يلتقي صباح اليوم السبت كتاب ومثقفون من جيل الشباب في مبادرة لتكريم الشاعرة والكاتبة الجزائرية الراحلة صفية كتو، وذلك من خلال تنظيم وقفة خاصة أمام ”جسر تيلملي” بالعاصمة، المكان الذي شهد انتحارها بطريقة غريبة وغامضة سنة .1989 ، و خصّصوا صفحة خاصة عبر موقع التواصل الاجتماعي ”فيسبوك” لهذا الغرض • وتتمثل المبادرة في جلب الحلوى والشرائط الحريرية الصفراء والورود الصفراء، نسبة إلى بلدة الكاتبة الواقعة بمنطقة ”عين الصفراء” بولاية النعامة، بالإضافة إلى نسخ صور الراحلة وشعرها لتعليقه فوق سياج الجسر وتوزيع الهدايا والورود على المارة• وقرر المنظمون استقدام عازفين وإنجاز لوحة جدارية تكريما للأديبة صفية كتو• وتسعى المبادرة، وفق القائمين عليها، إلى ”إحياء ذاكرة صفية كتو وتحويل يوم ومكان انتحارها سنة 1989 إلى مناسبة لتذكرها وقراءة نصوصها، وإخراج الشعر والإبداع من المناسبات الرسمية والأماكن المغلقة إلى الشارع”• وولدت زهرة رابحي المعروفة في عالم الأدب والصحافة باسم ”صفية كتو ” في ال 15 نوفمبر 1944 بمنطقة ”العين الصفراء”، وهو الاسم الآخر لمدينة ”العين الصافية”• ومع بداية الاستقلال اشتغلت كمدرسة للغة الفرنسية ثم فضلت الانتقال إلى العاصمة لتعمل مع بداية السبعينات كمتعاونة في وزارة التربية والتعليم ثم موظفة مؤقتة في شركة تهتم بالفلاحة، ثم صحفية في وكالة الأنباء الجزائرية سنة .1973 وتعد كتابات الأديبة التي رحلت يوم الأحد 29 جانفي 1989 بالجزائر العاصمة في انتحار غامض، بالحساسية المفرطة اتجاه كل ما هو جميل، حيث تفننت بإرادتها الحالمة من تأثيث كوكب بنفسجي لا يعرف إلا الصفاء والجمال، وهو ما تجلى من خلال مجموعتها الشعرية ”صديقتي القيثارة”، ومجموعتها القصصية ”الكوكب البنفسجي” الصادرة سنة .1983 وتعد كتو واحدة من اللواتي كتبن باللغة الفرنسية، وفي كتابتها رصد للواقع الوطني والحياة الاجتماعية• وبدأت موهبة الكتابة عندها وهي في الخامسة عشر من عمرها، غير أن الكتابة الفنية كانت في عام 1960 عندما بدأت تقدم قصائد عن الثورة والنضال في الثانوية، فكانت أول قصيدة نشرت لها بعنوان ”الجزائر” قبل السنة الأولى للاستقلال، بينما بدأت تجربة القصة سنة ,1962 وتقول في إحدى قصائدها ”أريد أن يكون وطني فرحا، حتى يكبر الأطفال، في قلب الأغاني”• من ناحية أخرى، تقول صفية كتو عن تجربتها الأدبية القصيرة والثرية ”اخترت عالم الخيال حتى أجد انطلاقة في الزمان والمكان ففي الفضاء لا توجد حدود وهذا ما يجعلني أعيش أجواء مختلفة مدهشة، وأبطالا خياليين حتى الآن لم يوجدوا في الأعمال الأدبية”• وكانت الكاتبة قبل رحيلها بسنوات أوضحت أنها بصدد كتابة رواية طويلة تتناول الواقع الاجتماعي، وأنها أنهت مسرحية بعنوان ”أسماء” وقدمتها للإذاعة والتلفزة الجزائرية، وهو المشروع الذي لا يزال الكثير من محبيها يتساءلون عن مصيره إلى غاية الآن• وحاول