا ما عقّدت العلاقات بين طهران والعواصم الغربية وأوصلتها إلى حد القطيعة. ورغم أن الاتفاق المتوصَّل إليه لكبح "تقدم الأبحاث النووية الإيرانية" نُعت ب "التاريخي"، إلا أنه يبقى من وجهة نظر عملية، مجرد اتفاق أولي، وخطوة على طريق مسار طويل قبل التوصل إلى التوقيع على اتفاق نهائي. وتضمّن الاتفاق أساسا قبول إيران بوضع ضوابط لأبحاثها النووية مقابل التزام غربي برفع العقوبات الاقتصادية، التي فرضتها على هذا البلد خلال السنوات الأخيرة ووضعته في شبه عزلة دولية. ويمكن القول إن الاتفاق في إطاره المعلن عنه يبقى مجرد خطوة لتهدئة الخواطر واستعادة الثقة المفقودة، بدل الريبة والشك التي طبعت العلاقات بين الجانبين المتفاوضين وتهيئة الأجواء خلال الأشهر الستة القادمة؛ تمهيدا لعودة مفاوضي الجانبين إلى الطاولة من أجل بحث الملف في مناحيه الأكثر عمقا وحساسية. وهو ما يجعل التفاؤل الذي طبع مواقف إيران وكل الدول الغربية، يأخذ طابعا ظرفيا فقط؛ على اعتبار أن الأمور الجدية لم تُطرح على الطاولة، ومن منطلق أن الخلافات قد تطفو على بعض الجزئيات الجوهرية، وتعيد الأمور إلى بداياتها. وبالنظر إلى تصريحات الأطراف المعنية بهذه المفاوضات، يتضح أن الجميع شعر بأنه خرج منتصرا من قبضة حديدية عمّرت لأكثر من عشر سنوات، وكادت تداعياتها أن تنزلق إلى حرب مفتوحة. فقد اعتبر آية الله علي خامينائي مرشد الثورة الإيرانية المعروفة عنه مواقفه المتشددة بخصوص حق بلاده في اكتساب التكنولوجيا النووية، الاتفاق بمثابة نصر لإيران، في نفس الوقت الذي أكد الرئيس الأمريكي، أحد أشرس المعادين لهذا البرنامج، أن الاتفاق خطوة أولى هامة، بينما قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إنه "لا يوجد خاسر، والكل خرج منتصرا". وهو ما يعطي القناعة بأن المتفاوضين من هذا الطرف وذاك اقتنعوا بعد كل جولات التفاوض، بأنهم مرغَمون على تقديم تنازلات رأوا أنها ضرورية للخروج من عنق الزجاجة الذي بلغته المفاوضات. ولكن المتتبعين الأكثر تشاؤما ذهبوا إلى النبش في الجوانب الغامضة في هذا الاتفاق، وراحوا يؤكدون أن ذلك قد يؤدي إلى تأويلات متباينة، وربما متناقضة بين الجانبين، بما قد يؤجج مرة أخرى الخلافات ويعيد الأمور إلى نقطة الصفر. ويبدو أن أول تأويل بين إيران والدول الغربية سيخص مسألة التخصيب حجر الزاوية في أية أبحاث نووية، ففي الوقت الذي أكد بيان الرئاسة الأمريكية أن الاتفاق تم حول وقف التخصيب إلا في حدود 5 بالمائة، أكد الرئيس الإيراني حسن روحاني أن "الاتفاق تضمّن حق إيران في تخصيب اليورانيوم فوق أراضيها؛ في تعارض مع ما أدلى به وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، الذي أكد أن الاتفاق لم يشر إلى حق إيران في التخصيب رغم تأويلات بعض الأطراف". ولكن إذا سلّمنا أن الاتفاق يبقى خطوة هامة على طريق منع إيران من امتلاك القنبلة الذرية، كما أكد على ذلك الرئيس الأمريكي، فإن السؤال يُطرح حول موقف إسرائيل، التي شكلت جبهة معارضة لوحدها ضد هذا الاتفاق الذي رحبت به كل المجموعة الدولية. ولم ينتظر الوزير الأول الإسرائيلي بنيامين نتانياهو طويلا للقول بأن المجموعة الدولية ارتكبت "خطأ تاريخيا" في وقت أكدت حكومته في بيان لها، أنه اتفاق شيء، أعطت من خلاله مجموعة الستة لإيران ما كانت تريده؛ برفع العقوبات عنها والإبقاء على جزء كبير من برنامجها النووي". وتحوّل الاتفاق في أوساط الطبقة السياسية الإسرائيلية، إلى صدمة حقيقية بعد أن رأوا في الاتفاق نصرا لإيران إلى درجة جعلتهم لا يستبعدون ضرب إيران؛ بقناعة أنها ستنتج القنبلة الذرية في ظل سريان هذا الاتفاق.