أبرز الأستاذ بسو كيف أن الباحثة آمنة بلعلى بيّنت في روايتها علاقة التاريخ بالمتخيل في الرواية، و هذا من خلال طرحه لسؤال هل عندما نقرأ رواية توظف التاريخ أو تعود إلى التاريخ، هل نقول إننا نقرأ تاريخا؟ هل إننا نقرأ متخيلا بمعنى هو شيء آخر ليس تاريخا، وإنما متخيل بأتم معنى الكلمة؟ و قال بسو في بحثه إنّ الباحثة استعانت بروايتين وظفتا التاريخ إحداهما مكتوبة بالفرنسية للكاتب "مصطفى كبير علوي" عنوانها (ثاغست) القديس أوغستين في الجزائر، وهي توظف تاريخ النوميديين في علاقتهم بالرومان و الرواية في مجملها تحكي عودة القديس سان أوغستين إلى الجزائر في 388 بعد الميلاد، لما كان مدرسا في روما ثم عاد إلى ثاغست/سوق أهراس كم تسمى اليوم، عندما عاد بحلم آخر يختلف عن ذلك الذي خرج به من ثاغست، خرج ملحدا و عاد مؤمنا في مصاف القديس لكي يروج كما أسماه مدينة الله أو الأفق الإنساني المسيحي. وعندما عاد كانت الأمور مضطربة بنوميديا، حيث كانت هناك حركة تمرد من النوميديين ضد روما التي كانت تعيش آخر أيام إمبراطوريتها. أما الرواية الثانية فهي رواية " الأمير ومسالك أبواب الحديد" للروائي واسيني الأعرج، والذي يستثمر فيها تاريخ مقاومة الأمير وسيرته فنجد عدة حالات في هذه الرواية لوجود التاريخ. الحالة الأولى: الجانب التوثيقي،حيث نجد في الرواية حديثا عن التاريخ كما هو بتواريخه بأسمائه المعروفة، بأحداثه التي وُجدت في التاريخ سواء في تاريخ المقاومة التي هي موجودة بالتفصيل في كتاب "الأمير" منذ أن بويع بالإمارة إلى أن هزم، ثم بعد ذلك هناك تاريخ ثان، الذي اكتشفه واسيني الأعرج من خلال المراسلات التي كانت بين الأمير عبد القادر ومون سنيور دي بيش،في مخطوط وجده عند صديق فرنسي له، فاستثمر تلك المراسلات ليطرح قضية أساسية ومهمة وهي القضية المرتبطة برؤية الموجود في الرواية وهي التي تجسد ما أسمته (آمنة بلعلى) بالهوية الثالثة، وهي في هذه الرواية قضية التسامح وحوار الأديان وحوار الثقافات، أو ما أسماه بالبعد الإنساني الذي يجب أن يكون بين مختلف الشعوب بما في ذلك الجزائريين و الفرنسيين، لأن واسيني الأعرج يعنى بكثير في حواراته بأنّ الثقافة الفرنسية لم تخض حربا ضد الشعب الجزائري، وانطلاقا من هذه الأطروحة يطرح رؤية حول حوار الأديان وحوار الثقافات من خلال فكرة التسامح التي هي النسق الأساسي الذي تسير عليه هذه الرواية من بدايتها إلى نهايتها . و عرّج الباحث على موضوع الهوية السردية ل: أ.سامية إدريس ، التي اعتبرت أن فالرواية نظام تمثيلي على درجة عالية من التعقيد بحيث يتشرب إيحاءات الفضاء بين-الثقافي ويتخذ موقعا و موقفا ضمنه، لكن قبل أن تكون الرواية حاملا من حوامل الهوية الثقافية فهي مرحلة أولى حاملة لهوية سردية. إن التمثيل الروائي مسكون بازدواجية أساسية بين صورتين؛ صورة السرد أو الكتابة (النص)، وصورة المسرود أو العالم (المرجع)، وهما في المحصلة يحددان ملامح التمثيل الثقافي الذي تبرز فيه فكرة التعددية كأهم خاصية ، و دائما تواصل الباحثة أن الرواية الجزائرية خروجا عن السياق العام للتفاعل الثقافي في العالم، مهما كانت الضفة التي تطلّ منها، وهو المنطلق الذي يسمح لنا بنفي التعارض "المفترض" بين نموذجين، وطرح الرواية بوصفها آلية من آليات تشكيل الهوية الثقافية وتمثيلها في آن معا. أما الدكتورة أ.د. نورة بعيو ، ترى الباحثة أن الواقع المعيش يُظهر لنا أننا أمام هويتين في أي مجتمع عربي، ومن هنا تنشأ إشكالية مهمة جدا، وهي عن أية هوية نبحث؟ هل نبحث عن المحافظة على الهوية العربية الإسلامية بدافع الوطن العربي الكبير أو العالم الإسلامي الواسع، أو الهوية المغربية الجزائرية والسعودية وهكذا... وإذا سلّمنا أن هذه الهويات المحلية هي جزء لا يتجزأ من الهوية الأم، فيمكن القول إنّ الكل يتحصن ويتقوى بالجزء. ، و حسبها لعلّ من أبرز الخطابات الروائية الجزائرية المعاصرة التي جسدت أسس الهوية الجزائرية بثالوثها المعروف: اللغة،الدين والتراث بقسميه المعنوي والمادي. نجد من باب التمثيل لا الحصر: عبد الحميد بن هدوقة، جيلالي خلاص، الطاهر وطار، رشيد بو جدرة، مرزاق بقطاش، أحلام مستغانمي، أمين الزاوي، إبراهيم سعدي، واسيني الأعرج ،الحبيب السائح وغيرهم. لقد حاول كل واحد من هاؤلاء المبدعين المعاصرين التأكيد على فكرة انتماء هذا الخطاب الروائي إلى المجتمع الجزائري بخاصة و العربي بعامة، وكل بطريقته المميزة. فالأصل موجود وملامح عولمة هذا الخطاب أو ذاك ممكنة طالما أن الروائي الجزائري يجتهد باستمرار في إضفاء الصبغة العالمية على إبداعاته، حتى لا تحاصرها المحلية الضيقة فتموت، لأن التشبث بروح الأصالة لا يفرض التحجر والانغلاق على الذات، بل إنّ الأصالة إذا نُظر إليها بمنظور إيجابي يمكنها أن تؤثر في الآخر وبالتالي تنفتح عوالم عديدة، بالإضافة إلى العالم الذي هي موجودة فيه قبلا.