النقاد في حقل الأدب و الشعر و فنون التأليف و الرواية ضمن هذا اللقاء فك بعض الغموض والالتباس الذي يلف حياة هذه الشاعرة و الكاتبة خاصة مع قلة أو ندرة المطبوعات والمؤلفات التي نشرت حول أعمالها أو حول محطات حياتها ومسيرة انتقالها من مدينة لأخرى وعما إذا تركت مخطوطات أخرى عدا العملين اللذين نشرا لها خارج الجزائر أحدهما مجموعتها الشعرية الوحيدة “القيتارة الصديقة” ومجموعتها القصصية المتفردة “الكوكب البنفسجي” وقد صدرا تباعا عن دار أنطوان نعمان عام 1979 بكندا. وباستثناء هذين العملين لا يجد الباحث أدنى مرجع أو مؤلف ينوه بحياة ومسيرة صفية كتو الشاعرة والصحفية غير أن إجماع النقاد يتفق على أنها تمثل أحد الأسماء النسوية الجزائرية التي تألقت في سماء الشعر والإبداع الجزائري ومرت في صمت “مطبق” دون أن يلتف حولها الإعلام أو تجد رواجا لطبع ونشر إصدارتها. ويجمع كل من التقى صفية أنها تتميز عن غيرها من المبدعات في العلاقة الوطيدة بالمكان الأول الذي شهد ولادتها مدينة العين الصفراء و ذلك ما تعبر عنه شخصية تلك الشاعرة في ديوانها الشعري “صديقتي القيتارة” الذي حمل مشاعر مزاجية حادة تأرجحت بين الجفوة والحنين للمدينة والحب والنفور والابتعاد عنها ثم وصولا إلى الركون لدائرة الصمت. و ذكر الكاتب بزرواطة أن “صفية كتو واسمها الحقيقي زهرة رابحي المولودة بالعين الصفراء في نوفمبر 1944 بأنها واحدة من عاشقات الإبحار في عوالم الكتابة ويأتي تنظيم مثل هذه اللقاءات للوقوف على ما الذي بقي من صفية كتو كمنجز شعري وزخم حياتي ترك وراءه العديد من الأسئلة. و قد تطرقت في شعرها إلى القضايا العربية و قضايا العالم الثالث ( الحرب ، الأمية ، الظلم الاجتماعية ، فلسطين ، فيتنام ، الثورة الجزائرية ) و شغلتها هذه الهموم ، و من يعد إلى ديوانها ( صديقي القانون ) فإنه سيقف عند نتاج شعري مرتبط بمعاناتها ، و هي التي تقف إلى جانب قضايا المرأة و من مقولاتها ( المرأة لها عالمها الخاص ، الأمومة .. الولادة و الرجل لا يعرف ذلك إلا بمقدار ، و للمرأة موضوعات للكتابة فالدار عالم عميق و موضوعات كثيرة و هناك تكامل و الأدب متكامل و صوت المرأة يجب أن يأخذ دوره و تكون هناك تعادلية ) و لعلها في كتابة الخيال العلمي من خلال القصة أول من كتب في هذا المجال على المستوى الأدبي في الجزائر و كانت مجموعتها القصصية ( الكوكب البنفسجي و قصص أخرى ) الصادرة عن دار نعمان ، كيباك ، كندا في إطار سلسلتها إبداع 120 و تحتوي هذه المجموعة سبع عشرة قصة كتبت بين عامي 1964 1980 و في هذه القصص تلجأ الكاتبة إلى توظيف العنصر الدرامي من خلال التداعي ، و مقاربة الخيال ، في تشخيص الواقع بعيداً عن التنميق اللفظي و هي في قصصها تقدم الصراع بين الخير و الشر ، الماضي و الحاضر ، و بخاصة في قصص المجموعة ( القمر المشتعل ، المحقق الفضائي ، الكوكب البنفسجي ، المرأة الخيالية ) .